محاولات المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا إحياء مسلسل المفاوضات المباشرة حول النزاع المفتعل في الصحراء المغربية لن يُكتب لها النجاح دون استجابة الجزائر للجلوس كطرف مباشر للتفاوض مع المغرب بشكل مباشر بدلا من الاستمرار في مسرحية تصدير انفصاليي البوليساريو إلى الواجهة، واعتبار الجزائر مجرد ملاحظ في هذا النزاع. فحقائق التاريخ وواقع المنطقة والعلاقات الدولية كلها تشهد أن الجزائر ليست مجرد عنصر شريك أو قريب من بؤرة النزاع، بل هي طرف فاعل وسبب مباشر في كل المآسي التي خلفها هذا النزاع منذ اختلاقه في منتصف السبعينيات. الموائد المستديرة لم يعد لها أي فائدة أو جدوى في تناول هذا الملف. قضية الصحراء المغربية إذا كانت ستُتداول أمميا فيجب أن يكون ذلك في إطار طاولة مفاوضات مستطيلة تضم وفدين أساسيين هما الوفد المغربي والجزائري من أجل النظر في تفاصيل نزع سلاح جبهة البوليساريو وحل المشاكل الحدودية بين البلدين والعمل على تسهيل عودة المحتجزين في مخيمات تندوف إلى المغرب آمنين مطمئنين في أفق مشاركتهم في تنزيل مضامين مقترح الحكم الذاتي الذي بلوره المغرب من أجل تمكين المواطنين الصحراويين من تدبير شؤونهم الذاتية في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وليس هناك أي نقاط أخرى يمكن أن تطرح على جدول أعمال هذه المفاوضات فيما يتعلق بقضية الصحراء غير هذه البنود الأمنية والإنسانية. النقاط الأخرى التي يمكن أن يتم تداولها بين المغرب والجزائر كثيرة، لكن ذلك يمكن أن يتم في سياق أطر دبلوماسية عادية كاللجان العليا المشتركة والقمم الثنائية على أعلى مستوى وغيرها. وبين المغرب والجزائر كثير من الملفات الساخنة والمشتركة التي ينبغي لهما الانكباب على التباحث حولها. لكن في ملف الصحراء المغربية لن يتفاوض المغرب مع الجزائر خارج إطار الاعتراف بسيادته الكاملة على أراضيه، ولذلك سيكون على رأس جدول أعمال هذه المفاوضات بين المغرب والجزائر تحديد الآليات الكفيلة بتجسيد هذا الاعتراف الجزائري والنهائي، بافتتاح قنصلية جزائرية في الأقاليم الجنوبية وتدشين معبر مباشر بين البلدين عبر الصحراء، وتعزيز التعاون الاقتصادي على هذا المحور. هذا هو المسار الوحيد الذي يمكن المراهنة عليه مستقبلا من طرف المغرب فيما يتعلق بالنهج التفاوضي حول قضية الصحراء المغربية. وغير ذلك سيكون مجرد إضاعة للوقت واستنزاف للطاقة، فالجميع يعلم أن انفصاليي جبهة البوليساريو مجرد دُمى تحركها عصابة الكابرانات، تأتمر بأوامرها وتردد خطاباتها وإملاءاتها مثلما حدث في مختلف الجلسات التفاوضية السابقة التي بدأت في سنة 2007 في مانهاست بالولايات المتحدةالأمريكية. وكما تجسد ذلك في حدث تاريخي فاضح عندما اقترحت الجزائر تقسيم الصحراء بمنح المغرب ثلثي المساحة ومنح الثلث الباقي للانفصاليين من أجل إقامة دولتهم الوهمية. عندما تقدمت الجزائر بهذا الاقتراح للمبعوث الشخصي للأمين العام آنذاك الأمريكي جيمس بيكر، انكشفت رسميا تبعية الجبهة الانفصالية لإملاءات الجزائر، ولم يعترضوا حينها على التفريط في ثلثي "الجمهورية الوهمية" التي يعتبرونها حقا تاريخيا. أين ذهبت هذه الدعاوى والمزاعم عندما كانت الجبهة الانفصالية مستعدة للقبول بإقليم واحد في الصحراء امتثالا لأوامر عصابة الكابرانات؟ لهذا فإن ما يبذله ستيفان دي ميستورا حاليا من جهود دبلوماسية لن يغير من الواقع شيئا ولن يدفع الملف نحو المزيد من التقدم بسبب رفض الجزائر تصدر طاولة التفاوض في مواجهة مباشرة مع الوفد المغربي لربح الوقت والخروج من دوامة الخطابات الجامدة التي لم تتغير منذ زمن الحرب الباردة. وفي انتظار اقتناع الأممالمتحدة والمنتظم الدولي بمسؤولية الجزائر المباشرة عن استدامة هذا النزاع المفتعل وضرورة تحمّلها المسؤولية في حسمه والتوصل إلى حل عادل ودائم بشأنه، سيظل المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها حتى يحدث الله أمراً كان مفعولاً.