البيرو تسحب اعترافها بجمهورية الوهم في تندوف. انتصارٌ دبلوماسي جديد، يُحققه المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، على طريق تكريس وحدة أراضي المملكة وسيادتها المشروعة على صحرائها. والأكيد أن هذا القرار الذي جاء، عقب محادثات بين وزير خارجية بيرو "ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي" ووزير الخارجية "ناصر بوريطة"، ليس هدية أو مجاملة دبلوماسية، بقدر ما هو "قرار براغماتي"، يخضع لكثير من التدقيق ودراسة التغيرات التي مر بها هذا النزاع المفتعل منذ سبعينيات القرن الماضي الى الآن. عودة قوية للمغرب في أمريكا اللاتينية من جهة أخرى، يعكس الموقف البيروفي، الذي يأتي بعد 11 شهرًا فقط من إستئناف "البيرو" لعلاقاتها الدبلوماسية" مع "الجبهة الانفصالية"، عقب وصول الرئيس اليساري "بيدرو كاستي"و، عودة قوية للمغرب إلى أمريكا اللاتينية ودول الكرايبي، لكبح جماح النفوذ الجزائري، المتزايد في هاته المنطقة. مثلما يؤشر أيضا، على الدينامية الجديدة، التي باتت تطبع الجهاز الدبلوماسي المغربي، من خلال اعادة تموقعه في مختلف مناطق العالم. ومن هنا أيضا، يمكن رصد بداية جديدة في الإستراتيجية المغربية الجديدة، التي باتت تعتمد على "القوة الناعمة الهجومية"، من أجل ترسيخ وتقوية موقفها والدفاع عن قضيتها الوطنية الأولى، من خلال خطوات غير مسموعة لكنها مثمرة للغاية. وذلك بخلاف، الدبلوماسية الجزائرية، التي رغم كل مساعيها للترويج للأطروحة الانفصالية، ظلت بدون مصداقية وبدون فاعلية، بسبب عدوانية سياستها. حصافة الاختيار الدبلوماسي المغربي أضحت الساحة الدولية في العصر الحديث، مسارا لتفاعلات متداخلة، بعيدا عن النمط الخطي الثابت. والقواعد التي تحكم العلاقات الثنائية بين الدول، تحولت إلى نظام من المتغيرات المتتالية الذي تحكمها المصالح المتبادلة، ولهذا السبب فإن تراكم التصورات الإستراتيجية لطرف ما، إقليمياً أو دولياً، هو ما يحدد حجم ونوع الاهتمام، ومقدار التغيير في اتجاهه. ومن هنا يمكن القول أن الاتجاه العام الذي اتخذه الاعتراف "البيروفي" الأخير بجدية ومصداقية المقترح المغربي بمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا، فضلا عن افتتاح أكثر من ثلاثين دولة لقنصليات لها في الصحراء المغربية، يجعلنا نتحدث اليوم عن حقبة جديدة من الدبلوماسية المغربية، تتسم بالنجاعة والفاعلية، والقدرة على التفاوض وافتكاك "المواقف الواضحة"، في طريقها نحو حسم هذا النزاع المفتعل بصورة نهائية. ضربة موجعة للجزائر وبوليساريو مما لا شك فيه، أن أهمية قرار "البيرو" بسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، تتجلى أيضا وبشكل بارز، في صدوره عن حكومة تنتمي الى "اليسار الجذري الماركسي"، المعروف تاريخيا بمساندته للطرح الانفصالي، في دول أمريكا اللاتينية. توجهٌ "أمريكي لاتيني" تمخض عنه سنة 2004 وبدعم مالي جزائري قوي ورشاوى بالملايير، تأسيس ما سمي إذاك ب "التحالف البوليفاري لشعوب الأمريكيتين" المعروف باسم "ألبا"، الذي قاد حملة تشويه كبيرة ضد المغرب. وفيما تؤكد جميع المؤشرات اليوم، على اتجاه دول لاتينية أخرى، صوب سحب اعترافها "بجمهورية" البوليساريو الوهمية، التي ربما تتجاوز ذلك صوب افتتاح قنصليات لها في الصحراء، الأكيد أن قرار البيرو، شكل ضربة موجعة لجبهة بوليساريو وحاضنتها الجزائر في واحدة من أهم معاقلهما، إن لم يكن "المعقل الوحيد" المتبقي لهما.