فيلم "عماد عقل" : الدعاية .. أكبر من قيمة الفيلم السينمائية تفاجأتُ للوهلة الأولي ، عندما أوقفني أحد حراس الأمن علي مدخل مسرح " رشاد الشوا " لتفتيش حقيبتي ، بعدما قطعت تذكرة لحضور فيلم " عماد عقل " ، حتى أنني ظننت أن في الأمر خطأ ما ، لكنني سرعان ما استوعبت الموقف عندما تنبهت لوجود طابور خلفي ينتظر التفتيش ، تماماً كإذن الدخول لثكنة عسكرية لمدة لا تتجاوز الساعتين ونصف الساعة _ مدة العرض _ ! الفيلم الروائي الذي اعتمد بشكله الأساسي علي الترويج الدعائي و الفكري ، لا يعدو كونه محاولة أخري لتأرخة العمل الفلسطيني المقاوِم ، خلال حقبة السبعينيات ، عبر شخصية الشهيد عماد عقل ، إلا أن تلك التجربة الفيلمية احتُكرت سياسياً ، سواء في مضمون الفيلم أو في إنتاجه ، خاصة وأن كاتب السيناريو د. محمود الزهار ، أما إنتاج الفيلم الذي كلف ما يقارب 120 ألف دولار ، فقد مُولته حركة المقاومة الإسلامية " حماس ". ورغم الجدل القائم علي قيمة الفيلم السينمائية ، إلا أنه لا يعتبر " أول فيلم روائي فلسطيني " كما جاء في بوسترات العرض ، فلا يمكن تجاهل الأفلام الروائية الفلسطينية ، منذ عام 1948 ، أو حتى ما قبله .. فقد سبق النكبة عدة محاولات لإنتاج أفلام روائية ، كان منها فيلم " أحلام تحققت " ، و " عاصفة في بيت " للمخرج إبراهيم سرحان ، قبل نزوحه للأردن بعد النكبة . كما يقال بان أول فيلم فلسطيني أنتج في فلسطين كان " حلم ليلة " عام 1946 ، للمخرج صلاح الدين بدرخان ، ليعود المخرج الفلسطيني محمد الكيالي عام 1969 ، لإنتاج فيلمه الروائي الطويل " ثلاث عمليات في فلسطين" ، بعد عودته من ايطاليا ، حيث كان يدرس السينما . أما التاريخ المعاصر للسينما الفلسطينية الروائية ، فقد حمل عدة أسماء مهمة ، استطاعت أن تعّبر عن جوهر القضية الفلسطينية علي المستوي العالمي ، كفيلم " عرس الجليل 1987 " للمخرج رشيد مشهراوي ، و فيلم " يد إلهية " للمخرج إيليا سليمان عام 2002 ، حيث حصل الفيلم علي جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي ، وهو الفيلم الثاني للمخرج بعد " سجل اختفاء 1996 " ، أما فيلمه الثالث " الوقت المتبقي " ، الذي يروي حكاية أسرة فلسطينية لاجئة ، فقد تم إدراجه للمنافسة علي السعفة الذهبية في مهرجان " كان السينمائي " ، في دورته لهذا العام . إضافة إلي عدة أفلام روائية أخري ، حصلت علي جوائز دولية ، كفيلم " موسم الزيتون " للمخرج حنا الياس في 2002 ، وفيلم " القدس ، في يوم آخر " للمخرج هاني أبو أسعد ، مخرج الفيلم المثير للجدل "الجنة الآن " عام 2005 ، والذي تعرض لانتقادات و ضغوطات شديدة من قبل جماعات صهيونية ، عند ترشيحه لجائزة أوسكار . غير أن التصحيح الوحيد الذي يقبله تعريف فيلم " عماد عقل " ، هو كونه أول فيلم روائي فلسطيني ذو توجه إسلامي واضح ، خاصة وأن الفيلم يتحدث بشكل مباشر عن بداية حركة حماس و تدرجاتها في سلك المقاومة منذ السبعينيات . لكن المباشرة الفائضة في الفيلم ، و اللغة الشعاراتية ، طغت علي تكنيكات الخط الدرامي للقصة بوقائعها، إضافة لاحتوائه علي تبريرات تاريخية لعدة أخطاء رافقت أيدلوجية المقاومة التي كانت لا تزال في طور بلورتها حينئذ ٍ ، الأمر الذي لفت الانتباه لرسالة الفيلم السياسية . غير أن النقد الذي تعرض له الفيلم ، لم يقتصر علي لغته الحزبية ، وإنما تجاوزه لأخطاء ارتكبها المخرج : ماجد جندية ، في الوسائل التقنية ، وفي معالجة المشاهد بالمونتاج ، الأمر الذي أدي إلي تقديم بعض المشاهد علي مشاهد أخري ، مما أخلّ بدقة الكوادر ومرونة الصورة . لكن استخدام بعض المؤثرات البصرية خفف من رتابة المشاهد التي غالبا ما جاءت علي وتيرة واحدة ، إضافة إلي محاولة المخرج محاكاة واقع الحياة المعاشة في المخيمات الفلسطينية في تلك الفترة ، وطبيعة العادات و التقاليد ، التي تقتضيها الحاجة الاجتماعية في قطاع غزة ،علي نحوٍ من الدقة . تلك الدقة التي لم يتوخاها القائمين علي العمل ، حتى في كونه فيلما روائيا ، فالفيلم يحكي سيرة شخصية لشهيد حركة المقاومة الإسلامية ، أكثر من كونه عمل روائي ، أو قصة مقتبسة من الواقع . " عماد عقل " ، جاء كتسلسل منطقي زمني ، من منطلق رؤية الأفلام السينمائية كوسيلة إعلامية بحتة، ومن منظور فني وتقني ضيق ، فالحركة السينمائية الفلسطينية منذ بدايتها ، ارتبطت بمنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل التنظيمية الأخرى ، مرتبطة بالتطورات السياسية في القضية الفلسطينية ، وما يتبعها من وقضايا أخري ، تنبثق _في كل مرة _ عن تغيرات تحملها كل مرحلة بخصوصياتها و أفكارها . ورغم أن السينما الفلسطينية ، سجلت تطورات ملحوظة و غير منظمة في آن ، في محطات و تواريخ سياسية محددة ، إلا أنها نادرا ما كانت تخرج من دائرة الإشكالات التي يعانيها الإنسان الفلسطيني بهويته و وجوده ، في مواجهة آخر مزيف ، لا ينفك عن احتلاله ، واستباحة كيانه التاريخي و الثقافي . غزة _ أسماء شاكر ''الفوانيس السينمائية''