لاشك أن كل الفضل في تأسيس اللبنة الأولى للسينما المغربية يرجع إلى محمد عصفور ، إذ دشن عهدا جديدا لم يكن المكون الثقافي المغربي فيه قد نضج بعد، فرغم تواضع تجربته وارتجالها إلا أنها حملت رموزا من التحديات فتحت الباب على مصراعيه أمام الاحترافية والتنافسية. محمد عصفور مخرج عصامي كون نفسه بنفسه عبر الاحتكاك بالسينمائيين الأجانب وتتبعه لأفلامهم، عمل في حرف بعيدة كل البعد عن الشاشة البيضاء إذ عمل بائعا للجرائد و ميكانيكيا ونادلا. من بين أفلامه نسور الغابة، وجحا، والكنز الجهنمي، وطفل الغابة. تتشعب تلك الأفلام عن قيمها الاجتماعية، ومع ذلك لم يكن عرضها بالأمر اليسير، إذ كان يتخذ من مرآب لإصلاح السيارات بالدار البيضاء مكانا لتقديمها وعرضها. عشقه للميدان أدخله متاهة الصورة وروعتها وشكل منها محور رسالته وآرائه، نقلها صامتة لتتغلغل بسكون داخل الذاكرة الوطنية، يعتبر فيلمه «الابن العاق » (16 ملمتر ) والذي أنتج سنة 1958، أول شريط طويل تنجبه السينما المغربية ، فيلم من إنتاج وإخراج وسيناريو وتصوير ومونتاج محمد عصفور وتشخيص محمد الكنوس وزاكي بوخريس تدور قصته حول انحراف الشباب والإهمال الذي يتعرضون إليه داخل الأسرة والذي يقود في الأخير إلى الجريمة. ممارسته للسينما كانت قبل «الابن العاق» بسبعة عشر عاما، حيث اخرج فيلم «ابن الغابة» 1941، وهو سلسلة أفلام قصيرة صورت بكاميرا من فئة ( 9 ملمتر ) ليتبعه بمجموعة من الأشرطة القصيرة الأخرى «عيسى والأطلس» 1948، «أموك ، القاهر» 1949، «جحا» 1950، «بوخو النجار» 1956، «اليتيم» 1957، «الهاربون من السجن» 1958 .فيلم «كنز جهنمي» (35 ملمتر ) هو ثاني فيلم طويل له بعد «الابن العاق» أخرجه سنة 1970. رغم كل هذا الربرتوار السينمائي الغني لمحمد عصفور إلا أن هناك من يقصيه من القائمة السينمائية المغربية بدعوى عدم احترافيته وأهليته للتربع عليها، وينسب البداية الحقيقية للسينما المغربية إلى سنة 1970 عندما ظهر فيلم «وشمة» للمخرج حميد بناني، لكن الحقيقة التي يعترف بها اغلب المهتمين السينمائيين أن مرحلة محمد عصفور مرحلة مهمة عملت على صياغة وصقل أعمدة الفن السابع ببلادنا، عبر توفير الظروف اللازمة والقواعد الأساسية للوقوف على منتوج سينمائي مغربي مئة بالمائة يحافظ على هويته وموروثه الثقافي، بعدما كان الجمهور في تلك الفترة لا يشاهد سوى أفلام أجنبية بعيدة كل البعد عن قيمه وثقافته ولغته وحلمه...هي مرحلة يمكن نعتها بالمرحلة الثورية لما تحمله من سمات انقلابية على البنية الثقافية السينمائية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وكان لزاما على المجتمع أن يدفع بشخص قادر على تحرير هذه البنية من الهيمنة الأجنبية، وتأسيس رؤى جديدة تتناسب والخطاب المغربي، فكان محمد عصفور الذي فارقنا سنة 2005. بقلم: فؤاد زويريق خاص بالفوانيس السينمائية