يذخر تاريخ كاتدرائية نوتردام في باريس التي لحقت بها خسائر فادحة بسبب الحريق الذي وقع بها اليوم الإثنين، بالكثير والكثير من الأحداث، وتعد تراثاً تاريخيا إنسانيا نادرا. تقع الكاتدرائية في الجانب الشرقي من جزيرة المدينة على نهر السين أي في قلب باريس التاريخي. ويمثل المبنى تحفة الفن والعمارة القوطية الذي ساد القرن الثاني عشر حتى بداية القرن السادس عشر. وتعد من المعالم التاريخية في فرنسا ومثالا على الأسلوب القوطي الذي عرف باسم (ايل دوزانس). وجاء ذكرها كمكان رئيسي للأحداث في رواية (أحدب نوتردام) للكاتب فيكتور هوجو. ويعود تاريخ إنشاء المبنى إلى العصور الوسطى. تقوم كاتدرائية نوتردام في مكان بناء أول كنيسة مسيحية في باريس، وهي "بازيليك القديس استيفان" والتي كانت بدورها مبنية على أنقاض معبد جوبيتير الغالو-روماني، والنسخة الأولى من نوتردام كنت كنيسة بديعة بناها الملك شيلدبرت الأول ملك الفرنجة وذلك عام 528م، وأصبحت كاتدرائية مدينة باريس في القرن العاشر بشكلها القوطي. قناة "فرانس 24" الفرنسية أعدت تقريراً عن الكنيسة الأشهر في البلاد. وقال التقرير المصور إنه "في قلب مدينة النور تقع الكاتدرائية الأكثر شهرة وبهاءً وعظمة في العالم، ولكن تحت ملامح القداسة التي تحملها نوتردام يوجد كم من الألغاز والأسرار". وأضافت القناة في تقريرها أن كل هذه الأسرار والألغاز بدأت في زمن بناء الكاتدرائية في القرن الثالث عشر، ففي ورشة البناء الهائلة كان هناك صانع أقفال متدرب يحمل اسم ديسكورنيه، وكان عليه مهمة تلبيس أبواب الكنيسة بالحديد. ليلة واحدة فقط كانت كافية للرجل لينجز فيها تحفة رائعة ولكن هل استعان هذا الشاب بالشيطان لإنجاز هذه المعجزة؟!.. أقاويل لا تزال شائعة حتى اليوم ولا تزال جولة المفاصل والأجزاء المعدنية للبوابة تثير حيرة المختصين. المحير في الأمر أن ديسكورنيه بعد يوم من إنجاز عمله عثر عليه ميتاً في سريره بعد تشنجات رهيبة لأن روحه كما تقول الأسطورة سلبها الشيطان. وقال التقرير: "صنع الباب إذن مقابل روح إنسانية". وعرضت القناة صوراً لمنحوتة في الكنيسة وتساءلت: "ما هو هذا المخلوق الغريب الذي له ذيل كذيل الأفعى والذي لا علاقة له بشخصيات الكتاب المقدس". وقالت إنه "لغز آخر من ألغاز نوتردام نادراً ما يلاحظه الزوار". وأضافت: أساطير وألغاز تحفل بها نوتردام ووحوش خرافية على جدرانها يقال إنها تستيقظ ليلاً، ولكن ماذا تمثل هذه الوحوش الشيطانية؟! البعض مولع بأساطيرها. كما عرض تقرير القناة الفرنسية من داخل كاتدرائية نوتردام منحوتة لها قاعدة على شكل امرأة جاحظة العينيين وفارغة الفاه وشعرها يتطاير من كل جانب. وقالت إن منحوتات كهذه موجودة في كل زوايا الكاتدرائية وتذكر أن الشر موجود في كل مكان. وعرضت منحوتة أخرى لكائن وقالت "هذه المخلوق لديه جسم طائر وأقدام حيوان وفك يشبه فك الكلب وكل هذه العناصر المتنافرة ترمز إلى كل ما هو غريب أو ما يمثل روح الشر". وقال التقرير "لكن الأسطورة الأكثر شهرة هي قصة "كوازيمودو" أحدب نوتردام اليتيم العاشق لغجرية تحمل اسم أزميرالدا، قصة حب مستحيل بنهاية أليمة أبدعها خيال فيكتور هوجو ولكن في الواقع القصة نهايتها سعيدة على الأقل بالنسبة للكنيسة، فعندما نشرت قصة "أحدب نوتردام" كانت الكاتدرائية مهددة بالانهيار حتى أنه كان من الوارد هدمها، نجاح الرواية أنقذ الكاتدرائية حيث سرع الإجراءات الإدارية التي أدت إلى ترميمها". واختتم التقرير قائلا "على ما يبدو فإن مصير كاتدرائية نوتردام وإن كان مرتبطاً ببعض الأساطير فإن بعضها أنقذها من الخراب". شهدت كنيسة نوتردام العديد من الأحداث التاريخية المهمة، ففي العام 1185 دعا هيراكليوس قيسارية إلى الحملة الصليبية الثالثة من الكاتدرائية التي لم تكتمل. وفي العام 1239 تم وضع "تاج الأشواك" في الكاتدرائية سانت لويس أثناء تشييد سانت-شابيل. وفي 16 ديسمبر 1431 توج هنري السادس ملك إنجلترا ملكا على فرنسا. كما تم تتويج نابليون الأول في 2 ديسمبر 1804 في نوتردام في اللوحة 1807 من قبل جاك لويس ديفيد. المصدر: الدار – سبوتنيك