كثر الحديث في السنوات الأخيرة، حول الذكاء الإصطناعي، وتأثيراته المستقبلية على كيفية عيش الإنسان وعمله، بعد تداول عدة تقارير علمية ، تفيد أنه سيتم استخدام الذكاء الاصطناعي خلال الفترة القادمة، بشكل أكبر، لتحليل التفاعلات والاتصالات والمساعدة في التنبؤ بالطلب على الخدمات ، لتمكين السلطات من اتخاذ قرارات أفضل بشأن استخدام الموارد، واكتشاف الأنماط المتغيرة لسلوك العملاء من خلال تسريع تحليل البيانات. وقد أثار الذكاء الاصطناعي بالفعل الكثير من المخاوف، حول إيجابياته وسلبياته خاصة تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة كبرنامج ChatGPT الذي جعل الكثير من الخبراء يطرحون عدة أسئلة حول مستقبل هذه التقنيات و النواحي الأخلاقية لاستخداماتها.. فقد ظهرت العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي تساعد البشر بالفعل في أداء وظائفهم اليومية، ولكن حتى وقت قريب وقبل تطور مفهوم تعلم الآلة كان الذكاء الاصطناعي محدودا بعض الشيء. لكن بعد تطوير مفهوم التعلم الذاتي للآلة، ظهرت العديد من التطبيقات المذهلة والمخيفة في جميع المجالات علمية فنية أدبية … الذكاء الإصطناعي بين الماضي والحاضر ظهر "الذكاء الاصطناعي" في المرة الأولى سنوات الخمسينيات، واستخدم هذا مصطلحه خلال مؤتمر جامعة "دارتمورث" بشأن الذكاء الاصطناعي في صيف عام 1956، في هانوفر بالولاياتالمتحدةالأمريكية، خلال انعقاد مدرسة صيفية نظمها أربعة باحثين أمريكيين: جون مكارثي، مارفن مينسكي، ناثانييل روتشستر وكلود شانون. ومنذ ذلك الوقت، نشر المبتكرون والباحثون زهاء 1.6 مليون منشور يتعلق بالذكاء الاصطناعي وأودعوا طلبات براءات لحوالي 340 ألف ابتكار يتعلق بالذكاء الاصطناعي. والذكاء الإصطناعي، هو في الأصل نظام علمي الذي يقول معظم الباحثين أنه اخترع في البداية لإثارة انتباه الجمهور غير أنه أخذ في الانتشار بشكل كبير مع مرور السنوات، حيث انبثقت عنه عدة تقنيات ساهمت في عولمة العالم و تغيير معالمه على مدى الستين سنة الماضية. وحسب عدد من الباحثين ، فإن "الذكاء الاصطناعي" يشير إلى كيان اصطناعي موهوب بالذكاء، قادر مستقبلا على منافسة الإنسان. فمن وجهة نظر مبتكري مصطلح الذكاء الصناعي ، فإن هذا الأخير، يهدف في البداية إلى محاكاة مختلف قدرات الذكاء، بواسطة الآلات، سواء كان الذكاء بشريا أو حيوانيا أو نباتيا أو اجتماعيا أو تصنيفا تفرعيا حيويا. وقد استند هذا النظام العلمي أساسا على فرضية مفادها، أن جميع الوظائف المعرفية، ولا سيما التعلّم، والاستدلال، والحساب، والإدراك، والحفظ في الذاكرة، وحتى الإكتشاف العلمي أو الإبداع الفني، قابلة لوصف دقيق لدرجة أنه يمكن برمجة جهاز كمبيوتر لاستِنساخها. ومنذ وجود الذكاء الاصطناعي، أي منذ أكثر من ستين سنة، ليس هناك ما يفند أو يثبت بشكل قاطع هذه الفرضية . وبالنظر للأهمية التي أضحى الذكاء الاصطناعي، يضطلع بها، بوتيرة متسارعة، من المتوقع أن تنمو قيمة سوق الذكاء الاصطناعي إلى 190 مليار دولار بحلول عام 2025 مع زيادة الإنفاق العالمي على الأنظمة المعرفية والذكاء الاصطناعي إلى أكثر من 57 مليار دولار في عام 2022. ومع انتشار الذكاء الاصطناعي عبر القطاعات المختلفة، سيتم إنشاء وظائف جديدة في مجالات التطوير والبرمجة والاختبار والدعم والصيانة، وغيرها. فخلال العقود القليلة الماضية، كان الإنسان وحده قادرا، مثلا على لعب الشطرنج ، أما اليوم، بإمكان الآلات المجهزة بالذكاء الاصطناعي بدورها القيام بذلك على نحو روتيني. ويعمل الباحثون اليوم على تطبيقات أكثر طموحاً للذكاء الاصطناعي، ستُحدث ثورة في سبل عمل الإنسان، وتواصله، ودراسته والترفيهه . مخاوف من نجاح الذكاء الإصطناعي يتخوف الكثيرون، من نجاح الذكاء الاصطناعي، في تطوير نفسه بدرجة يعجز عن فهمها أو ملاحقتها البشر الذين صنعوه، ولهذا الغرض ، أنتجت العشرات من أفلام الخيال العلمي وكتبت مئات الكتب والمقالات، محذرة من السيطرة المرتقبة لهذه البرامج على العالم، كما حدث في مجال الأدب والفن والرسم وكيف اخترقته هذه البرامج الذكية الجديدة. ومن بين برامج الذكاء الاصطناعي المقلقة في الوقت الحالي، البرنامج الجديد، الذي أطلق عليه اسم ChatGPT (Generative Pretrained Transformer 3) وهو برنامج لمعالجة اللغة، يتفاعل مع المستخدم من خلال الحوار كتابة على الموقع الإلكتروني الخاص به. هذا البرنامج الجديد ، تم إطلاقه في نوفمبر 2022، ويعمل وفق آلية "تعلم الآلة"، لكن الإيجابيات التي يظهرها هي في نظر البعض أقل بالنظر للسلبيات التي خفيها والتي شبهوها بقمة جبل الجليد. البرنامج من إنتاج شركة OpenAI التي تم تأسسيها عام 2015 بمشاركة كل من إيلون ماسك وجريج بروكمان وإيليا سوتسكيفر ووجسيخ زاريمبا وسام التمان. والبرنامج هو أحدث نماذج تعلم الآلة وقد تم إنشاؤه على رأس عائلة نماذج روبوتات المحادثة وتعلم اللغات ويخضع لإشراف دقيق للغاية لتطوير اللغة التي يستجيب بها لطلبات المستخدمين من خلال ما يسمى بتقنيات التعلم المعزز من ردود الفعل البشرية. وحسب ما وثقه مستخدمون ، قاموا بتجارب شخصية للبرنامج الجديد، نشروها من خلال فيديوهات و تغريدات على تويتر، فإن هناك انطباع عام لدى البرنامج باعتزازه بنفسه وبما يقوم به. وأنهم لأول مرة يتعاملون مع برنامج قادر على فهم لغة الإنسان بالشكل الذي يتم به التحدث بها وكتابتها، مما يسمح له بفهم المعلومات التي تضاف إليه ويتم تغذيته بها بشكل مستمر ودائم والتفكير قبل التلفظ بأي رد على طلبات المستخدم، وهو ما يحدث بسرعة فائقة، أمام ذهول المستخدم. وبحسب تجارب مستخدمين، فإن البرنامج يمتنع عن الإجابة عن الأسئلة عندما تشكل الردود نوعا من الخطر سواء للسائل أو للمجتمع بوجه عام ويتوقف حينها عن المساعدة في مثل هذه الطلبات الخطرة بل إنه يوقفك عن طرح مزيد من الأسئلة بشأن تلك الموضوعات الخطرة. الأمر الذي جعل البعض يطرح السؤال حول الكيفية التي تم بها تطوير هذا البرنامج حتى جعل الذكاء الاصطناعي يتعرف مشاعر الإنسان. الجواب يتمثل بحسب المشرفين على البرنامج ، على أنه تم تدريب النموذج ChatGPT باستخدام قواعد البيانات النصية من الإنترنت، وشمل ذلك كميات ضخمة من الغيغا بايتس من البيانات التي تم الحصول عليها من الكتب ونصوص الويب وويكيبيديا والمقالات وغيرها بمعدل وصل إلى نحو 300 مليار كلمة أدخلت في نظامه. والخطير في الأمر أن هذا النموذج وهذه التكنولوجيا ، ما يميزها عن غيرها هو "أنها تستمر في التعلم بشكل لا ينقطع مع تحسين فهمها للأسئلة باستمرار لتصبح يوما ما الجهة التي تعرف كل شيء عن كل شيء". وقد طرحت بخصوص هذه التقنية وتقنيات مشابهة عدة مخاوف بخصوص "المعايير الأخلاقية" وكيف يمكن ضبط هذه التقنيات على عدم تجاوز الحدود والحفاظ على الخصوصية . ويدرك خبراء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، مخاطر، وضع مثل هذه التقنيات المتقدمة بين يدي الجمهور بلا حسيب ولا رقيب وما يمكن أن تسببه من تجاوزات ومشكلات متعددة . وفي الولاياتالمتحدة وأوروبا، تسود حالة من الذعر بين الأساتذة خوفا من استعانة الطلاب بتطبيقات الذكاء الاصطناعي للإجابة عن مسائل المنطق والرياضيات، حتى إن المدارس الحكومية في مدينة نيويورك حظرت الوصول إلى تطبيق ChatGPT بسبب تأثيره "المضر" في العملية التعليمية للطلاب، والمخاوف المتعلقة بسلامة المحتوى العلمي الذي يقدمه ومدى دقته". وفي أستراليا، اضطرت بعض الجامعات إلى تغيير الطريقة التي تجري بها الاختبارات والتقييمات الأخرى بعد اكتشافها أن الطلاب يستخدمون برنامج الذكاء الاصطناعي الناشئ Chat GPT لكتابة المقالات، حسب ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية. وأعرب أكاديميون عن مخاوفهم من برنامج Chat GPT وقدرة التقنيات المماثلة على التهرب من برامج مكافحة السرقة الأدبية وكتابة مقالات أكاديمية سريعة وموثوقة. وبغض النظر عن استخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فإن البعض أضحى يخشى مخاطر هذه التقنيات المتطورة من الناحية الأخلاقية. وتتمثل هذه المخاطر في ثلاثة أنواع: ندرة فرص الشغل باعتبار أن الآلة ستعوض الإنسان لتأدية العديد من المهام، والانعكاسات على استقلالية الفرد وخاصة على حريته وأمنه، وتجاوز البشرية التي قد تزول لتحل محلها آلات تفوقها ذكاء. المستقبل للإنسان أم للذكاء الإصطناعي؟ "سوف يساعد الذكاء الاصطناعي الآلات على أداء المهام الخطيرة بعد قيام البشر بها. […] كما سيزيد من الوظائف الحالية بحيث يصبح البشر أكثر دقة وكفاءة، وسيبقينا أكثر أمانا". هكذا تحدث الباحثين فرانك شان،وأندريسن هورويتز، عن مستقبل الذكاء الإصطناعي. فنهضة العلوم والتقنيات هي في الحقيقة نهضة للإنسان الذي يجب أن يستغل هذا التطور التقني لصالحه ليزيد تقدما وابتكارا، فمنذ عام 2010، وبفضل قوة الآلة، أصبح من الممكن استغلال البيانات الضخمة بواسطة تقنيات التعلم العميق التي تعتمد على استخدام الشبكات العصبية الشكلية. كما أن ظهور تطبيقات مثمرة في العديد من المجالات (التعرف على الكلام، التعرف على الصور، فهم اللغة الطبيعية، سيارة ذاتية القيادة…) يجرنا إلى الحديث عن نهضة الذكاء الاصطناعي وتطوره. فقد هزمت آلة في لعبة الشطرنج بطل العالم في عام 1997، كما تفوقت سنة 2016 آلات أخرى على أحد أفضل اللّاعبين في العالم في لعبة «الجو»، وعلى لاعبين ممتازين في لعبة البوكر. وبفضل تقنيات التعلم الآلي، تقوم الآلات بالتعرف على الكلام وتدوينه، مثلها مثل السكرتيرة-الراقنة في السابق، وتقوم أخرى بالتعرف بدقة على سمات الوجه أو بصمات الأصابع من بين عشرات الملايين، وقراءة النصوص المكتوبة باللغة الطبيعية. كما وجدت بفضل هذه التقنيات سيارات ذاتية التحكم، وآلات قادرة على تشخيص الورم الميلانيني أفضل بكثير من الأطباء المختصين في الأمراض الجلدية، و ذلك اعتمادا على صور فوتوغرافية للشّامات الجلدية يتم التقاطها باستخدام الهواتف المحمولة. وأصبحت الروبوتات تحل محل الإنسان المقاتل في الحروب، وآلية سلسلة الإنتاج بالمصانع في تزايد مستمر. وبشكل عام، تشهد كل العلوم قطعا معرفيا أساسيا مع ظهور ما يسمى بتجارب «إن سيليكو» (تجارب في بيئة افتراضية)، لأنها تتم بالاعتماد على بيانات ضخمة، بفضل نظم قوية لمعالجة المعلومات تتكون نواتها من السيليسيوم، مما يجعل هذه التجارب تتعارض مع التجارب في الوسط الحي التي تُجرى على الجسم الحي، وعلى وجه الخصوص مع التجارب المختبرية التي تُجرى في أنابيب زجاجية. وتؤثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات تقريبا، وخاصة في الصناعة والبنوك والتأمين والصحة والدفاع، ذلك أنه أصبح من الممكن تحويل العديد من المهام الروتينية الحالية إلى عمليات آلية، وهذا من شأنه أن يغيّر صبغة العديد من المهن وقد يؤدي إلى زوال بعضها نهائيا. ويستخدم المطورون الذكاء الاصطناعي لأداء المهام التي يتم تنفيذها يدويا بكفاءة أكبر، والتواصل مع العملاء، وتحديد الأنماط، وحل المشكلات. وتعمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها عن طريق إتمام العمليات أو المهام التي كانت تتطلب القوة البشرية فيما مضى. كما يمكن للذكاء الاصطناعي فهم البيانات على نطاق واسع لا يمكن لأي إنسان تحقيقه. وهذه القدرة يمكن أن تعود بمزايا كبيرة على الأعمال. فما يحدث ، يجمع الباحثين والخبراء على أنه خطوة كبيرة تم قطعها في طريق علوم الذكاء الاصطناعي، التي ستغير شكل المستقبل، حيث سيتداخل عمل الروبوتات الذكية في حياة البشر أكثر وأكثر، لمساعدة الإنسان وخدمته الإنسان، والتفكير بدلا عنه، وصنع أشياء بناء على طلبه.