إن تناول العلم وموضوعه من خلال مفاهيم الدين والروح والغيبيات، بما هي جوهر المعتقدات، هو تعسف على موضوع العلم وتتفيه مسعاه من منطق معرفة الحس المشترك، أي معرفة العوام، ولذلك، فالعلم لا يمكن ولوجه إلا عبر استيعاب مفاهيمه وموضوعه، وفي حدوده. فهو لا يمكن أن يتناول بالدرس والتحليل موضوعاً يخرج أصلا عن مجال اختصاصه، كما يتجاوز بدءا ومنتهى حدوده، خاصة إذا تعلق الأمر باللامتناهي، ولذلك، فالعلم لا يمكنه أن يبرهن عن وجود الخالق من عدمه، بيد أن العلم، وفق ارتباطه بفلسفة الدين، يمكن أن يكون وسيلة ربط بين المعتقدات والايمان العارف، انطلاقا من فهم نواميس الكون، التي تعتبر على المستوى الروحي والإيماني من تجليات عظمة اللامتناهي، عكس الفلسفة التي بِمُكنتها البرهنة على وجود الخالق في أبعاده الروحية التي تتجاوز المكون المادي للطبيعيات، ولنا في أمثال ديكارت وكانط وآخرين، خير مثال على المرافعة التي يمكن أن تقيمها الفلسفة لصالح الدين، لكن للدين الحر، وليس لدين المؤسسات، وهناك فرق كبير بينهما، وقد حقق فيه الفلاسفة المسلمون قصب السبق، من خلال الفارابي، التوحيدي، الكندي، ابن مسكويه، وابن سينا، وابن رشد…إلخ. حتى وإن كانوا قد وصموا بالكفر والزندقة والهرطقة، لتفكيكهم منطق رجال الدين السياسي. إن هاته الأسماء، لا من داخل التراث الفكري الفلسفي الغربي، أو من داخل التراث الفكري الفلسفي العربي- الإسلامي، قد فصلوا في التمييز بين مجال الالهيات، والطبيعيات والمنطق، بشكل يجعل لكل مجال تخصصه وأدواته المعرفية والمنهجية، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال تناول حقل إلا بلغته ومنهجه. من هذا المنطلق، فحينما برهن ستيفن هوكينغ على مسارات تحولات المادة المنبثقة عن الانفجار العظيم وتأصيل مرجعها في مكون أولي يتجاوز المادة في كميتها اللامتناهية في الكثافة، فإنه لا يتعارض مع جوهر الإيمان في الديانات التوحيدية، إذا نحن تسلحنا بفلسفة الدين، وليس بمنطق الفقه، باعتباره تحول على أيدي الفقهاء من قبيل أبي زيد إلى حديث باسم السماء، كما هو حال الجامدين والمتاجرين من رجال الدين عموماً والذين يقتاتون على الماضي. بل أزعم أن الأمر لا يتعارض حتى مع ديانات أخرى من قبيل البودية، التي تقر بروح العالم كأصل للكون، لكن هوكينغ في الوقت نفسه لا يمكنه أن ينفي أو يؤكد وجود الله، لطالما، أنه وتحت إكراه قوانين العلم ومجال اشتغاله لا يمكنه أن يدرس اللامتناهي، وإذا أقر بوجود الخالق، الذي هو الله، فعليه علميا أن يبرهن على ذلك، وهو ما لا يستطيعه بالبت والمطلق. لقد كان سيفن هوكينغ في العمق وفيا لمجال اختصاصه ومنطق اشتغاله، بمقابل أن المقرئ أبا زيد كان خائنا لمجال تخصصه مرتين، خيانة معرفية، وخيانة ابستمولوجية، فالمعرفية كونه متخصصا بين قوسين في اللسانيات، وحاصل على دبلوم الدراسات العليا، ولم يؤلف أي منجز أو كتاب في مجال تخصصه، أي اللسانيات، وخيانة ابستيمولوجية، كونه حاول استنطاق موضوع العلم بمفاهيم الإيمان والمعتقدات الغيبية، وهنا تتضح مدارات الجهل المركب من جهة، وحجم الاحتيال باسم الدفاع عن الحقيقة، التي لم يبدع في مجاله، أي العقل العملي، من خلال التأليف في مجال الفكر الديني إلا كتباً تكرارية لمنطق السابقين وأفهامهم التي تجاوزها الزمن والجغرافيا، ولأن اللسانيات ترتبط بمجال معرفي وعلمي ليس من اليسير الدلو فيه إلا إن تسلح الباحث بالمعرفة الحديثة والمعاصرة، وهو ما يفتقده الرجل، فراح يركب يسر من ماتوا ليتكلم باسم السماء المفترى عليها، خاصة إذا علم المرء أن تجارة الدين تجارة رابحة رائجة مزدهرة، وتجارة العلم بائرة كاسدة. فالناظر إلى ما ألفه المقرئ أبو زيد : "الغلو في الدين "، عموم الرحمة وعالمية الإسلام"، " القرآن والعقل"، فسيجدها مؤلفات لم تحقق أي سبق أو تجاوز معرفي في نظريات الدين أو التدين، وإلا لكانت قد سارت في اكتشافها وفي ذكرها الركبان، ذلك أنه بقي وفيا لمعرفة النقل، دون أن يحقق مفهوم التجاوز، عبر مد الانسانية، أو لنقل المسلمين فقط- مادام منحازاً مذهبياً وفقهياً للإسلام والمسلمين دون غيرهم من المؤمنين حتى من أهل الكتاب- بخبرات نتائج العقل العملي بما يفيد مصالهم في الدنيا، قبل الأخرة، فكل ما يقول به السيد المقرئ، يعد تكرارا لما قيل منذ عصر التدوين. تقتضي الضرورة بالنسبة إلى المشتغلين بالدين وقضاياه الفقهية واللاهوتية، التعمق في العلم وعدم معاداته بدعوى الحفاظ على الإيمان والمعتقد، فالله يحب الإيمان العارف المرح، وليس الإيمان عن جهل، لطالما الجهل لا يؤدي سوى إلى الأخلاق التنسكية والزهدية، الناتجة عن الخوف بدل الحب. ضمن هذا الأفق، يمكن أن نحيل السيد المقرئ على وجوب تأمل منتجات العلم والمعرفة من خلال نظرية روبرت لانزا القائلة بمركزية الحياة والتي تربط ما بين الفيزياء النظرية والكونطا والفلسفة كمدخل جديد لفهم الكون، باعتباره متصلا لا محدود، بحيث لا يمكن إدراكه إلا من خلال العالم في حدود العقل بتعبير كانط. لعلنا ندرك أن الزمان والمكان ليسا سوى تمثلاث للعقل وإنتاج لفعل الإدراك، إذ لا وجود للزمان والمكان خارج العقل. من هنا يمكن تأسيس مدخل جديد لفلسفة الدين، مستثمرين نظرية الجمال في الفلسفة الإسلامية، مع الفارابي، التوحيدي، وابن سينا وإخوان الصفا…إلخ، من خلال ربط مبحث الطبيعيات والإلهيات من جهة، ومبحث الجماليات، باعتبارها منفذاً قُطرياً للإنساني المتناهي في الصغر بالإلهي اللا متناهي في الكبر، حيث استكمال النقص والتناهي البشري يتم عبر روحنة الديني المؤسس على قاعدة جمالية، وحيث الجمال، بما يخضع للوحدة والتناسب والانسجام مؤسس على قاعدة العلم، هو الكمال في ذاته. هو الله، وإن الإنسان لا يدرك الله إلا عبر تجلياته، ومن هنا إدراك الطبيعيات متعذر إلا عبر العقل والعلم والتذوق الجمالي. ولذلك لا مجال لمن يجهل قواعد العقل وحدوده ونواميس الكون ومتطلباتها، ولا مجال لمن يرغب في أن يلج هذه العوالم المخصصة للعقل العملي، وللتذوق الصوفي- الجمالي، أو للعقل النظري بدون العلم، وما توسل الفقه للحديث عن العلم، سوى أسلمة للعلم من أجل منح الشرعية العلمية لفقه يعارض العقل والفطرة على حد سواء. إن عجز المقرئ الإدريسي عن الدلو بدلوه في مجال تخصصه بين قوسين: اللسانيات، نابع من كون هذا المجال يخضع في العمق لنظرية المعرفة، وللعقل، عكس مجال التفكير الديني، الذي يمكن اعتباره عربيا مجال من لا مجال له، وحرفة من لا حرفة له، لطالما انتصر فيه النقل على العقل، ولذلك، ومن منطلق كونه مفكراً وداعية إسلامياً، كما يحلو له توصيف نفسه على موقع ويكيبيديا، فكان يلزمه مؤسسة دينية ينتمي إليها، وهي حركة التوحيد والإصلاح، ويلزمه تغطية سياسية، لتأمين إنتاج معرفته الايديولوجية، وهو ما وجده في حزب العدالة والتنمية، التي كان ممثلا لها في البرلمان، عن طريق تقزيم الديموقراطية في صناديق الاقتراع. من هنا يتضح الفرق بين إسلام النص الذي لم يكن محتاجا يوما إلى مؤسسة، واسلام التاريخ الذي اتخذ من المؤسسة آلية لتحويل الفقه من مجرد مجهود بشري للفهم إلى الحديث باسم الوكالة الإلهية. ولذلك تجده يسفه ويكفر ويزندق الفلسفة والعلم والمنطق، تسفيهه للعقل ذاته. لقد كان من الأجدر للرجل أن يضيف لنا في مجال اللسانيات نظريات أو قضايا أو يبسط بعضها للتبسيط والشرح، خدمة للطلبة والباحثين، بدل بلاغة الدعوة التي زاوجت الدين بالسياسة، فلا سَلِم الدين، ولا سلمت السياسة ولا سلمت المعرفة من التهافت. طبعاً، من حق السيد أبي زيد أن ينتمي سياسيا ونقابيا، ومن حقه أيضاً أن يدرس قضايا الدين وخلافه، وهو حق نجد أنفسنا ملزمين بالدفاع عنه، لطالما كان هذا الحق وجودياً، قبل أن يكون دستورياً وحقوقياً، لكنه من داخل ادعائه التنظير والدعوة، كان عليه أن يكون وفيا لمنطق الالتزام الأخلاقي بأدبيات الحوار والنقاش والجدل، وهو ما ينتفي في بلاغة الضجيج التي تميز طبقة رجال الدين، ويلتزم بصدق الطوية ورحابة الصدر تجاه الاختلاف ورجاحة العقل. إن خيانة الدين نفسه، تأتي من خيانة العقل ومقتضياته، لطالما حث الإسلام على العلم والمعرفة، فأول قاعدة ابستيمولوجية بناها الوحي مع الإنسان هي العلم، من خلال منطوق سورة العلق، بعد بسم الله الرحمن الرحيم: اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم﴾، بكل ما يضمره القول الرباني من دعوة لقراءة الكون وآياته، أي الطبيعيات، التي لا يمكن إطلاقا دراستها بمنطق الإيمان، بل بمنطق العقل والعلم. فكيف يدعي الرجل التأليف في علاقة القرآن بالعقل؟؟ إن الخيانة المعرفية التي أحاجج بها السيد المقرئ، لا تنفصل عن الكذب والبهتان، وهي هنا تكمن في كونه يرمي سيفن هوكينغ بدعم المؤسسات له ولدعاويه الالحادية، بما في ذلك اسرائيل والآلة الصهيونية، في حين يؤكد التاريخ المعاصر لا البعيد، حتى يدعي بأن الزيف طاله لقِدَمِه، وهو ما عايشه من موقف هذا العالم الفيزيائي الاستثنائي حين قاطع أكاديمياً اسرائيل، رافضاً نهجها الاستيطاني والاحتلالي والقمعي تجاه الفلسطينيين، وهو موقف سياسي يعرفه السيد أبو زيد حق المعرفة، وينكره، ولا أدري هل يجهل أم ينكر، أم يرفض الحديث عن نقد هوكينغ لسياسة الدول المتقدمة في سباقها المحموم لتدمير الأرض من خلال معارضته لسباق التسلح، منبها لكون الحروب النووية المفاجئة أو انتشار فيروس ما جرت هندسته وراثيا أو الاحتباس الحراري، تشكل أخطاراً محدقة بالكرة الأرضية وبمستقبل الإنسان، وفي ربطه العلم بالأخلاق، حدر أيضا من مخاطر الذكاء الاصطناعي الذي قد يؤدي إلى أفول الإنسان، داعياً إياه إلى وجوب اكتشاف العوالم والأكوان الأخرى، منتصراً بالنهاية لدعوته تعالى الإنسان للنفاذ من أقطار السموات والأرض، وهو في ذلك كان حريصاً على مستقبل البشرية وقدسية الحياة نفسها. إن هذه الأخلاق العلمية، التي يؤمن بها سيتفن هوكينغ، هي التي جعلته من داخل منطق العلم ذاته، يعترف في تصريحه لصحيفة الغارديان البريطانية سنة 2008، بأنه لم يكن "متدينا بالمعنى العادي للكلمة"، معتقداً أن "الكون تحكمه قوانين العلم"، إذ أن هناك فرقٌ أساسي ما بين الدين الذي يقوم على السلطة وبين العلم الذي يقوم على الملاحظة والمنطق. العلم سيفوز لأنه يعمل"، فهذا التصريح الذي سبق وبثته قناة ديسكفري- حسب موقع ويكيبيديا- لا يتعارض من منظوري مع الإيمان العاقل، أو الإيمان العارف، أو بتعبير الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني، الإيمان الحر. لهذا، فمفهوم الإلحاد في حد ذاته، مفهوم شائك، يلتقي فيه الذاتي بالموضوعي، لكنه التقاء لا يحسمه سوى الخالق تعالى، فإذا كان هوكينغ يؤمن بالقوانين العلمية، فألم يخلق الله الكون وفقاً لهذه القواعد، وبالنهاية التأويلية، إذا جاز لنا أن ننتصر للتأويل بدل التفسير الذي جمد الاجتهاد الفقهي والديني، وحكم عليه بالجمود، أليس الله، بما هو العرض والجوهر، وفق المطابقة البسيطة بتعبير الفارابي، هو العلم اللامتناهي، طبقاً لكونه هو العليم؟، ومن هنا أليست هذه القواعد والنواميس هي من تجليات الله في الطبيعيات؟. هذا، إن جاز للإنسان أصلاً، أن يحاكم نوايا ومعتقدات الآخرين، وهو ما ينتفي والإرادة الإلهية التي جعلت الأمر كليا ومطلقا من اختصاصه، إذ لا يجوز للإنسان كيفما كانت مرتبته، بما في ذلك الأنبياء والرسل أن يحاكموا نوايا ومعتقدات الناس، فالله يفند كل سلطة بشرية في هذا السياق شديد الخصوصية باسم الدين وباسم الله. ألم يخبر الله سبحانه وتعالى نبييه الكريم، بأنه لم يرسله مسيطرا على الناس، لقوله تعالى، في سورة المذكر، الآيتين، 21-22: "فذكر إنما أنت مذكر . لست عليهم بمسيطر"، أو في قوله سبحانه، في سورة الرعد، الأية 40 : " فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب". إن الإلحاد في العمق أزمة معنى، لا تنفصل عن شرط هذا المعنى الاجتماعي والثقافي، ولا علاقة له بالعلم ولا بالوضعية المنطقية التي ليست سوى نظرية في فلسفة العلوم، وليست علما قائماً، وهو ما يجهله المقرئ أبو زيد، فالوضعية المنطقية لا تمنع أحداً حتى ولو كان عالما من طرح أسئلة اعتقادية، لأنها بكل ببساطة نظرية تشتغل من داخل منطق التجربة والعلم، لكنها لا تشكل قيداً أو حداً للعقل، وهنا وجب على المقرئ أبي زيد أن يميز بين العلم والعقل، فقول هذا الأخير بأن هوكينغ ما كان عليه أن يطرح سؤال أصل الوجود والأولوهية ما دام وضعيا منطقياً، فهذا حق أريد به باطل، لأن الوضعية المنطقية نظرية في فلسفة المعرفة، حاولت تنظيم العلاقة بين العقل والعلم، ولم تكن قيدا على العقل، اللهم إن كان المقرئ يحتكر حق التفكير في المتعالي والما ورائي احتكارا باسم السماء. إن الوضعية المنطقية، اسم أطلقه الفلاسفة على تقسيم دافيد هيوم للمعرفة إلى فئتين منفصلتين، تتعلق الأولى ب"مسائل الواقع والوجود الحقيقي"، وتعني الأمور المتعلقة بالواقع وقدرتنا على اختبار وجوده، عن طريق التجربة، والفئة الثانية تتعلق ب"العلاقات بين الأفكار"، أي كل الأمور التي لها علاقة بعالم الفكر فقط، ولا حاجة لنا أن ننزل لأرض الواقع كي نختبر صحّتها، كالعبارات الرياضياتية أو المنطقية، ولذلك يمكن للتفكير أن يتناول أشياء تتجاوز شرط التجربة والاختبار من خلال مكون العلاقة بين الأفكار، وحينما يتعلق الأمر بالأفكار التي تميز الفئة الثانية، فإن العالم يمكنه أن يخطأ كباقي البشر، في ربطه للذاتي بالموضوعي، انطلاقاً من خطائه في المبنى والتحليل المنطقي، بمعنى أن الوضعية المنطقية لا تمنع أحدا من ولولوج كل عوالم التفكير بما فيها مجال الإلهيات، لكنه في الوقت ذاته لا يمكنه أن يحاجج فيها بمنطق العلم. ولذلك تجد ستيفن هوكينغ حين يتكلم في مجال الإلهيات، فإنه يقدم تصوره النظري المرتبط بعالم، محافظا على موقعه في الفئة الثانية، أي فئة الأفكار. بما يقتضي ذلك من أخطاء يرتكبها هوكينغ أو غيره في الانتصار إلى الذاتي على حساب الموضوعي، وهو بالنهاية إنسان، لكن يجب محاججته من داخل فلسفة العلوم أو فلسلفة الدين، وليس من داخل منظومة الفقه. والفرق كبير بين هذه المجالات والمباحث. ومهما كان المجال فتسفيه وسب وشتم المختلف عنا هو سلوك مرفوض جملة وتفصيلا. وإذا كُنتُ قد اشتغلت لسنوات قَرُبَت من عقد من الزمن على تغيير المعتقد الديني، دون أن أصل لوصم من غيروا دياناتهم بالمرضى، حتى وأن كنت أقر أن التحول الديني وعلى رأسه الإلحاد، ناتج عن أزمة معنى مرتبطة بأزمة نفسية، منبها تنبيها كبيرا لضرورة التمييز بين المرض النفسي والأزمة النفسية، وليس هناك إلحاد علمي بالأساس، طالما أن العلم لا يدرس أشياء خارجة عن حدود العقل، بما في ذلك الألوهيات. وإذا كانت أزمة المعنى مسؤولة بشكل كبير عن تغيير المعتقد الديني، فإن التطرف والغلو والحديث باسم السماء تعد أكبر الأسباب والعوامل وراء الإلحاد في العالم. وما على السيد المقرئ سوى أن يمنح نفسه فسحة ليطلع على كتابنا الجهل المركب في 850 صفحة، ليعرف ما معنى الإلحاد الذي يتحول معرفيا وابستمولوجيا على مستويات أخرى إلى دافع للتجديد الديني والاجتهاد الفقهي من أجل مسايرة الدين لتطورات العصر، فأزمة المعنى هي المحرك الوحيد للأجوبة، إن أراد طبعاً أن يحاضر في الإلحاد وعن الإلحاد عن معرفة وعلم، لأن الجهل وتوهم المعرفة على حد سواء مسألة خطيرة في شؤون الدنيا والدين. ختاما، إذا كانت معرفة المرء بجهله أهون من توهمه بالمعرفة بتعبير مارك أوجي، فإن مقارنة مسار الرجلين كفيل بتوضيح تهافت ما تبقى من خطاب الادعاء الذي يتفوه به السيد أبو زيد، إذ يكفي أن نعرف ما حققه هوكينغ من نجاح في مجالات ذات الصلة بالفيزياء النظرية، والتي لا تنفصل عن باقي العلوم، والتي جعلته ثاني أكبر شخصية علمية في التاريخ الحديث والمعاصر بعد أينشتاين. وفيما يلي بعض ما أنجزه الرجل: 1971: أصدر بالتزامن مع عالم الرياضيات روجر بنروز نظريته التي تثبت رياضياً وعبر نظرية النسبية العامة لأينشتاين بأن الثقوب السوداء أو النجوم المنهارة بسبب الجاذبية هي حالة تفردية في الكون "أي أنها حدث له نقطة بداية في الزمن". 1974: أثبت نظرياً أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعاً على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك؛ وسمي هذا الإشعاع باسمه "إشعاع هوكينج" واستعان بنظريات ميكانيكا الكم وقوانين الديناميكا الحرارية. كما طور مع معاونه، جيم هارتل من جامعة كاليفورنيا، نظرية اللا حدود للكون، والتي غيرت من التصور القديم للحظة الانفجار الكبير عن نشأة الكون، إضافة إلى عدم تعارضها مع أن الكون نظام منتظم ومغلق. ونشر الكثير من الكتب العلمية التي أحدثت طفرة كبيرة في المجال العلمي، ومن بينها للمثال الا الحصر: تاريخ موجز للزمن- الثقوب السوداء والأكوان الناشئة ومقالات أخرى- الكون في قشرة جوز – على أكتاف العمالقة – الله خلق الأعداد الصحيحة…إلخ. ناهيك عن مساهمته في الكثير من الكتب والمشاريع البحثية الجماعية، بالرغم من معاناته التي طالت أزيد من نصف قرن مع المرض.