محمود درويش: العلامة المسافرة عن تجربة السينما الشعرية عند طلال خوري و نصري حجاجي
- توطئة: إنه نوع من المفارقة أن تكون مدينة هيوستن التي لفظ فيها الشاعر محمود درويش أنفاسه الأخيرة‘ أول محطة ينزل فيها هذا الهرم كعلامة ثقافية عابرة لحدود الجغرافيا و التاريخ. حضر محمود درويش كقصيدة و رمز و ترجمة. و الاهم من هذا‘ حضر كصورة سينمائية تخلده في حاضر الصورة المتحركة لأجيال قادمة من خلال عملين متميزين هما الفيلم القصير 9 آب من إخراج طلال خوري‘ و فيلم كما قال الشاعر و الذي أخرجه نصري حجاجي. وكانت المناسبة مهرجان هيوستن لفلسطين والسينما (HPFF) . - محمود درويش سينمائيا: قد يكون محمود درويش الشاعر العربي أو العالمي الوحيد الذي حظي بأكبر احتفال واحتفاء داخل السينما‘ سواء محلية أو عالمية. ففي فيلم القدس في يوم آخر لهاني أبوأسعد‘ يحضر محمود درويش على شكل قصيدة تدخل في حوارية‘ كنص مواز‘ مع النص السينمائي لتكثف هذه الشحنة الدلالية لخطابه المتمحور حول تيمة الأمل و الصمود في وجه الحصار. أما في فيلم خصوصي Private ‘ من إخراج الإيطالي سافيريو كوستانسو‘ يتكرر على لسان البطل بيت "إما أن نكون أو لا نكون" من قصيدة مديح الظل العالي‘ و الذي يلخص الطرح الوجودي في شاعرية درويش ليصير هو اللايتموتيف النواة التي تنبني عليها عملية التشبث بالمكان كمقاومة. حضور محمود درويش‘ كشخص بدوره التاريخي في فيلم موسيقانا للرائد السينمائي جون ليك غودارد‘ كان بمثابة الشفرة الثقافية داخل خطاب التصادم الحضاري. كان هذا الحضور ضروريا في الخطاب المضاد و المسائل لعملية التأويل الثقافي و الحضاري الذي يخدم وجهة نظر التعسف الكولونيالي. فمسرحة مقطع من قصيدة خطبة "الهندي الأحمر" ماقبل الأخيرة‘ أمام الرجل الأبيض داخل هذا الفيلم‘ كانت عبارة عن مقابل درامي لطروحات الكاتب الإسباني خوان غويتسولو‘ و الذي يحضر هو الآخر بثقله الرمزي والثقافي في موسيقانا في سياق البنية المتكررة للثقافة المحيطة بالتعسف الكولونيالي. ينسف خوان غويتسولو الخطاب الكولونيالي بالتعرية على وظيفته الأساسية التي تكمن في الطمس الحضاري و التحريف التاريخي كمكمل للإبادة العرقية و عملية الطرد و الجلاء‘ و كل ما من شأنه التسلط على الآخر‘ و مصادرة حقه الحضاري في الوجود و الاختلاف. نسج جون ليك غودارد‘ ببراعة تجمع بين العرض والتسجيل‘ شبكة من التعالقات التي تجمع شعر درويش‘ خصوصا في ديوانه أحد عشر كوكبا‘ و أطروحة خوان غويتيسولو- مثلما حاكها من قبله إدوارد سعيد و كارلوس فوينتس - فيما يخص تكرر البنية التعسفية على مدى التاريخ و في المد الجغرافي بنفس الخطاب الاديولوجي المتكئ بقوة على الخطاب الديني‘ وبنفس الآلية العسكرية‘ و انتهاء بخطاب ثقافي جديد يطوع التاريخ لصالح الطرف المتعسف. ما يجمع هذه العينات السينمائية التي ذكرنا‘ و أخرى لم نذكر‘ هو تعاملها مع محمود درويش كالشاعر الشخص الذي تحول إلى الشخصية الرمزية. و هو ما يعني دخول محمود درويش في الأبجدية السينمائية المحيطة بخطاب التعسف الكولونيالي كعلامة ثقافية بالمفهوم اللسني لهذه الكلمة. في هذه النقطة بالذات‘ تتميز تجربة المخرجين طلال خوري و نصر حجاجي عن هذه التجارب السابقة و على أكثر من مستوى. فمن الناحية الإنتاجية‘ جاء الفيلم القصير 9 آب و الفيلم التسجيلي كما قال الشاعر غداة رحيل الشاعر محمود درويش. الفيلمان إذا يشكلان الاحتفاء السينمائي بالشاعر و إضافة أخرى لسيل الاحتفاءات التي اعتمدت وسائط فنية أخرى كالفوتوغرافيا‘ والموسيقى‘ و خصوصا منها اللغة بكل أنواع قولها الابداعية من شعر و مقالة. تجربتا طلال خوري و نصر حجاجي تتميزان كذلك من الناحية الحياكة النصية. كلاهما يتناول محمود درويش سينمائيا لا كعلامة ثقافية فقط و لكن من داخل هويته الثقافية‘ أي كشاعر. 9 آب و كما قال الشاعر هما عبارة عن مجازفة سينمائية مع شعر درويش أكثر من مجرد توظيف لدرويش كشخص أو كشفرة مثقلة بالدلالة في الخطاب السياسي والتاريخي‘ و إن لم يغب هذا البعد الوظيفي. في هذه المغامرة السينمائية كان الشعر‘ أكثر من شخص الشاعر‘ هو المحدد الأول لطبيعة المادة المضمونية و الصياغة الشكلية للصورة‘ و هو العامل الرئيسي في الرهانات الأسلوبية التي ارتآها كل مخرج على حدة‘ برؤيته الخاصة وحساسيته لمادة محمود درويش الشعرية. و الجدير بالإشارة هو كون الفيلمين ينطلقان من شعر درويش‘ فيشكلان بالضرورة قراءة خاصة لهذا الشعر بكل ما تحمل كلمة القراءة من معنى على مستوى التلقي الأدبي‘ كتوليد للدلالة؛ و على مستوى الابداع السينمائي من تحويل وإعادة صياغة‘ أو ترجمة سمعية بصرية‘ و كل ما اصطلح عليه‘ و لو تعسفا‘ بعملية الاقتباس. قراءة طلال خوري و نصر حجاجي تدخل إذا في مجال الحوارية بين النص السينمائي و النص الأدبي. لكن ما يميز هذه الحوارية كتداخل نصي – خصوصا عن التجارب السابقة التي ذكرنا أعلاه و التي هي الاخرى تتموقع في مجال التناص – هو هذا التحاور الاسلوبي المقصود. فأكثر من كونهما يعتمدان شعر محمود درويش كأساس بدرجات متفاوتة‘ فيلم 9 آب و كما قال الشاعر ينتميان لما يسمى بالسينما الشعرية. السينما الشعرية: كلمة في السينما والشعر عادة ما تفهم السينما الشعرية كهذه السينما التي تتطرق للشعر كتيمة بارزة داخل الحبكة الدرامية. أفلام مثل ساعي بريد نيرودا و حلقة الشعراء المفقودين أفلام شعرية. أفلام من هذه الشاكلة و إن جاءت مثقلة بالشعر في الحوار أو الحبكة السيناريوية‘ فإنها لا تحتسب على السينما الشعرية بكونها تتطرق لدور الشعر في بناء الشخصية‘ أو لتناولها في السيناريو و الحوار لخاصية من خاصيات الشعر كالمجاز و الصورة الشعرية. أفلام من هذه العينة التيماتية لا تعتمد الشاعرية في الطرح و أسلوب المعالجة السينمائية بشكل صريح مثل ما تعتمدها أفلام قد لا تتطرق لموضوعة الشعر بالبتة‘ كأفلام إنغمار بيرغمان‘ مارك فيرير‘ أو راينر فايسباندر‘ و بشكل أدق أفلام الروسي أندري تاركوفسكي رائد السينما الشعرية بكل امتياز. مبدئيا‘ و حسب بيير باولو بازوليني‘ هذا السينمائي المنظر الذي لا يمكن الاستغناء عنه في سياق السينما و الشعر‘ لكل عمل سينمائي نصيب من الشاعرية. فالسينما‘ حسب بازوليني‘ لا يمكنها ان تتفعل لغويا داخل مهمتها التواصلية دون الاعتماد على خلق مستمر لصور متجددة‘ و التي ما هي إلا عبارة عن استعارات و مجازات للواقع الذي تود إيصال فحواه للمتلقي. فالسينما والشعر يجتمعان بالضرورة في الحاجة للاستعارة في المهمة التواصلية. لكن عكس الشعر الذي يبقى ضربا من ضروب القول parole بالنسبة للغة langue مستندا على إرثها الثقيل ‘ تفتقد السينما لقاموس لغوي كالذي تمتلكه اللغة و ينهل منه الشعر. و هذا وحده يجعلها في حاجة إلى خلق مستمر لصور جديدة بالمعنى المجازي أي figure. و كما قال بازوليني‘ فالسينمائي لا يملك قاموسا و إنما لا نهاية من الامكانيات في خلق صور جديدة. بتعبير آخر‘ حين يتميز عمل الكاتب بكونه إبداعا جماليا ينبني على نسق بلاغي/ لغوي متفق عليه‘ يكون عمل السينمائي أولا لغويا تواصليا ثم بالتالي إبداعا جماليا. و هذا ما يجعل من الخطاب السينمائي خطابا مزدوجا: فهو تواصل بصري وفي نفس الآن تواصل جمالي مشحون بحمولة شعرية. بناء على هذا نقف على حقيقة الصورة السينمائية. الصورة السينمائية حسب بازوليني مفهوم مزدوج الدلالة فهي الصورة بمفهوم image و الصورة بمفهوم .figure وهذه الازدواجية تفرض نفسها حتى على مستوى القراءة‘ أي في الطرف الآخر عند المتلقي. فالمتلقي السينمائي يعتمد هو الآخر في تواصله مع المؤلف نوعا من القراءة تتجاوز المستوى الاستكشافي إلى المستوى الاستدلالي. قراءة تعتمد التحفيز و المساهمة في التحليل و التفكيك والتأويل سواء للانزياحات المضمنة في عملية نقل الواقع‘ أو تلك التي قصدها المخرج كتنويعة أسلوبية مجازية. في هذه الحالة يصبح طقس القراءة الفيلمية عملية مثيلة للقراءة الشعرية.
علاقة السينما بالشعر هي إذا علاقة كينونة. فاللغة السينمائية هي أساسا لغة شعرية. فهي من جهة مبنية على نظام من العلامات اصطلح عليه بازوليني بالعلامة الصورة‘ تنقل الواقع كما تنقل الدواخل الانسانية المكنونة في الذاكرة والحلم. بالتالي فهي لغة للتواصل مع الذات. و في ذاتية العلامة الصورة يجد بازوليني أعتى درجة للشاعرية. و من جهة ثانية‘و كعلامة تواصلية بالمفهوم اللغوي‘ تفتقد العلامة الصورية إلى عنصر المفهوم لأنها لغة جمالية لا يمكنها التعبير مباشرة على حمولة مفهومية كاللغة الفلسفية. و في افتقادها لهذا العنصر تتفعل اللغة السينمائية على مستوى تعبيري مجازي بالدرجة الأولى. بناء على ما سبق‘ نستنبط حقيقة الخطاب السينمائي‘ و الذي عادة ما يؤخذ على السردية النثرية‘ كدرجات متفاوتة من الشاعرية مؤشرها في القياس هو طبيعة المجاز. هذا الخطاب يستعصي تواصليا باستعصاء تلقي التنويعة المجازية‘ و يستسهل و يستساغ حين يعتمد استعارات مستهلكة تدخل الإيحاء إلى مجال الدلالة ليتلبس خاصية اللغة المباشرة – و لا ننسى هنا طرح نيتشيه بالنسبة للغة التي يراها مجرد سجل من الاستعارات المستهلكة. بناء على نوعية الاستعارة كوحدة دلالية في التعبيرية السينمائية يأخد العمل السينمائي إتجاهه نحو النثر السردي أو السرد الشعري الذي يتسم بالغموض و عدم خضوعه لقالب السردية الروائية المنمطة. في كلا الاتجاهين يبقى عنصر الشعرية متضمنا. هذا العنصر يقل حضوره في فيلم منمط على النموذج الهليودي مثلا‘ و يحضر بشكل عنيف في الفيلم القصيدة. و الفيلم القصيدة في اعتبار أندري تاركوفسكي ليس سوى هذا الفيلم الذي ينزاح عن السردية المباشرة و لا تخضع حبكته لأي منطق متعاقد عليه مسبقا بين المؤلف والمتلقي بصيغ متكررة. في النص السينمائي 9 آب و الفيلم التسجيلي كما قال الشاعر نجد تعبيرية ملموسة و مجسدة للمفاهيم و الآراء التي تحيط بالسينما الشعرية‘ أو السينما في علاقتها مع الشعر بصفة عامة. نجد في المتنين سينماتوغرافية غنية بالتعبيرية المجازية على مستوى الاسلوب‘ يزيد من كثافتها اعتمادها الصريح أرضية شعرية بالدرجة الاولى. فنحن هنا أمام نموذجين من السينما الشعرية قلبا وقالبا‘ شكلا و جوهرا‘ قصدا من جانب الكتابة و مقصودية من جانب المؤلف‘ هذا الذي يعلن من عتبة المشروع الفيلمي‘ بالعنوان الإيحالي أو المباشر‘ اشتغاله على نص شعري بالدرجة الأولى. طلال خوري: 9 آب‘ الفيلم القصيدة يمكن مقاربة الفيلم القصير 9 آب كفيلم قصيدة. هذا الفيلم الذي لا تتجاوز مدة عرضه خمسة عشر دقيقة يعتمد من بدايته إلى نهايته هذه الأسلوبية التي تجد مصدرها في الالهام الشعري. انتماء هذا الفيلم مبدئيا إلى شريحة الفيلم القصير يجعله يرصف في خانة السينما الشعرية. فالفيلم القصير يتسم اسلوبيا بالاقتصاد‘ الكثافة‘ الانزياح‘ و التلويح و اللجوء إلى التلاوين التعبيرية التي تعتمد بلاغة التلميح عوض التصريح المفصل‘ وكلها صفات يقتسمها هذا النوع السينمائي مع اللغة الشعرية. يستند الفيلم على نص شعري لمحمود درويش هو واجب شخصي من ديوان عبء الفراشة. يروي الفيلم بطريقة إيحائية قصة بطل يشيع لمثواه الأخير. عبر الموسيقى المصاحبة ذات النغمة العربية‘ و بعض هتافات المشيعين المرددة لكلمة "يا بطلِ" بنبرة شامية يمكن أخذ فكرة عن ملابسات هذا الحدث و موقعته في سياق شرق أوسطي و في لبنان بالذات. هوية هذا البطل يمكن أن تكون معممة على كل من سقط ضحية للصراع الذي تعرفه المنطقة؛ و إن كان إفصاح المخرج طلال خوري بالهوية الواقعية لهذا البطل عن كونه الكاتب الصحفي الملتزم سمير قصير ‘لكن هذه المعلومة تظل، بكل المقاييس، عاملا خارج فيلمي قد يسوق الدلالة نحو الواقعية دون الانتقاص من كثافتها الرمزية. شكل مشهد الجنازة النواة الأصل للحكاية والسرد‘ و منها تفرعت فصول يدخل بعضها في محور الواقعي التاريخي و بعضها في محور المجاز و الرمزية. في المحور الأول نقف على أحداث مرتبطة بالواقع الفردي للبطل‘ كعلاقة الحب و الحرص التي تعبر عنها الزوجة. في هذه العلاقة يحضر هاجس الموت المتمثل في التدخين. و يبدو جليا حرص الزوجة على حياة زوجها حين تنثر سيجارة من فمه و ترميها أرضا. في هذا المحور كذلك تبدو بصمة التاريخ على هذا الواقع ‘ حيث تحضر تيمة الموت في مشاهد الدمار الناتج عن الآلية العسكرية. يأخذ الموت بعدا قدريا و يتفعل كحتمية لا مفر منها. في هذه الحتمية تتلاشى الحدود بين الطبيعي و الاصطناعي. البطل ملاحق بالموت سواء كان السبب في الوعكة الصحية أو الآلية العسكرية. في هذه التيمة يجتمع الفردي الحميمي و الجماعي التاريخي‘ فيتحول الموت إلى بطولة. في المحور الأول اعتنى المخرج بالمركبات البصرية التي من شأنها خلق انطباع الواقع‘ و التحفيز الواقعي الذي يجعل المتلقي يعيش الطقس سينمائيا كما يعيشه واقعيا‘ تأتي عناصر تنتمي للشريط الصوتي كتجويد القرآن المنبعت من مصدر داخل الحكاية ليعطي لهذه الجنازة بعدا قدسيا كالشهادة. في المحور المجازي و الرمزي‘ تتضافر عناصر سينماتوغرافية مع العناصر النصية في تأثيث البعد الرمزي للحدث. و تتأتى هذه العملية عبر البنية الموسيقية للفيلم‘ التوليف‘ التنوع في سلم اللقطات‘ حركة الكاميرا‘ و الإنارة. هذه السينماتوغرافية تستجيب للسردية المضادة التي تشرذم الحدث بدون محددات زمنية‘ وتجعل الماضي يتداخل مع الحاضر و الواقعي يتوالف مع الخيالي بشكل يصعب الفصل بينهما. كسمفونية‘ يبدأ شريط 9 آب بنفس اللقطة التي ينتهي بها. فقط في النهاية و من مصدر صوتي خارج حكائي نسمع قراءة شعرية لمقاطع من قصيدة واجب شخصي. عبر هذا التداخل النصي مع القصيدة بكل أبعادها الاستقرائية تدخل القصة السينمائية هي الأخرى في أفق الرمزية‘ و الذي من خلاله تصبح تيمة البطولة مجالا جامعا لمفارقات الآني و المستهلك مع الأزلي و الأيقوني. عبر الكناية الصوتية للأحجار التي ترميها يد البطل في متوالية وقتية‘ ميترونوم‘ قد تكون دقات الساعة أو دقات القلب ‘ نقف على عنصر الزمن و الوقت الذي يتدخل في حسم قدر كل بطل و إبادة بطولته للزوال. شخصية البطل الذي يبدو هو من يتحكم في صنع حياته الأسطورية و موته التراجيدي‘ يعتريها هي الأخرى هذا الغموض القدسي بتواجدها داخل مغارة أو كهف بكل أبعاد هذا الحيز في الميتولوجيا الدينية. تتداخل لقطات 9 آب عبر توليف بطيء يوحي بمرور الزمن‘ و في نفس الوقت يجعل التجربة تبدو و كأنها تنتمي للحظة تمتد إلي الحاضر. فالعملية التوليفية المعتمدة على التلاشي للقطة في أخرى dissolve تمتزج مع تقطيع داخل الإطار نفسه‘ حين تتم النقلة عبر نفس العنصر كالمركب البصري المتمثل في المظلات السوداء. هذا الانتقال كما يوحي بمرور الوقت يوحي بتجمده في نفس الزمكان. و كنتيجة‘ تبدو الأزمنة متداخلة بشكل معهود في البعد الزمني داخل القصيدة أكثر منه في الزمكان السردي الفيلمي. عملية التوليف في 9 آب تنسجم بشكل متناغم مع حركة الكاميرا. فالتصوير يتم عبر محاور متنوعة بين الافقي والعمودي والمائل. بطء حركة الكاميرا يقحم المشاهد في عوالم الفيلم الإخراجية و يجعله يتحسس جمالية الصورة بغض النظر عن موضوعها. و في تحسيس المشاهد بعمل الكاميرا تكمن شعرية الفيلم القصيدة‘ كما يقرر بذلك بوالو بازوليني. يخضع سلم اللقطات في 9 آب إلى منطق اللاسردية هو الآخر. فاللقطة / المتوالية tracking shot للجنازة هي المقطع المحوري الذي عنه تتفرع اللقطات الأخرى بزمكانات مختلفة. و هذا لا يمنع من مزاوجة هذه اللقطة المحور مع لقطات متفرعة تختلف عنها في الحجم‘ كاللقطة المكبرة لزوجة البطل. و في الحركة‘ و هي نفس اللقطة التي تبدو فيها الشخصية ثابتة فيما الجنازة تأخذ طريقها في حركة بطيئة داخل البؤر البعيد. كما تختلف في الزاوية عبر الغطس والغطس المضاد. سينماتوغرافية 9 آب كما أشرنا تتجاوب مع منطق أو لا منطق السردية المضادة التي تلبّستها الحكاية الفيلمية. متواليات الفيلم‘ تبدو عبارة عن فسيفساء تلم شظايا من اللقطات و الوصلات الصوتية على الطريقة الغودارية (نسبة إلى المخرج الفرنسي جون ليك غودارد الذي يعتمد لا منطق العلاقة بين الصورة و الصوت داخل نفس اللقطة). تقنية الإنارة التي تعتمد الموضوع و الظل عبر التلوين بالأبيض و الأسود تجعل من هذا الشريط القصير عينة من هذه السينما التي تنتمي إلى تقليد أندري تاركوفسكي. موازاة مع هذه القصيدة البصرية التي نظمها طلال خوري بأسلوب سينماتوغرافي يشد الأنفاس‘ يبقى نص درويش العنصر الرئيسي الذي كثف من ملامح الشعرية في هذا الفيلم. عبر محمود درويش يفتح طلال خوري بجدارة و جرأة السينمائي الشاعر‘ بوابة القصيدة الفيلم في جدارالسينما العربية. 9 آب هو التاريخ العربي الحقيقي الذي يتوج فيه درويش كعلامة ثقافية عابرة و مهاجرة بين الوسائط التعبيرية و الجمالية‘ من الشعر العربي إلى السينما العربية.
- نصر حجاجي: الصورة السينمائية كتوثيق للصورة الشعرية قد يكون ما يؤاخذ على الشريط التسجيلي كما قال الشاعر لنصري حجاجي‘ كونه مغرقا في الاحتفاء بشكل ذاتي و حنيني و حميمي تجاه درويش‘ و اعتبار هذا العمل السينمائي مجرد سجل من اللوحات البكائية بخصوص الفقيد الشاعر‘ هو أشد مكامن القوة في هذا العمل السينمائي. لن يغيب عن أي مطلع على الورقات التعليقية والنقدية التي تناولت الفيلم أن نوعا من القراءة الاحادية‘ و التي هي الاخرى تنبعث عن فكرة مسبقة لطريقة ما للاحتفاء بالشاعر محمود درويش‘ قد اسقطت على الفيلم بشكل تعسفي دفش العديد من أوجهه الجمالية و بعض الخصوصيات التعبيرية التي تفرد بها. فيلم نصري حجاجي كان صريحا منذ البداية بخصوص مادته التيمامتية الرئيسية وهي بكل بساطة محمود درويش الشاعر. و قد أبان عن بنيته الشكلية بمحورين متوازيين يقطعان الفيلم أفقيا وهما محمود درويش الصوت و محمود درويش الصدى. و الافصح من هذا وذاك هو النية الاحتفائية بهذا الشاعر عبر الكلمة أو الصورة‘ وذلك عبر عنوان فصيح وفاضح مثل كما قال الشاعر. لكن النقد العربي لا يتساهل مع أي متن‘ أنى كانت نوعيته‘ إن تناول محمود درويش كتيمة. قبل الدخول في مقاربة هذا الشريط التسجيلي على ضوء ما تميز به شكلا ومضمونا‘ لابد من الاشارة إلى بديهية سينمائية قد تفيد جدا في إنارة بعض العتمات التي كان محط لبس بخصوص هذا الفيلم. على عكس الفنون التي تستخدم الكلمة‘ طبيعة وسيط السينماتوغراف تقتضي غياب أي مؤشر فاصل بين شكل الصورة و مضمون الصورة. و في هذا يكمن أول تحد يواجهه المخرج و هو معالجته لمادة مضامينية كالشعر تتميز تعبيريتها بالغموض والكثافة و الانزياح‘ أي بدرجة عالية من الشكلانية اللفظية. أي صورة أيقونوغرافية ستناسب ما يميز الشعر داخل نسق اللغة؟ ما هو المركب السينمائي داخل اللغة السينمائية الذي بمقدوره خلق صورة سينمائية مقابلة للصورة الشعرية؟ هذه تساؤلات لابد من طرحها قبل إصدار أي حكم قيمة على شريط كما قال الشاعر. هذا الشريط‘ و بكل المقاييس هو مجازفة السينمائي في الخوض فيما يعتبر الوسيط التعبيري والجمالي الأول داخل ثقافته العربية الا و هو الشعر. و ما يزيد في المجازفة والمغامرة هو الرهان على محمود درويش‘ الشاعر الأكثر احتفائية في العالم العربي المعاصر‘ بكل الثقل الذي يحمله إسم درويش في الواقع العربي الراهن على المستوى السياسي أكثر منه الثقافي. مثلما أشرنا أعلاه فإن ما يشفع لأي عملية تعديل سينمائية لنص أدبي‘ نثرا كان أم شعرا‘ هو كونها أولا وأخيرا قراءة. فيلم نصري حجاجي لكونه قراءة المخرج خاصة‘ عبر شريطي الصورة والصوت‘ مصاحبة لقراءة أخرى هي القراءة الشعرية‘ سوف يمنح بالضرورة‘ و كنتيجة حتمية‘ طريقة أخرى لقراءة هذا الشعر. لم يعد شعر درويش يقتصر على اللفظ والكلام. بل أصبح صورة سينمائية تمزج إضافة إلى اللفظ و الالقاء‘ عناصر أخرى هي الموسيقى و المؤثرات الصوتية‘ الأداء‘ التشخيص‘ ابجدية التوليف و حركة الكاميرا‘ و عناصر تعبيرية سينمائية أخرى . أصبح بيت درويش مجالا لقراءة مركبة لجدلية مادة و شكل الصورة مع مادة وشكل الصوت و نوعية الترابط بينهما. أول ما يثير الانتباه في الفيلم هو القراءة نفسها. فالقراءة تصبح عملية تتجاوز حدود الدال اللفظي و الآفاق التي يفتحها على المدلول المجازي المرتبط بالبيت الشعري فقط‘ إلى آفاق استقرائية للحوارية بين هذا الدال مع دوال من نوع آخر تنتمي لنسق لغوي مختلف بالاضافة إلى اللغة السينمائية‘ ينتمي للغات الأجنبية التي سيقت في الشريط الصوتي‘ أو اللغة الأنجليزية التي شكلت النص المكتوب المصاحب على طول الشريط. زد على هذا التداخل النصي الذي تقترحه العتبات النصية بمزاوجتها بين المؤشر الواقعي الجغرافي الذي ينتمي للعالم و الانطباع الشعري الذي ينتمي لعوالم شعر و شعرية درويش. تتعد مستويات التوليد للقراءة المشاهدة لكونها مبدئيا تدخل في نسق اللغة الصورية و كل المركبات السمعية البصرية التي تنطوي عليها الصورة. فهي قراءة تفعل أكثر من حاسة و تتطلب أكثر من حساسية. في قراءة من هذا المستوى سيكتشف المتلقي محمود درويش آخر. أو ربما محمود درويش هذا الآخر الذي يتجاوز السياق الجيوسياسي إلى الفضاء الإنساني. فهذه الصياغة الجديدة لبيت درويش عبر الصورة المصاحبة تفتح بالضرورة هذا البيت على الآفاق التأويلية التي تنكرها القراءة المغرضة التي تحصر شعر درويش في بعد واحد من أبعاده و هو البعد المسيس. في قراءة لشعر درويش تحت عنوان عزلة الشاهد‘ أبان كاظم جهاد عن طبيعة العلاقة ين شعر درويش والسياسة. فمحمود درويش " منذ بداياته لم يسقط في فخاخ شعر السياسة بقدر ما أفلح في تأسيس سياسة للشعر لا تتنازل عن شروط القصيدة قيد أنملة." (مجلة الكرمل. عدد خاص بدرويش) قياسا على هذا يمكن النظر للمخرج نصري حجاجي كشاعر سينمائي مخلص لخصوصية التعبيرية و الجمالية السينماتوغرافية‘ و يمكن مقاربة الفيلم لا كفيديو كليب يتلبس شعر درويش و إنما فيديو لشعر درويش لا يتنازل عن شروط البلاغة السينمائية قيد أنملة. فيلم حجاجي زيادة على هذا‘ اقتبس شعر درويش بمادته السياسية داخل غلافها الشعري الذي ابدع درويش في حياكته. كان تصوير نصري حجاجي هو الآخر سياسيا عوض كونه تصويرا للسياسة‘ إذا استعرنا مقولة جون ليك غودارد. في هذه المعالجة السينمائية‘ ركز الشريط الصوتي في كما قال الشاعر على قراءات في شعر درويش المتأخر‘ و هو بمعنى من المعاني‘ شعر درويش في مرحلته الناضجة‘ الأكثر عالمية‘ حسب كثير من النقاد. موازاة مع ذلك‘ نجد الصورة فضاء لمواد الصورة الشعرية التي تنتمي لشعر درويش في فترته الأولى. و هي الفترة التي كان فيها هذا الشعر عبارة عن " ترميم دواخل الفلسطيني و مده بصورة عن نفسه و بحضور في العالم و اللغة والتاريخ.." (كاظم جهاد‘ نفس المرجع). قراءات من الجدارية و سرير الغريبة و مجموعات أخرى‘ ستأخذ بالضرورة بعدا إنسانيا جسدته اللغة السينمائية بهذا الإلقاء الصوتي لشعراء عالميين. قراءات تعبرأفقيا جغرافيا المعمور من الشرق الأوسط إلى أمريكا‘ مرورا بأروبا وإفريقيا. و تتصاعد عموديا مع كل القضايا الانسانية كقضية الأكراد و قضايا أخرى تسكن بالضرورة في السياق السياسي و الثقافي للغة المستعملة. حوارية الانا و الآخر تتجسد في صوت درويش وصداه المتحقق في ثقافات أخرى‘ عبر التماهي تارة و عبر التصادم تارة. لنتذكر اللقطة التي يصمت فيها صوت الشاعر الإسرائيلي دون غياب صورته‘ و يعوض هذا الصمت بصوت درويش و هو يلقي من قصيدة حبلى بمضمون تصادم الذات بالآخر. الصورة السينمائية لنصري حجاجي عبر هذه التوليف البلاغي بين الصورة والصوت‘ هي الوحيدة التي استطاعت أن تجسد أيقونيا‘ و أيقونوغرافيا‘ واقع الاحتلال في بعد انعكاسي يحفز على المراجعة و إعادة النظر. في الوقت الذي أدى فيه الشريط الصوتي وظيفة الطيران بشعر درويش في آفاق إنسانية و كونية‘ كانت الصورة تربط هذا الشعر بأرضية الواقع الذي انبتق عنه بحمولته السياسية من مقاومة و صمود. تمسح الصورة هذا الفضاء المسكون بالأشياء التي يغنى به معجم درويش الشعري من حقل و مدرسة أشجار الزيتون و شبابيك البيوت و الصور الفوتوغرافية المعلقة على جدرانه. في الصورة نتعرف على الأشياء التي صنع منها درويش معجما لشعره ولشعبه‘ و كان استقاها من واقع الفلسطيني وحياته اليومية‘ لتكون شاهدا على حضوره‘ و مرممة لكيانه المهدد‘ كما أشار لذلك كاظم جهاد (نفس المرجع). في هذه الحالة‘ كما قال الشاعر شريط يقوم بعملية وظيفة توثيقية مرتبطة مباشرة بالأدب و بالشعر الفلسطيني و العربي عموما. فهو يعتبر سجلا سمعيا بصريا للعناصر المكونة للصورة الشعرية عند محمود درويش‘ ليصبح هذا الفيلم‘ الصورة السينمائية التي تترصد هذه الصورة الشعرية من نواتها التكوينية في بيبليوغرافية الشاعر. في هذا المسح السينماتوغرافي لا نقف فقط على موتيفات حبلى بالرمزية في الشعرية الدرويشية و إنما كذلك على صدى تحققه في القارئ المحتمل. بخصوص هذه النقطة كانت بعض التعبيرات الصامتة كرسم صورة الشاعر على الحائط‘ و صورته المقتطفة من الجريدة والملصقة على زجاج مرآة في مخبزة‘ أفصح تعبير عن مدى و فعالية هذا الصدى. في مهمة التوثيق هذه لليومي الفلسطيني‘ طبعا يتماهى الشاعر و السينمائي فكلاهما ‘ ولكن بأدوات مختلفة يسجل فصلا من المقاومة الفلسطينية لسياسة المحو. في المرجعية السينمائية يمكن مقاربة كما قال الشاعر كسينما التوثيق التي تقاوم سينما الرواية و التي يعني يهما جون ليك غودارد الصورة الفلسطينية مقابل الصورة التي تنسجها الصهيونية. كما قال الشاعر فيلم شعري قائم على المجاز. مادة مضمونه هو المجاز و شكل عرض هذا المضمون هو الآخر يستند على المجاز. إن كانت طبيعة الوسيط السينمائي تفرض شكل العرض فلكون السينما لغة مجازية تفتقد منطق اللغة التواصلية كما أشرنا أعلاه‘ ثم لكون المقصدية التواصلية لهذه اللغة تتجاوز الشروط المحلية إلى الكونية. فالسينما لغة عالمية لأنها تعتمد على الصورة ومركباتها التي تخضع في استيعابها لنفس الابجدية بغض النظر عن جنسية المؤلف أو المتلقي. شروط الخطاب السينمائي ترتبط بشروط تلقي هذا الخطاب‘ بمعنى آخر‘ هذه الشروط ستفرض بدورها فهما معينا للمجاز الذي يعتمده هذا الخطاب في إيصال رسالته. في هذه النقطة بالذات أبدع نصري حجاجي في المزاوجة بين المجاز ذي الصدى الكوني و الذي تعتمد اطرافه على عناصر تنتمي للمخيال الكوني في اغلبها طبيعية كالماء و البحر و الشجر؛ دون التقصير في الحفاظ على البعد المحلي لشعرية درويش داخل نسق المجاز العربي بأطرافه و تنويعاته السياقية كالحصان و الصحراء على سبيل المثال لا الحصر. في الوقت الذي قدم المخرج للمشاهد الغربي تشكيلات مجازية لا تدخل في قاموسه البلاغي بنفس المعنى كالحصان و الصحراء و شجر الزيتون‘ و هي استعارات تولد معاني عديدة داخل الثقافة العربية كالصمود والشهامة و الحكمة‘ فتح المجال لنوع من التناص البلاغي بين ابعاد تأويلية محلية و أخرى كونية. من خلال فيلم كما قال الشاعر تعبر صور درويش الشعرية للمتلقي الآخر برموز ثقافية جديدة. يدخل الخط العربي ببعده الفني والقدسي إلى مخيال آخر‘ كما تدخل صحراء المتنبي و حصان المعراج بكل الابعاد التأويلية والتوليدية التي تحملها هذه الرموز في الثقافة العربية. كما قال الشاعر هو هذه السينماتوغرافية التي تزاوج بين الصوت والصورة‘ بين الاشكال المتحركة و الاشكال الثابتة‘ بين الفضاءات الداخلية والخارجية‘ و بين الاحالة المعتمدة على التجريد و الاشارة المشخصة في الأداء. عبر هذه السينماتوغرافية أضاء نصري حجاجي جدلية الحجر والسحاب‘ الأرض والسماء‘ و التي تشكل دعامة الصورة الشعرية عند درويش. في بعض المواقف تأتي الصورة كعنصر مرجعي للبيت مضيئة أبعاده الرمزية‘ مثل صورة الديوان لا تعتذر عما فعلت و فوتوغراف الشاعر نفسه وسط الماء. صورة تحلل و تحول لعنصر ثابت في عنصر متحرك تفصح عن أزلية الشعر و الشاعر تضيف إليها السيمفونية عبر الشريط الصوتي بعد الخلود في الزمن. هذه الصورة بالمعنى الحرفي و المجازي تفتتح بعتبة من قول الشاعر: إن التشابه للرمال و أنت للأزرق.. من قصيدة أحمد الزعتر. في بعض المواقف تعبر الصورة عن إحدى خاصيات الصورة الشعرية عند درويش كالحركية التي تميز شعره إيقاعا و معنى. هذه الحركية التي أخذت بعدا سينمائيا تشخيصيا حين اعتمد المخرج في إيصالها على لغة الاشارة. يعبر شعر درويش إلى أشكال كلامية أخرى لا تعتمد الكلمة كلغة الإشارة‘ داخل هذا النسق الكلامي الجديد تأخذ شعرية درويش بعدها الأزلي الذي يثور على الحدود الزمنية المرتبطة باللفظ المتمفصل على مفارقة الحاضر المتحلل في الماضي مباشرة. صيغة المضارع التي تنطوي على وظيفة مضامينية هي التعبير على الصمود والاستمرارية ووظيفة شكلية هي تحقيق إيقاع البيت‘ تتحاور مع لغة الاشارة و التي بدورها تتحول عبر الشعرية المترجمة إلى إيماء كوريوغرافي يتجاوز التواصل إلى التعبير الفني الجسدي. كما قال الشاعر غني بالتلوينات الجمالية التي تنتج عن مزاوجة البيت الشعري بالصورة السينمائية. لقد أبدع نصري حجاجي في إعطاء قصيدة درويش شكلا جديدا سيخلدها لأجيال لاحقة. و كما هو متضح من العنوان الذي رأى فيه الكثير نوعا من الكليشي والتعبير المنمط‘ هذا الفيلم احتفاء صريح بمحمود درويش. في هذا الاحتفاء سيتوج درويش مكانة الشاعر الذي يقول‘ الشاعر المرجع‘ الشاعر الحكيم‘ و الذي تعتبر أبياته سندا يفصل الحق عن الباطل في القول و يختم الكلام. بعنوان يطرق كل المهام المناطة بالشعر في الثقافة العربية‘ و يعبر عن المكانة التي يحتلها الشعر في النسق المفاهيمي و الخطاب الثقافي العربي‘ يقدم نصري حجاجي دعوة صريحة لتبويء درويش مكانته التي يستحقها في الثقافة العربية‘ إنه المتنبي الجديد‘ و اولى الناس بقول المتنبي "إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا". في فيلم كما قال الشاعركان محمود درويش حاضرا صوتا دون صورة. و هي تقنية سينمائية عربية محضة خاصة بتشخيص الأنبياء. بقلم: عبداللطيف عدنان خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة