لم تمض أكثر من 24 ساعة على الانتقادات التي وجهتها الإدارة الأميركية للجزائر خلال زيارة وزير الخارجية أحمد عطاف يوم أمس إلى واشنطن حتّى أصدر الجيش الجزائري بلاغا يقدم فيه حصيلة عمليات مكافحة الأنشطة الإرهابية وأعلن فيه تمكن عناصر الجيش من توقيف إرهابي و12 عنصر دعم للجماعات الإرهابية، فيما سلم إرهابي آخر نفسه للسلطات العسكرية خلال شهر يوليو المنصرم، وفقاً للمصدر المذكور. وبغض النظر عن الحصيلة المعلنة ومدى مصداقيتها فإن التوقيت الذي اختاره الجيش الجزائري لإعلانها يؤكد بالملموس أن الجزائر تلقت توبيخا أميركيا رسميا فيما يخص الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، ومسؤوليتها عن استمرار الجماعات الإرهابية على الرغم من سنوات طويلة من الحرب. هذا البلاغ الذي يحاول تزكية المؤسسة العسكرية في الجزائر وتبرئة ساحتها أشار إلى أنه تم خلال نفس الفترة استرجاع 25 سلاحا ناريا وقنبلة تقليدية الصنع. كما أوضح أنه تم أيضا توقيف 850 شخصا في إطار مكافحة التهريب والتنقيب غير الشرعي عن الذهب و179 تاجر مخدرات و1194 مهاجرا غير شرعي من مختلف الجنسيات. وإذا كانت السلطات الجزائرية قد اعتادت تقديم أرقام لا يمكن أبدا التحقق من مدى دقتها وصحتها، فإن الحصيلة المعلنة لا يمكن أبدا أن تمثل صك براءة لتورط النظام الجزائري في الكثير من مظاهر الانفلات الأمني بالمنطقة بدءً من دعم جبهة البوليساريو الانفصالية مرورا بالتغاضي عن نشاط الجماعات المسلحة داخل مناطق معينة من التراب الجزائري وصولا إلى توفير الدعم لجماعات أخرى تنشط في منطقة الساحل والصحراء. هذه التهمة بالمناسبة واجهها وزير الخارجية أحمد عطاف يوم أمس عندما كان في واشنطن حيث التقى بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن. ولعلّ المعطيات التي أدلى بها مسؤولون أميركيون بهذا الخصوص تثير فعلا الدهشة والاستغراب. لا يوجد بلد في العالم يمكن أن تتواصل فيه الحرب على الإرهاب كل هذه السنوات دون أن يتمكن من اجتثاث الجماعات الإرهابية من جذورها وإنهاء أي تواجد لها على أراضيه. الحالة الوحيدة التي لا يحدث فيها ذلك، هي عندما تكون السلطة المركزية عاجزة وغير قادرة على فرض سيطرتها على كافة أراضيها، وخاصة في المناطق النائية والصعبة من حيث التضاريس. هل من المعقول أن يستمر الجيش الجزائري في إطلاق أنباء وبلاغات مضحكة عن توقيف إرهابي يتحصن في جبل من جبال القبائل منذ سنوات؟ هناك طبعا على ما يبدو تواطؤ واضح بين النظام وبين الجيش من أجل استمرار حالة اللّاستقرار الداخلي والإقليمي لأغراض سياسية بحتة. نحن نتحدث عن حرب بدأت سنة 1992 أي في أعقاب الانتخابات التي شهدتها البلاد. مضى ما يناهز ربع قرن وما زال الجيش الجزائري يظهر بين الفينة والأخرى صورا لبعض الأسلحة أو بعض المعتقلين الذين تم توقيفهم على أساس انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية. هذه "الإنجازات الأمنية" ليست مدعاة للفخر أبدا، بل هي صك اتهام يجب أن يوجّه إلى هذا النظام الذي عجز على جميع الأصعدة بما في ذلك تحقيق الأمن والاستقرار واجتثاث الظاهرة الإرهابية والجماعات المسلحة. والتفسير الوحيد الذي يمكن أن يبرر ما يحدث هو التوظيف السياسي كما ذكرنا سابقا. النظام الجزائري يقتات على حالة الخوف وعدم الاستقرار ويريد أن تستمر حتى يواصل فرض هيمنته وسيادته لأن البديل قد يكون أسوأ. وبالنسبة لشعب عاش عشرية سوداء كتلك التي عاشها الشعب الجزائري من المؤكد أنه لا يمكن اختيار بديل آخر غير الذي يعيش فيه، لأن التجربة كانت أسوأ من أن تعاد. لذلك من المتوقع أن يواصل النظام الجزائري كما هي عادته إطلاق البلاغات الصحّافية على منوال وزير الخارجية العراقي الأسبق، التي تتحدث عن التوقيف والتفكيك دون أن يصل إلى نتيجة لأنه نظام يصرف اهتمامه وطاقته وجهوده نحو قضايا أخرى إقليمية على رأسها مكايدة الوحدة الترابية للمغرب، بدلا من أن يوجّهها نحو الاهتمام بالحالة الأمنية الداخلية.