لم يتأخر الملك محمد السادس مرة أخرى عن الموعد من أجل التذكير أن هذا البلد ليس غنيا فقط بموقعه الجغرافي وموارده واقتصاده بل هو أغنى بشبابه وطاقاته البشرية وكفاءاته التي يفتخر بها. لقد خصص جلالته لهذه الفئة من المجتمع مرة أخرى جزءا كبيرا من نص الخطاب الذي وجهه بمناسبة ذكرى عيد العرش، في إشارة قوية وواضحة إلى ضرورة تعزيز هذه القدرات وتأهيلها وفسح المجال أمامها مرة أخرى من أجل الحصول على المكانة اللائقة بها. ولعل الأمثلة التي قدمها الملك في خطابه تدلّ دلالة لا تقبل التأويل أن المستقبل الذي يرسمه لبلادنا هو الذي يعتمد بالأساس على الشباب. لقد تحدث الملك عن الإنجاز التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني لكرة القدم ونخبته الشابة التي أبهرت العالم بمستواها الكروي وكذا بقيمها ورسائلها وروح الجدية الهائلة التي وسمتها. ولعلّ الإشارة الملكية إلى أن تقديم المغرب ملف ترشيحه لاحتضان مونديال 2030 كان بالاستناد إلى هذا الإنجاز يعبر عن الثقة العميقة التي يريد جلالته أن تعطى لهذه الفئة من المجتمع. كما أن الربط بين الشباب والجدية في هذا الخطاب ينطوي أيضا على رسالة عميقة جدا. فقد اعتاد مجتمعنا باستمرار أن ينظر إلى الشباب باعتبارهم فئة من بين الفئات الأقل اهتماما واكتراثا لما يجري من حوله وفي بلده، لكن النظرة الملكية تؤكد أن الأمور تغيرت نحو الأفضل. المثال الثاني الذي قدمه جلالة الملك للاستدلال على الجدية في أوساط الشباب الاختراع الذي أبدعه المهندس المغربي فوزي النجاح الذي استطاع أن يخرج إلى الوجود أول سيارة تعتمد على طاقة الهيدروجين. وكم هو مهم هذا الاختراع بالنسبة لجلالة الملك محمد السادس الذي سبق له أن استقبل المهندس فوزي النجاح ليقدم أمامه هذا الاختراع الهام في مسار التطوير الصناعي في بلادنا. ولعل عودة جلالته لإثارة هذا النموذج في التوقيت الحالي يمثل تذكيرا بأهمية المراهنة على الكفاءات الشابة القادرة بفضل مؤهلاتها وقدراتها على وضع المغرب في سكة التنمية والتطور المنشود. من هنا تأتي أهمية الاستعادة الملكية لهذا البعد المهم للغاية. َليس هذا الأمر جديدا في الخطابات الملكية التي تضمنت دائما إصرارا على إعادة الاعتبار للشباب في كل المناسبات. لكن البطء الذي تعانيه آلية تشبيب الحياة العامة في بلادنا تجعل من الضروري أن يعيد الملك بين الفينة والأخرى التذكير بأهمية ذلك. يمكننا أن نسرد قائمة طويلة من الخطابات الملكية التي ركزت على قضايا الشباب وأهميتها، لكن الاقتران بين الشباب والجدية في هذا الخطاب رسالة سياسية في غاية الأهمية ينبغي على مكونات المشهد السياسي في بلادنا الانتباه إليها واستخلاص الدروس والعبر منها. فالشباب المغربي الذي يخدم صورة المغرب في الخارج من خلال الإنجازات الرياضية على غرار المنتخب الوطني، أو من خلال الاختراعات والعلوم قادر أيضا على اتخاذ مواقع وتحمل مسؤولياته داخل دواليب الدولة ومؤسساتها بنجاح. لهذا فإن كل العراقيل التي ما تزال تقف في وجه تشبيب الحياة السياسية والحزبية، وكذا دواليب الإدارة والمقاولات والمجتمع المدني ينبغي لها أن تزول، لفتح المجال أمام شباب المغرب بكفاءاته وعطاءاته التي يمكن أن تبهر المجتمع، وتسهم في تحقيق أهداف النماء المنشودة. رسالة الخطاب الملكي اليوم كانت في غاية الوضوح: ثقوا في الشباب، وضعوهم في مواقع المسؤولية وسوف ترون النتائج. وعندما يُقرن الحديث عن الشباب بالحديث عن الجدية، فلا شك أنها رسالة مؤسِّسة.