إن المتأمل لحياتنا اليوم سيذهل حينما يلاحظ حجم حضور الصورة في حياتنا اليومية و حجم سيطرتها على مساحات شاسعة من فظاءاتنا ، و شغلها لكمّ هامّ من اهتماماتنا .. ليكتشف في النهاية بأنه أسير أشكالها و ألوانها و خطاباتها المتنوعة ، و أمام هذا الوضع ، بات لزاما علينا أن نبحث عن ميكانيزمات لحلّ شفراتها و فكّ رموزها حتى نستوعب مضامينها و نتواصل معها ، و إلاّ ستشملنا أمِّيَة من نوع آخر . و خاصة أطفالنا الذين باتوا عرضة للمئات و إن لم أقل الآلاف من الصور المختلفة شكلا و مضمونا ، يصادفونها في الشوارع ، و أمام المحلات التجارية و الحرفية ، يرونها في بيوتهم و حتى في أفرشتهم و ملابسهم .. أما ما يتلقّونه عبر التلفاز و الإنترنيت فما لا يُؤمن نوعا ، و لا يحصى عددا و أطفال اليوم ، و إن كانوا أكثر حظوة من الأجيال السابقة في استفادتهم من الصورة التي صارت تُؤثث حجراتهم ، و تُؤمّن ذاكرتهم الجماعية و الفردية ، حتى بات الطفل منهم يمتلك ذاكرة حياته ، من كونه جنينا في بطن أمه إلى آخر لحظة من حياته ، في حين يتمنى بعضنا أو ممن سبقونا من الأجيال السالفة ، لو يمتلك صورة واحدة تذكره بأيّام صباه ، أو بوجه أمه أو أبيه أو بأيّ أحد ممن يحب .. فلا يجد لذلك خيارا غير الصمت و النسيان و لغة الخيال . و مع ذلك فهذه الأجيال ، و إن حظيت بما حظيت به ، إلاّ أنها في حاجة ماسّة إلى حماية خاصة ؛ حماية من الوجه الآخر للصورة ، الوجه المخرّب لروح الطفولة و براءتها ، المدمر لذاكرتها و أصولها .. هنا فقط يبرز دور المنظومة التربوية في إعادة تخصيب الذاكرة ، و إقامة نوع من التوازن بين الكائن و الممكن ، و خلق نوع من الممانعة في جسم كائننا الطفولي البريء ، ضدّ هذه الهجمة الشرسة للصورة .. و ذلك عبر تحصينه بعُدّة المعرفة ؛ معرفة الصورة و قراءتها القراءة الصحيحة ، فمن خشي شيئا صار عبدا له ، و من علم شيئا اتقاه .. و هذا لا و لن يتمّ إلاّ بثقافة الصورة ، فهي المضاد الحيوي في جسم طفولتنا العارية ، و ما هذه المهرجانات السينمائية التربوية التي تقام عبر ربوع وطننا العزيز إلا لقاح ضدّ سعار الفضائيات المدمر ، و الصور المجانية المبثوثة هنا و هناك .. كي تعيد للطفولة براءتها و نصاعتها ، و تعيد للفنّ رسالته و أهدافه النبيلة ، و ما ذلك على حماة التربية بعزيز . خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة المداني عدادي