يعتبر هذا المبدع من المؤسسين الأوائل للسينما المغربية، وإن كانت تجربته عصامية، اكتسبها من خلال احتكاكه بالفنانين الأجانب، إلا أنها حملت جرأة وتحديا تمهيديا لفتح الفرصة أمام من رغب في احترافية هذا المجال. دشن محمد عصفور بدايته بأفلام قصيرة، صورت بكاميرا من صنف (9ملمتر)، أولها فيلم «ابن الغابة» سنة 1941، «أموك القاهر» 1949، «جحا» 1950، «اليتيم» 1957، «الهاربون من السجن» 1958... ثم أنجز أول شريط طويل سنة 1958 بعنوان «الابن العاق» الذي يحكي عن مشكلة انحراف الشباب وانزياحهم للجريمة، وقد كان هذا الشريط من كتابته وإنتاجه وإخراجه وتصويره، بمشاركة محمد كنوس وزاكي بوخريس في التشخيص، وسوف يليه شريطا طويلا آخر سنة 1970، بعنوان «كنز جهنمي». رغم قلة إمكانيات هذا الفنان الذي كان يتنقل بين عدد من الحرف لكسب قوته اليومي، من ميكانيكي إلى بائع الجرائد ثم نادل.. أصر على أن ينتج أكبر عدد من الأشرطة السينمائية بإمكانيات متواضعة، جعلته من مؤسسي السينما المغربية بدون منازع، رغم الإهمال الذي تعرض له من طرف أغلب النقاد، بحجة عدم احترافيته، دون أن ننسى بأنه عمل في فترة استعمارية، لم يعرف المغرب فيها إلا أفلاما أجنبية، كما أنه احتك بأكبر المخرجين السينمائيين العالميين أمثال : المخرج الأمريكي أرسون ويلز الذي صور شريطه «عطيل» بالصويرة. كانت هذه الفترة التي أنجز فيها الفنان محمد عصفور أعماله، ملاذا ومتنفسا لتدشين حقبة جديدة لطرح قضايا اجتماعية وثقافية مغربية، وإن كانت بطريقة مبسطة، لكنها كانت تملأ الفراغ الذي عرفته الساحة الفنية المغربية في هذا المجال، مع طرح لقضايا لها علاقة بالهوية المغربية آنذاك. توفي الفنان محمد عصفور بعد هذه المسيرة الإبداعية الطويلة سنة 2005.