اعتماد الجمهورية الفرنسية لخريطة المملكة المغربية بصحرائها العزيزة إشارة دبلوماسية قوية إلى أن باريس شرعت عمليا في تنزيل مقتضيات اعترافها الأخيرة بالسيادة المغربية على الصحراء. بدأت معالم هذا الاعتراف تترسخ يوما بعد يوم، وستظهر تدريجيا على كافة المستويات سواء الخارجية أو الداخلية. المقاولات الفرنسية ستشرع قريبا في توسيع استثماراتها بالأقاليم الجنوبية للمملكة سواء فيما يتعلق بالبنيات التحتية مثل الموانئ، أو مشاريع تعزيز المشاريع وتسريعها. كما أن كافة المؤسسات الفرنسية مطالبة اليوم باعتماد التوجه الرسمي للبلاد وسيظهر ذلك بجلاء في تبني خريطة المملكة المغربية بكامل أقاليمها، سواء في القنصليات أو السفارات الفرنسية أو في المؤسسات التعليمية أو دور النشر والثقافة. هذه المبادرة التي سارعت إليها الخارجية الفرنسية على هامش زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب تمثل انتقالا رسميا إلى مرحلة الإجراءات التنفيذية لهذا الاعتراف. بعبارة أوضح تؤكد فرنسا أنها جادة تماما في قرارها، وقادرة على تحمّل مسؤولياتها التاريخية تجاهه، حتّى لو كان ذلك لا يرضي بعض الأطراف أو الحلفاء أو الأصدقاء. ومن هذا المنطلق فإنها سارعت إلى اعتماد الخريطة الرسمية، التي تؤكد السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه. لكن ما الذي يعنيه ذلك على مستوى الدينامية الإيجابية التي تشهدها قضية الوحدة الترابية؟ يجب أن نقرّ بأن اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، وتفعيل ذلك على مستوى الوثائق الرسمية له قيمة بالغة الأهمية. أولا لأن فرنسا تعد قوة استعمارية سابقة في المنطقة، وكانت قد فرضت هيمنتها على جلّ دول الجوار. هذا يعني أنها تمتلك الكثير من الوثائق والمرجعيات والأطر التاريخية التي تمكنها من تحديد حقيقة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. بعبارة أوضح لا توجد دولة أكثر دراية بحقيقة هذا الملف من فرنسا غير إسبانيا. وما دام هذان البلدان معا قد قرّرا أخيرا العودة إلى الصواب، والانضمام إلى صف المؤيدين للوحدة الترابية للمملكة فهذا الأمر سيعزز الموقف المغربي على الصعيد الدولي، ولا سيّما في محافل الأممالمتحدة، وخاصة أن فرنسا تتمتع بصفة الدولة الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بما يعنيه ذلك من نفوذ وتأثير دبلوماسي قوي على الصعيد الدولي. ثانيا اعتراف فرنسا رسميا بهذه السيادة سيكون له وقع مباشر على حلفائها وأصدقائها من الدول الأخرى، ولا سيما في إفريقيا وأوربا. وهذا التأثير من شأنه أن يعزز زخم الاعترافات المتتالية بالسيادة الوطنية على الصحراء، ويزيد من إمكانية انضمام بلدان أخرى أكثر تأثيرا إلى قائمة الدول التي تؤكد الحق المغربي، وتدافع عنه. وقد رأينا كيف كان للموقف الأميركي تأثير كبير في مواقف العديد من البلدان ولا سيّما الأوربية. فمنذ اعتراف الرئيس السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء، توالت الاعترافات من دول أخرى في المنطقة، وخلق ذلك زخما حقيقيا نجني ثماره اليوم مع هذا المكسب الجديد. ثالثا إذا كانت الولاياتالمتحدة قد خلقت دينامية إيجابية، فيمكننا أن نؤكد أن اعتراف فرنسا سيخلق دينامية جديدة يمكن أن نصفها بالتأثير الفرنسي. لفرنسا تاريخ طويل من التأثير في المواقف الدولية، سواء من الناحية التاريخية أو الفكرية أو الفلسفية. وهذا يعني أن فرنسا التي أضحت مطالبة بتبني هذا الموقف الداعم للوحدة الترابية رسميا، لديها مجال واسع اليوم للعمل على ذلك بما تمتلكه من أدوات الإقناع، ووسائل التوعية الإعلامية والثقافية والسياسية. التأثير الفرنسي يمكن أن يكون حلقة جديدة في سياق هذه الدينامية، وقد تكسب قضيتنا الوطنية من ورائه المزيد من نقاط القوة. هناك حضور فرنسي قوي على سبيل المثال في الهيئات والمحاكم الدولية، وهذا يعني أنها يمكن أن تؤدي دورا مهما في الترافع عن سيادة المغرب على صحرائه، بموجب التزامها الأخير، وإطلاق مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين.