في لقائه الإعلامي الدوري مع الصحافة الجزائرية لم يتردد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الدفاع عن الاستبداد وإجرام الدولة عندما صرح مرة أخرى أنه لا يمكن حرمان سوريا من حقوقها. وهو يشير بذلك إلى حرمان النظام السوري الذي أباد مئات الآلاف من المدنيين السوريين ورحّل الملايين خارج البلاد من أجل ضمان بقائه واستمراره. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها بعض الدول العربية من أجل استرجاع هذا النظام لمكانته وعضويته في الجامعة العربية إلا أن الإجماع العربي حول ذلك ما يزال بعيدا عن التحقق. والمغرب هو واحد من البلدان العربية التي لا تزال معترضة على إعادة التطبيع مع النظام السوري وعودته إلى رحاب الجامعة العربية بعد كل ما جرى. ووحده النظام العسكري الجزائري يحب أن يتولى مهمة الدفاع عن هذا النظام المجرم بكل المقاييس بدعوى أن سوريا دولة عربية لا يمكن أبدا حرمانها من حقوقها في الانتماء إلى الجامعة؟ ومن قال إن الحرمان يقصد به البلد الذي يعتز به كل العرب ويفخرون به وبتاريخه، ويعطفون كثيرا على شعبه انطلاقا من واجب التضامن العربي!! إن الحرمان من العضوية في الجامعة العربية وفي مختلف الهيئات المنبثقة والاستبعاد من كل أشكال وبرامج التعاون العربية موجه ضد النظام السوري وليس ضد سوريا شعبا وحضارة وتاريخا. المستهدف بكل ما تم فرضه من عقوبات هو النظام الذي فضل أن يمعن في شعبه قتلا وتنكيلا وتشريدا بدلا من أن ينصت إلى صوت الشارع ويستمع إلى مطالبه. وهذا المنطق لا يفهمه الكابرانات أبدا. إن نظام العسكر في الجزائر من ذاك النظام المستبد في سوريا، ووريث لثقافته الشمولية البعثية التي لطالما حوّلت الشعارات الرنانة والعناوين الطنانة إلى مبرر للاستبداد والهيمنة وإقصاء الآخر واضطهاد المعارضة. لكن ما سرّ هذا الإصرار العجيب من النظام الجزائري على عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وفي أقرب الآجال؟ بالمناسبة لقد حاول الكابرانات كل ما استطاعوه من أجل عودة النظام السوري ومشاركته في القمة العربية التي احتضنتها الجزائر مؤخرا لكنهم فشلوا في ذلك على الرغم من عشاء شيراتون. السرّ وراء هذا الإصرار الجزائري على إعادة غسل ذنوب بشار الأسد هو أن هذا النظام العسكري المستبد أيضا يشعر وهو داخل الجامعة العربية بنوع من الغربة والعزلة في غياب نظام مشابه ونظير له. كل الأنظمة العربية العضو في الجامعة أضحت تمتلك هوية سياسية مختلفة أو طور التغيير على الأقل، إلا نظام الكابرانات والنظام السوري. ليبيا وتونس واليمن ولبنان والعراق وغيرها من البلدان شهدت تغييرات ولو شكلية في هرم السلطة ونوعية النظام السياسي، وأطلقت شعارات جديدة ولو كنوع من الدعاية، إلا نظام الكابرانات الذي ما يزال متشبثا بالشعارات ذاتها والثقافة السياسية عينها، التي يتقاطع فيها إلى حد بعيد مع النظام السوري بعقليته البوليسية ومنظومته الشمولية ومنطقه الاستبدادي. يريد عبد المجيد تبون والكابرانات أن يروا من جديد الحليف الموضوعي والتاريخي لنظامهم وهو يؤنس وحدتهم وعزلتهم في رحاب الهيئات العربية المختلفة. ويتجرأ تبون على المطالبة بحقوق النظام السوري لكنه لم يتساءل يوما عن حقوق الشعب السوري الذي استبيحت دماءه وأرواحه وانتهكت أعراضه وخربت ممتلكاته لأجل عيون بشار الأسد وعائلته. لم يطالب الكابرانات يوما بضرورة إقرار عدالة انتقالية شاملة من أجل معالجة الجرائم التي ارتكبها هذا النظام ضد أبنائه، ولا بالتحقيق في جرائم الإبادة الجماعية والقتل واستخدام الأسلحة المحظورة التي ارتكبتها قوات النظام الأسدي ضد الشعب السوري الأعزل. ومن الواضح أن هناك سببا آخر يضغط على لا وعي النظام الجزائري. إنه الشعور بالذنب من الجرائم التي ارتكبها هو أيضا ضد شعبه إبان العشرية السوداء التي اختلط فيها الإرهاب المقيت بجور الأجهزة الأمنية والمخابراتية ضد الجزائريين، وشهدت خلالها البلاد ارتكاب مجازر تشيب لها الولدان كمجزرة بن طلحة الشهيرة. وعندما يشعر نظام ما بالذنب ولو بشكل لا واعي فمن الضروري أن يبحث عمّن يؤنس وحدته في هذا الشعور، ويحاول أيضا بطريقة غير مباشرة أن يحصن نفسه من أي مساءلة أو محاسبة مستقبلية. فالكابرانات يعملون أن محاسبة النظام السوري على جرائمه، ستعني ربما استيقاظ الشعب الجزائري من سباته للمطالبة بمحاسبتهم.