في مثل هذه الظروف يظهر معدن المغاربة وروحهم الأصيلة المستندة إلى قيم التضامن والتعاون والتآزر المتوارثة. الآلاف من المواطنين يهبّون إلى المستشفيات والمصحات ومراكز تحاقن الدم بجهة مراكش من أجل التبرع بالدم لإغاثة الجرحى ومساعدة المصابين. الآلاف من السواعد الشابة والمواطنين يشاركون تلقائيا في عمليات الإنقاذ وإزالة ركام الأبنية المهدمة في مختلف مناطق الحوز ويحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه بتعاون مع عناصر الوقاية المدنية، وآخرون يحاولون الوصول إلى المناطق المتضررة ويبحثون عن تقديم المساعدة بأيّ شكل كان. بينما عاش سكان المدن الكبرى في مراكشوالدارالبيضاءوأكادير والرباط أجواء أخرى من التآزر والتكافل النفسي في أعقاب الهزة الأرضية. طوابير الشباب والرجال والنساء أمام مراكز تحاقن الدم في جهة مراكش مشهد يطمئن الجرحى والمصابين ويعيد الأمل إلى إمكانية تجاوز هذه المحنة بإذن الله بسرعة على الرغم من آلام المكلومين ودموع الثكالى ومعاناة المتضررين. ما دامت هذه الروح التضامنية متّقدة في قلوب المغاربة ونابعة من أصالتهم وشهامتهم المعهودة فلن تُقهر الإرادة الوطنية في مواجهة هذه الكارثة الوطنية التي ستُظهر مرة أخرى للمغاربة والعالم أن روح تمغربيت المتجذرة في نفوس أفراد هذا الشعب قادرة على تحدي أكبر الصعوبات والانبعاث من ركام أكثر الكوارث دمارا. ومثلما استطاع الشعب المغربي مواجهة زلزال الحسيمة سنة 2004 بقدر كبير من التضامن والتآزر، سيتمكن لا محالة من تجاوز تداعيات هذه الكارثة. في المحن الكبرى كان المغاربة دائما في الموعد يؤثرون على أنفسهم ويتآزرون ويتقاسمون اللقمة وشربة الماء. فعلوا ذلك في زلزال أكاديروالحسيمة، وفعلوا ذلك خلال حرب الصحراء واستكمال الوحدة التربية، وفعلوا أكثر من ذلك إبان مقاومة الاستعمار الفرنسي ومواجهة جرائمه. وعبّروا عن هذه الروح في أحداث وطنية كبرى مثل المسيرة الخضراء وفي محطات الأحزان والأتراح والمآسي التي شهدها المغرب عبر تاريخه. يحقّ لنا أن نطمئن إذاً على هذا الوطن ما دام التماسك الاجتماعي القائم بين المغاربة يمتد ويتعزّز في مثل هذه المناسبات المؤلمة التي يروح ضحيتها العديد من المواطنين الآمنين في بيوتهم. ومن المؤكد أن أعداد المتطوعين التي تنضاف إلى فرق الإنقاذ التابعة للوقاية المدنية والقوات المسلحة الملكية وقوات الأمن والدرك الملكي والقوات المساعدة والأطقم الطبية تُظهر هذا الانسجام الكبير القائم بين السلطات المشرفة على عمليات الإنقاذ بتنظيمها وتوفير اللوجيستيك اللازم لها وبين عموم المواطنين المغاربة الذين لن يبخلوا على بلدهم وعلى إخوانهم في الأقاليم المتضررة بأي شيء سيحتاجون إليه سواء على مستوى التزويد بالدم أو على مستوى الأدوية والأغذية والأغطية وغيرها من الحاجيات الإنسانية الضرورية. وفي هذا الإطار يمكن أن يطمئن أهلنا في إقليمالحوز على الرغم من هول الصدمة وفداحة الخسائر البشرية والمادية لهذا السند الذي يشكله إخوانهم وأشقاءهم في مختلف أنحاء المغرب. المجتمع المدني الذي بدأ يتجهز من أجل مدّ يد العون المادي أو البشري أو التقني سيلعب أيضا دورا كبيرا في إثبات روح التآزر والتضامن المغربية في الأيام المقبلة التي ستتطلب بذل جهود كبيرة على مستوى إيواء المشردين والتكفل باحتياجاتهم الغذائية والدوائية وإعادة إعمار المناطق المتضررة. ولن يبخل أبناء هذا الشعب الذين اعتادوا على العطاء والسخاء من أجل الوطن بأغلى ما لديهم من أجل التسريع بتجاوز هذه المحنة ودعم الجهود الرسمية التي تبذلها الدولة سواء على مستوى عمليات الإنقاذ الجارية حاليا أو على مستوى عمليات إعادة الإعمار التي ستحدث مستقبلا. وما نراه من ملامح وإرهاصات هذا التضامن يخفف عنّا ولو قليلا وطأة الألم التي تركتها الكارثة وسيواسي آلاف الأسر التي ما تزال واقعة تحت هول الصدمة. هذه هي المحنة التي تخرج أجمل ما في قلوب المغاربة. الدار/ افتتاحية