يعتبر الخبير الاقتصادي مهدي فقير في هذا الحوار أن ما أعلنت عنه شركة بومباردييه الكندية بخصوص مصنعها بمنطقة النواصر لا يعدو أن يكون تفويتا وليس نقلا للأنشطة، مؤكدا أن هناك أربع شركات عالمية مهتمة بالاستحواذ على هذا المصنع والاستمرار في تشغيله. ويوضح الخبير الاقتصادي أن المغرب ليس أمامه بديل عن الاستثمار الأجنبي في تطوير صناعته في انتظار توطين التكنولوجيا وخلق رأسمالية وطنية. اتخذت شركة بومباردييه لصناعة الطيران قرارا بترحيل أنشطتها خارج المغرب. كيف تقرؤون قرارا من هذا القبيل في السياق الاقتصادي العالمي؟ – أولا هذا التوصيف الذي ذكرتم غير دقيق. فالشركة لم تقم بترحيل أنشطتها خارج المغرب، وإنما قامت بتركيز أنشطتها داخل المغرب وذلك وفق رؤية استراتيجية عامة تمس كل المجموعة. بمعنى أن مجموعة بومباردييه ستعمل على تركيز خدماتها وتكثيفها في بعض القطاعات ومن هذه القطاعات قطاع صناعة الطائرات. كان من الممكن تفسير تخلي الشركة عن بعض الأنشطة على أنه ترحيل لو لم تكن هناك شركات مهتمة بالاستحواذ على هذه الأنشطة التي تمارسها الشركة في مصنعها بالمغرب. أما وأن هناك أربع شركات أخرى على الأقل مهتمة بكل ما تقوم به بومباردييه فالأمر يتعلق إذن بتفويت يندرج في إطار استراتيجية للشركة، وهذا في نظري ليس فشلا للاستراتيجية الاستثمارية للمغرب كما يعتقد البعض. إنها مجرد استراتيجية لشركة معينة ودليلنا هنا هو إمكانية حلول مجموعات أخرى بدلا عنها. – هل يمكن أن نقول أن الأمر يتعلق إذن بتفويت فقط لشركة منافسة في القطاع نفسه؟ – بالضبط، وذلك في إطار تركيز استراتيجي تريد من خلاله الشركة أن تقتصر في نشاطها على الطائرات وليس في تصنيع أجزائها، وهذا التركيز استراتيجي في إطار قراءة استشرافية، وهذا يعني أن قرار الشركة لم يكن محليا بل كان دوليا. وتعلمون أن هذه المجموعات الاقتصادية الكبرى لها تحركات في منظور بعيد المدى وتتعامل باستراتيجيات أفقية وعمودية، وبالتالي فعلى ما يبدو فإن الشركة تبحث عن تركيز أفقي بالتخلي عن التركيز العمودي، وهي استراتيجية لمجموعة دولية ينبغي أن تحترم، وليس للمغرب أن يتدخل في قرار من هذا القبيل، خصوصا أن هناك أربع مجموعات على الأقل مهتمة بالاستحواذ على هذه الأنشطة. – إذا أردنا أن نجيب عن بعض الانشغالات الخاصة بمناصب الشغل، هل يعني كلامك أن مصنع بومباردييه سيستمر في العمل ولن يغلق؟ – أكيد طالما سيتم تفويته. تفويت الأنشطة أو في أسوأ الحالات جزء منها دليل على أنه سيستمر العمل بالمصنع، وعلى الأقل لم يظهر إلى حدود اليوم ما يدل على وجود احتمال تأثير اجتماعي على مناصب الشغل. أعتقد أن المصنع سيستمر خصوصا أنه واعد على مستوى الإنتاجية وعلى مستوى التحفيزات المقدمة له بالإضافة إلى أنه يقع في منطقة توفر كل ما يلزم بما في ذلك التكوين المهني للعاملين والموارد البشرية. – هناك من يعتبر أنه رغم هذه القراءة المتفائلة التي قدمتها أن ارتباط الاستثمار في المغرب بشركات كبرى دولية يعكس هشاشة الاستراتيجية الصناعية والاستثمارية بالمغرب والدليل على ذلك أن كل مستثمر يستطيع أن يرحل في أي لحظة. – هذه القراءة التي تعتبرونها متفائلة أعتبرها أنا قراءة موضوعية صرفة. فاليوم يعتبر الرأسمال الأجنبي مع كامل الأسف هو الخيار الوحيد المتاح أمام المغرب من أجل تطوير صناعته بحكم عدم انخراط الرأسمال الوطني في القطاع الصناعي، وخصوصا في هذا القطاع الخاص بصناعة الطائرات، فالمغرب لا ينتج التكنولوجيا. كيف يمكننا إذن أن نطور اقتصادنا دون الاعتماد لا على الرأسمال الأجنبي؟ هذا تساؤل ينبغي أن نجيب عليه إذا كان لدينا آراء أخرى. لكن مع كامل الأسف يجب أن نتعامل مع هذا الموضوع بهذه الطريقة أي باجتذاب الرأسمال الأجنبي مع العلم أننا يجب أن نقر بأن هذا الرأسمال لا يدخل إلى بلادنا ليبقى فيها إلى الأبد. هو هنا لأن هناك جاذبية وتنافسية محدودة في الزمان والمكان في انتظار أن نطور اقتصادنا الوطني ونخلق رأسمالية وطنية تدخل غمار الصناعة. فالاستثمار الأجنبي هو هنا طالما كانت الظروف مواتية له. – لا يوجد بديل إذن عن الاستثمار الأجنبي؟ – حاليا لا يوجد، طالما لم يتحقق شرطان: توطين التكنولوجيا وخلق رأسمال وطني.