بالنسبة لجمعية تجسد النفس الماركسي الاحتجاجي مثل "أطاك المغرب" فإن يوم فاتح ماي هو "يوم للنضال و الاحتجاج ضد هيمنة الرأسمال و جبروته: لا للسياسات الليبرالية لا لمواجهة الأجراء بالقمع والتنكيل، نعم لتلبية مطالب الأجراء والفئات الشعبية". بهذا العنوان دبجت هذه الجمعية بيانها حشدا للاحتفال بذكرى عيد الشغل التي جرت أمس الأربعاء. لكن هذه الشعارات النارية التي أطلقتها مع نقابات عمالية أخرى لم يعد لها البريق ذاته الذي كانت تحمله في وقت سابق ويجعلها تحول عيد العمال إلى لحظة اجتماعية لا يمكن تجاوزها. فمن الواضح أن احتفالات هذا العام مثلها مثل احتفالات السنوات الماضية تعرف فتورا اضطراديا أفقد هذا العيد نكهة الماضي. ورغم أن هذا الاحتفال يتزامن مع توقيع الحكومة والباطرونا والنقابات على اتفاق الحوار الاجتماعي إلا أن تفاعل الطبقة الشغيلة مع دعوات مختلف المركزيات النقابية كان محدودا. وتحولت المسيرات الحاشدة والمهرجانات الخطابية التي كانت تشهدها مختلف المواقع في المدن الكبرى على الخصوص إلى ذكرى من الماضي. اتفاق الحوار الاجتماعي الذي تم توقيعه قبل أسبوع من موعد الاحتفالات عرف تحقيق بعض المطالب الاجتماعية وعلى رأسها زيادة عامة في الأجور التي ستشمل حوالي 800 ألف موظف بإدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري بغلاف مالي إجمالي يبلغ 2.5 مليار درهم خلال هذه السنة ليصل إلى 7 مليار درهم سنة 2021. لكن هذه الزيادة وغيرها من المطالب التي الإعلان عنها كان لها على ما يبدو الأثر العكسي لدى الطبقة الشغيلة. والظاهر أن هذا الفتور الملحوظ في احتفالات هذه السنة لا يعكس توتر علاقة الطبقة الشغيلة بالحكومة ووعودها فقط، بل أساسا توتر هذه العلاقة مع المركزيات النقابية والممثلين النقابيين لهؤلاء العمال. أكثر من خمس مركزيات نقابية تعد الأكثر تمثيلية، ناهيك عن حوالي 15 مركزية نقابية أخرى أقل تمثيلية. سيل من التنسيقيات الفئوية في مختلف القطاعات، ورغم ذلك تظل نسبة الانخراط النقابي في أوساط العمال المغاربة من بين الأضعف على الصعيد الإقليمي. في تونس على سبيل المثال لعبت النقابات دورا مركزيا في ثورة الياسمين وساهمت في عبور البلاد نحو انتقال ديمقراطي سلس. في حين تعد علاقة السياسة بالنقابة في المغرب واحدة من أزمات العمل النقابي التي تفسر ضعف المصداقية التي تتمتع بها. ففي احتفالات هذا العام مثلا طفت لغة الخشب وعبرت النقابات المخترقة حزبيا ومن بينها نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب التابعة لحزب العدالة والتنمية عن "التثمين والإشادة" بما تحقق في الحوار الاجتماعي، الذي رفضت إحدى النقابات الأكثر تمثيلية وهي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التوقيع عليه، بينما وقعته باقي النقابات الأخرى اليوم لتنتقد مضمونه في اليوم الموالي كما هو الحال بالنسبة للاتحاد المغربي للشغل. هذا الاختراق الحزبي للقرار النقابي يعد واحدا من أكثر العوامل التي ساهمت في فقدان المركزيات النقابية لمصداقيتها لدى العمال، وأضعفت من مستويات الإقبال على النشاط النقابي في مختلف القطاعات. في فبراير الماضي كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن أرقام صادمة حول وزْن النقابات العمالية في المغرب إذ أظهرت المعطيات الرقمية الواردة ضمن المذكرة أنّ عدد النشيطين المشتغلين المنخرطين في النقابات لا يتعدى 4.3 في المائة فقط. هذا يعني أن 95.7 في المائة من العمال النشيطين في المغرب غير منخرطين في أي نقابة أو منظمة مهنية. وتؤكد هذه المعطيات أن الأجراء في القطاع المهيكل بدورهم يلمسهم العزوف النقابي إذ إنّ 92.8 في المائة منهم غير منخرطين في أي نقابة أو منظمة مهنية. ويمثل الأجراء نسبة 48.8 في المائة من مجموع السكان النشيطين المشتغلين في المغرب، الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة فما فوق، فيما يمثل المستقلون 30.3 في المائة. وبالنسبة لبعض المختصين ومن بينهم الباحث عبد الرحمان رشيق المختص في الحركات الاحتجاجية فإن الأشكال الجديدة للاحتجاج تغطي اليوم على دور المؤسسات التقليدية وعلى رأسها النقابات. فبعد أن انتقلت الاحتجاجات إلى الشوارع والملاعب لم يعد للأصوات القديمة قدرة على الإسماع. هذا ما أكدته الشهور القليلة الماضية التي عرفت زخما احتجاجيا كبيرا جسدته اعتصامات ومسيرات الأساتذة المتعاقدين الذين احتفلوا بذكرى فاتح ماي بعيدا عن أي تأطير من المركزيات النقابية التقليدية.