لماذا يشترط المغرب تنظيم القمة العربية المقبلة على أساس "المسؤولية"؟ من المهم جدا التوقف عند هذه الدعوة وهذا المفهوم الذي يحمل دلالات دقيقة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية. هناك وعي مغربي واضح من احتمال تحوّل القمة العربية التي قد تحتضنها الجزائر في نونبر المقبل إلى محطة جديدة لتشتيت الصف العربي والإجهاز على البقية الباقية من مسارات التنسيق والعمل المشترك. ولعلّ حديث وزير الشؤون الخارجية والتعاون ناصر بوريطة أمام مجلس الجامعة العربية المنعقد اليوم بالقاهرة عن المخططات "الداخلية" التي تهدف إلى تقسيم المنطقة ودعم نزعات الانفصال يمثل رسالة مباشرة إلى نظام الكابرانات للتريث كثيرا قبل الإقدام على أي خطوة قد تسيء للجامعة العربية وللقمة المرتقبة. فالمنطق العربي يقضي بأن تمثل القمة التي تنعقد على مستوى الرؤساء والقادة والزعماء العرب فرصة لتدارس الملفات العربية العالقة، وما أكثرها. تلك التي تهم القضية الفلسطينية والحروب الأهلية والحروب العربية العربية إضافة إلى قضايا التنمية والنزاعات الحدودية وغيرها من المشكلات العالقة منذ عقود من الزمن. بعبارة أخرى إن القمة العربية ليست في حاجة إلى اختلاق أزمة دبلوماسية أو تعميق نزاع قائم بإقدام العسكر على مناورة أعلنت جلّ الدول العربية عن الرفض المسبق لها، منذ أن بدأ المسؤولون الجزائريون جولاتهم الدبلوماسية تحضيرا للقمة. لقد حاولت السلطات الجزائرية الدفاع عن مطلب عودة النظام السوري إلى مقعده في الجامعة العربية، لكن الذي يهم المغرب أكثر هي تلك المحاولات العبثية التي بذلها الرئيس الجزائري لإقناع بعض الدول العربية بمنح فرصة لجمهورية الوهم من أجل ظهور ولو رمزي في أشغال هذه القمة. هذا المطلب الذي قوبل بالرفض كغيره من المطالب الأخرى الشاذة التي يقدمها نظام شنقريحة هو الذي يمكن أن يدفع الكابرانات إلى الإقدام خلال هذه القمة المرتقبة في حال تنظيمها إلى الإقدام على سلوك أرعن في محاولة جديدة للإساءة للمغرب ولوحدته الترابية على غرار ما جرى في القمة اليابانية الإفريقية عندما تم إغراء الرئيس التونسي قيس سعيد من أجل استقبال زعيم الجمهورية الوهمية. سيناريو ظهور بن بطوش في القمة العربية هو أكبر أحلام الكابرانات، التي ستظل مجرد حلم بالمناسبة، لأن المغرب وحلفاءه من الدول العربية لن يقبلوا بتاتا بهذا الاستفزاز الذي قد يمثل نسفا رسميا لأشغال القمة العربية. لذلك فإن كلمة وزير الخارجية ناصر بوريطة أمام مجلس الجامعة العربية كانت جد هادفة عندما جعلت من مفهوم المسؤولية مطلبا مركزيا في مواقف المغرب. فالمسؤولية هي وحدها التي يمكن أن تخرج القمة العربية من دائرة التوظيف السياسوي الذي يتقنه الكابرانات، ويعملون باستمرار على استغلاله لتشتيت الصف العربي والطعن في كل مساحات التقارب والوحدة والتعاون التي يفسحها المغرب باستمرار في كل المناسبات الوطنية والعربية والدولية. رسالة المسؤولية تذكير لكل الأطراف العربية التي ستحضر هذه القمة أيضا بأن العمل العربي المشترك الناجع يجب أن ينطلق بالأساس من مقتضيات المواثيق والعهود المشتركة المنظمة لعمل الجامعة العربية، ولا يمكن بتاتا أن نعتمد فيه على حسن النية أو طيبوبة الجوار أو إنسانية الكرم العربي الخالد. ما صرّح به المغرب على لسان وزير خارجيته ناصر بوريطة هو بمثابة تحذير من مغبّة توجيه القمة العربية وجهة غير التي أنشأت في الأصل من أجلها، كما أن هذه المسؤولية القانونية بالأساس تمثل في الظرفية العربية الحالية شرطا ضروريا لانعقاد القمة فضلا عن نجاحها وتحقيقها لأهدافها الرئيسة. وعلى الرغم من أن جل المؤشرات القبلية تؤكد أن هذه القمة قد تؤجّل أو تنعقد بحضور باهت بسبب اصطفاف الجزائر إلى جانب دول تحاول فرض الهيمنة على العالم العربي كإيران، فإن المغرب لم يفوت فرصة اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري من أجل تأكيد التزامه بالعمل العربي المشترك وحرصه على الحضور في كل مناسباته الهامة حتى ولو كان على خلاف مع البلد المضيف.