سوريا إلى أين؟ هكذا يتساءل إعلام الكابرانات المأجور بنبرة فيها الكثير من الحسرة على انهيار نظام بشار الأسد الديكتاتوري الذي أذاق ملايين السوريين الويلات. هذا السؤال هو نفسه الذي يطرحه محترفو الثورات المضادة، وهم يحاولون تبخيس حقوق شعب كامل انتفض ضد الظلم والقهر والاستبداد، ويريد أن يتذوق طعم الحرية والانفتاح بعد عقود طويلة عاشها تحت ربقة القمع. وبينما يحتفل السوريون اليوم بعيد التحرّر من عصابة الأسد، ويحاولون تلمّس طريقهم نحو الاستقرار والوحدة والديمقراطية، من المؤكد أن نظام الكابرانات الذي دعّم بشار الأسد حتى آخر لحظة لن يروقه أبدا هذا المسار، وسيبحث عن كل المبررات للتقليل من قيمة هذا الحدث التاريخي. فبصرف النظر عن الأسباب والمسببات التي كانت وراء سقوط الأسد، من المفروض أن تعبّر الأنظمة السياسية الحرة عن دعمها وتأييدها للشعب السوري في رحلته المقبلة نحو بناء دولة المواطنة والمساواة والعدالة، بدلا من رسم ملامح مصير أسود على غرار ذلك الذي تعرّضت إليه أنظمة عربية أخرى بعد سقوط الأنظمة السابقة. ومن الواضح أن أسمى أماني النظام الجزائري الحالي هو أن تفشل المرحلة الانتقالية في سوريا، ويعود الاقتتال إلى الساحة، وتنفجر الصراعات الطائفية، كي يُثبت أنصار العسكر أنهم على حقّ، وأن بقاء جزّار مثل بشار الأسد على رأس البلاد كان أفضل الخيارات للسوريين. ومن غير المستبعد أن يضع النظام الجزائري اليوم مقدّراته وكل أشكال الدعم السياسي لأيّ جهة مستعدة لتخريب الحلم السوري الذي بدأ يكبر. والنظام الجزائري يمتلك الكثير من الخبرات في هذا المجال. ألم يكن للعسكر دور أساسي في تخريب التجربة الديمقراطية في الجزائر وإدخالها في نفق العُشرية السوداء؟ وهذا أمر محتمل جدا ما دام النظام الجزائري قد واصل تأييده لبقاء بشار الأسد على رأس السلطة حتّى ليلة فراره من سوريا نحو روسيا. بل لن نبالغ إذا اعتبرنا أن فشل التجربة الديمقراطية في سوريا يمثل رهانا من رهانات النظام الجزائري الذي بدأ يتحسّس رأسه، في أعقاب سقوط أكبر حلفائه في منطقة الشرق الأوسط. ويبدو هذا النظام شديد التخوف في الوقت الراهن من عودة المطالب الشعبية في الجزائر إلى الظهور مجددا، ولا سيّما أن الجزائريين يكتشفون يوما بعد يوم أن هذا النظام الذي يعيشون في ظله لا يختلف كثيرا في رجعيته وانغلاقه عن نظام الأسد الذي جثم على نفوس السوريين على مدار عقود طويلة. هناك تشابهات كثيرة في الحياة الاقتصادية والثقافية، وفي إدارة الحقل السياسي، وفي الاختيارات الدبلوماسية والخارجية، وكذا في ذلك النزوع المرَضي نحو الزعامة الإقليمية والسيطرة على المحيط الإقليمي. كان نظام بشار الأسد خبيرا في صنع التنظيمات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط ودعمها وتمويلها لزعزعة استقرار الجيران، على غرار ما كان يحدث في لبنان. وكذلك احترف نظام الكابرانات عقلية تصدير الفتن والقلاقل، منذ زمن طويل عندما قرر احتضان ميليشيا إرهابية مسلحة، لتهديد استقرار المغرب ووحدته الترابية. لكن هل يمتلك الكابرانات اليوم الطاقة السياسية الكافية لمواصلة هذه الأدوار المهددة للاستقرار في منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء؟ الواضح اليوم هو أن عصابة العسكر تعيش أسوأ أيامها، وأن طوق العزلة قد التفّ حولها من كل الجوانب. فقد نظام شنقريحة الدعم الروسي، ولم يعد يستطيع التعويل على سوريا وإيران، كما أنه فشل في استمالة بلدان الجوار في المغرب العربي. وأصبح أيضا عدوا للعديد من الدول الإفريقية بسبب حرصه على دعم التيارات والجماعات الانفصالية في مالي والنيجر. وإذا أضفنا إلى ذلك تردّي العلاقات مع فرنسا وإسبانيا، وانقطاع حبل الودّ بينه وبين العديد من الدول العربية ولا سيّما الخليجية، فسندرك أن هذا النظام يسير حتما وبسرعة قصوى نحو التدمير الذاتي، وفقدان مبررات وجوده وشرعيته. وما يزيد احتمالات هذا المصير أن النظام الجزائري يواصل تجاهل السبب الرئيس لفشله وأزمته، ألا وهو المعاداة التاريخية للوحدة الترابية للمغرب.