من الواضح بعد هذا الفشل الذريع الذي منيت به الجلسات التحضيرية التي تعقدها الجامعة العربية بالجزائر أن القمة العربية الحقيقية لن تدور في هذا البلد. ما سيتم عقده في الجزائر ابتداء من فاتح نونبر لن يكون سوى جلسات بروتوكولية فارغة من المحتوى عاجزة عن مناقشة القضايا العربية الشائكة أو بناء استراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات التي تواجه هذا الوطن الكبير الممتد من الخليج إلى المحيط. لقد نجح الكابرانات بغبائهم السياسي وعنادهم العقيم في أن يهدموا بأيديهم هذا اللقاء الذي كان من المفترض أن يجمع القادة والزعماء العرب حول حد أدنى من التفاهم والشراكة للالتفات إلى مستقبل عربي أفضل مما هو عليه اليوم. أطلق الكابرانات الرصاص على أقدامهم بسبب المقاربة السياسية المبنية على عُقد نفسية قديمة حاولوا تصريفها في هذا الحدث ليفاجؤوا بأن العالم العربي تغيّر كثيرا، وأن التحالفات الجديدة التي تشكلت فيه منذ 2015 تاريخ تأسيس نواة الحلف العربي المشترك، الذي بدأت تجربته في حرب اليمن، قد غيّرت من واقع العلاقات العربية العربية بشكل عميق. والظاهر أن نظام العسكر في الجزائر لم يستطع بعد الخروج من حقبة العشرية السوداء التي تميزت بعنف سياسي هائل ضد الشعب الجزائري تحالف فيها الاستبداد العسكري مع الجماعات الإرهابية، ولا يزال قادة هذا النظام يعتقدون فعلا أن البروباغندا القائمة على الكذب وترويج شعارات الحرب الباردة التي أكل عليها الدهر وشرب يمكن أن تتلاعب بعقول الدبلوماسيين العرب المثقلين بتجاربهم وملفاتهم الخاصة. ومع إعلان العديد من القادة والزعماء العرب المؤثرين في القرار الإقليمي والدولي تغيبّهم عن حضور هذه القمة، لن نبالغ بالتأكيد على أن القمة العربية ستنعقد في الحقيقة خارج الجزائر، أي قبل أو بالموازاة مع الاجتماعات التي سيحضرها ممثلون من مستويات أقل تمثيلية. بل إننا لن نبالغ إذا قلنا إن القمة العربية الفعلية قد انعقدت وانتهت واتخذت قراراتها قبل أن يتم افتتاح الجلسات التحضيرية بالجزائر. هذه القمة نقصد بها بالأساس هذا التحالف العربي الواسع الذي يضم الكثير من البلدان المؤثرة في المنطقة إلى جانب المغرب، ويتوافق قادته على الكثير من النقاط والقضايا، واستطاعوا أن يبلوروا رؤية مشتركة تجاه العديد من الملفات، وعلى رأسها ضرورة مواجهة التدخل الإيراني في المنطقة العربية، والتصدي لموجة التشييع السياسي التي تعمل طهران على بثها في دول المنطقة حتى وصلت إلى مناطق غرب إفريقيا والجزائر. القمة العربية التي تروّج السلطات الجزائرية لانعقادها وتحاول من خلال إعلامها أن تصنع منها ملحمة تاريخية، هي مجرد اجتماع شكلي لن يكون له أي أثر يذكر في تاريخ القمم العربية. وأكبر دليل على هذا هو أن الجلسات التحضيرية التي يحضرها وزراء الخارجية العرب استمرت ليومين كاملين فقط من أجل التوافق حول جدول الأعمال الخاص بقمة القادة والزعماء. لو كانت هذه القمة المزعومة تبشر بالنجاح والنجاعة كما يدعي إعلام الكابرانات لسبِقها توافق قبلي على كل القضايا العربية والدولية، والحال أننا اليوم أمام مشهد عربي باهت ساهمت المقاربة العدائية للجزائر في صناعته، عندما كانت تصرّ ضدا على الإرادة العربية على استرجاع النظام السوري لعضويته في الجامعة، وعلى تحريض الأشقاء العرب ضد الوحدة الترابية للمغرب في الوقت الذي ترفع فيه شعار لمّ الشمل. القمة العربية الحقيقية انعقدت وانتهت منذ أن قرر القادة والزعماء العرب مقاطعة اجتماع الجزائر، والتوافق على أولويات العمل العربي المشترك، والتي على رأسها مواجهة الخطر الإيراني ودعم خطة السلام من أجل الدولة الفلسطينية المستقلة. ما يجري في العاصمة الجزائرية لا يعدو أن يكون مجرد اجتماع روتيني لن تعقُبه أي قرارات ذات أهمية أو تأثير في الشأن العربي، ولن يؤدي في النهاية لا إلى صنع تاريخ مزعوم كما يحلم بذلك الكابرانات، ولا إلى لمّ الشمل المفترى عليه منهم. والسبب في كل ذلك هو أن النظام الذي يحتضن هذا الاجتماع لا يزال مصرّا على تقسيم جيرانه واستنبات دويلة وهمية، في وطن عربي عانى ولا يزال يعاني من ويلات التقسيم والتدخل الاستعماري.