بينما يواصل قادة نظام الكابرانات لزوم الصمت المطبق وغير المفهوم حول الأحداث الجارية في سوريا، فضح سفير الجزائر نوايا بلاده تّجاه ما يجري عندما اعتبره "شأنا داخليا". وعلى الرغم من أن النظام الجزائري يعد أحد أكبر الداعمين لنظام بشار الأسد إلا أن هذا الموقف الملتبس يُظهر التوجّس الذي تتعامل به السلطات الجزائرية تّجاه الثورة السورية المتواصلة منذ 2011. فبعد أن أصرت الجزائر على مخالفة الصف العربي وألحّت على الدفاع عن حق نظام بشار الأسد في العودة إلى الجامعة العربية على الرغم من الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه وموالاته الطائفية للنظام الإيراني، يبدو أن نظام الكابرانات بدأ يتعامل بنوع من النفاق السياسي مع الأوضاع الجارية. ويظهر هذا النفاق من خلال عدم الإعراب عن موقف صريح من الجرائم المقترفة ضد المدنيين في مناطق الشمال السوري حيث عمد نظام الأسد مدعوما من القوات الروسية بقصف سكان مدينة حلب بعد دخول فصائل المعارضة السورية إليها. لكن ما السبب الذي يدفع النظام الجزائري في الوقت الحالي إلى إظهار هذه التقية السياسية؟ هناك أسباب عديدة تجعل نظام الكابرانات يتريث قليلا قبل الاصطفاف في جهة معينة. هناك أولا الاحتمالية الكبيرة لنجاح فصائل المعارضة السورية في اجتياح مواقع النظام، وربما السيطرة قريبا على البلاد. إذا نجح الثوار فعلا في إسقاط نظام بشار الأسد فإن جنرالات الجزائر سيجدون أنفسهم في موقف محرج على اعتبار أنهم كانوا من أكبر الداعمين لهذا النظام بالغطاء السياسي والوقود والتمويل. وثانيا يبدو أن العزلة التي يعانيها النظام الجزائري في الوقت الحالي بسبب مواقفه الشاذة تّجاه العديد من القضايا، وموالاته لأنظمة معادية للصف العربي على غرار النظام الإيراني، تجعله يتخوف من أن يصنّف في خانة هذا الأنظمة المارقة، التي من المرجح أن تشهد في أقرب الأوقات هزّات سياسية حقيقية. على سبيل المثال يعدّ التقارب الجزائريالإيراني وصمة عار في جبين هذا النظام، بالنظر إلى أن طهران تقف وراء العديد من الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق أو غيرها. ولعلّ عملية تقليم أظافر النظام الإيراني التي تجري حاليا من خلال ضرب أذرعه في المنطقة تمثل تحذيرا أيضا للأنظمة الموالية على غرار النظام الجزائري. ليس من مصلحة النظام الجزائري أبدا أن يسقط النظام السوري لأنه يمثل حليفا موضوعيا، قائما على الاستبداد والعسكرة والتسلط. وليس من مصلحة النظام الجزائري أبدا أن يتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، أو يسقط نظام الملالي في طهران، لأن نظام الكابرانات يعوّل عليه كثيرا في مشروع إثارة القلاقل والفتن في منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء. يجب ألّا ننسى مثلا الدور الذي تلعبه إيران وذراعها حزب الله في تسليح منظمة البوليساريو الإرهابية وتدريب عناصرها، وتأهيلهم لممارسة الأعمال الإجرامية التي تستهدف المغرب وأمنه واستقراره. ومع ذلك كلّه يشعر النظام الجزائري اليوم بإحراج شديد بسبب تخوفه ممّا ستؤول إليه الأوضاع التي تتطور بسرعة في منطقة الشرق الأوسط. لنتخيل وضع النظام الجزائري بعد هذه التحوّلات الجذرية التي قد تشهدها المنطقة، من المؤكد أن العزلة التي يشعر بها حاليا ستتفاقم. لذلك قد يمثل هذا الصمت تّجاه ما يجري في سوريا إشارة إلى الطرف الآخر، بأن هذا النظام قادر على تغيير ولاءاته، وأنه غير معنيّ بشكل مباشر بدعم جرائم النظام السوري، على الرغم من أن هذا الدعم موثّق في سجلات تاريخ الثورة السورية منذ اندلاعها سنة 2011. بعبارة أوضح يحرص نظام الكابرانات على استمرارية النظام السوري وبقائه، لكنه لا يريد أن تتلطّخ سيرته وسمعته بسبب الدعم الذي يقدمه لهذا النظام القاتل. لكن هيهات فالشعب السوري لا يمكن أبدا أن ينسى الدور الذي لعبته الجزائر في توفير شروط البقاء لنظام بشار الأسد.