لرؤساء الجزائر مصائر مختلفة، تصل أحيانا إلى التراجيديا؛ بالانقلاب أو الوفاة أو الاغتيال أو الاستقالة القسرية؛ منذ استقلالها عن فرنسا. فمنذ استقلال الجزائر في الخامس من يوليوز 1962، والإشكال المعقد القائم في الجزائر هو حول التداخل الكبير بين النظام السياسي والمؤسسة العسكرية، حتى نتجت المعادلة التي تقول “أن الجيش في الجزائر هو النظام السياسي والنظام السياسي هو الجيش”. وكانت هذه المعادلة وراء عدم قيام مؤسسات فعلية وحقيقية تمارس لعبة الحكم من خلال قواعد ديموقراطية، بل إن غياب المؤسسات الدستورية الحقيقية أدى الى تضخم دور المؤسسة العسكرية، والتي كبرت على حساب المؤسسات الاخرى، وترامت أطرافها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ومن رحم هذه المؤسسة خرج كافة صناع القرار، الذين كانوا في الواجهة وكان وجودهم في قصر المرادية، (قصر الرئاسة الجزائرية)، هو في الواقع امتداد لقوة المؤسسة العسكرية. وتعتبر الجزائر جمهورية عسكرية، يسير جنرالاتها 48 ولاية و1541 مقاطعة، وتعاقب على حكمها عدة رؤساء، من أحمد بن بلة، إلى عبد العزيز بوتفليقة، وكلهم من العسكر، فقد ظلت الشرعية التي يستمدون بها حكمهم هي محاربة الإستعمار، وفي المحصلة؛ كانت الأحذية الخشنة التي التي وأدت تكوين دولة مؤسسات مدنية. بابانا.. أحمد بن بلة ولد أحمد بن بلة؛ أو “بابانا”، (التسمية الشعبية للرئيس أحمد بن بلة)؛ في دجنبر 1916، في مغنية، غرب الجزائر، وكان أول رئيس للجزائر، حيث شغل هذا المنصب من عام 1963 إلى عام 1965. تطوع الرجل للخدمة في الجيش الفرنسي في عام 1936، والتي كانت واحدة من السبل القليلة للتقدم في البلاد خلال النظام الاستعماري. وبعد انتخابه مستشارًا للبلدية، أصبح العضو المؤسس لمنظمة سرية تهدف إلى محاربة الحكومة الاستعمارية، لكنه قُبض عليه في عام 1951، وحُكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات، فهرب وذهب إلى مصر. وألقي القبض عليه عام 1956 في مصر على يد الفرنسيين ثم أطلق سراحه عام 1962. لعب العديد من الأدوار القيادية حتى أثناء وجوده في السجن، وتزايد عدد أتباعه تدريجياً داخل القوات المسلحة، فسيطر على الجزائر، وفي عام 1963 تم انتخابه رئيساً. في عهد بنبلة، تحولت الجزائر إلى حقل تجارب، غير متجانسة، كانت ظاهرة في مفردات خطبه، وفي سياسته؛ كممارسة عملية. وكان بن بلة يوظف خليطا من اشتراكيات، استلهمها من تجارب يوغسلافية وصينية وكوبية وسوفييتية، مضفيا عليها مسحة إسلامية لتصبح قابلة للتصديق، من طرف الشعب. وظل رئيساً للجزائر إلى غالية يونيو 1965، الذي شهد اليوم ال15 منه، الانقلاب العسكري الأول في نظام العسكر، قاده العقيد الهواري بومدين. ويحكي الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، في مذكراته عن انقلاب الهواري بومدين، الذي كان يشغل حينها وزيرا للدفاع، على رئيسه بنبلة، أنه كان “سباق محموم إلى الزعامة والاستفراد بالحكم”. هواري بومدين.. مهندس العداوة مع المغرب شغل هواري بومدين، منصب رئيس المجلس الثوري للجزائر، في الفترة الممتدة من 1965 إلى 1976، وكان ثاني رئيس للجزائر منذ ذلك الانقلاب وحتى وفاته عام 1978. إسمه محمد بن إبراهيم بوخروبة، المولود في ولاية قالمة الجزائرية. وفي عام 1955، انضم إلى جبهة التحرير الوطني (FLN)، ووصل إلى رتبة عقيد، وهي أعلى رتب الجيش، وأعلى رتبة كذلك في قوات جبهة التحرير الوطني، حيث أصبح في عام 1960 قائد أركان جيش التحرير الوطني، الجناح العسكري لجبهة التحرير الوطني. في عام 1961، بعد أن أعلن الفرنسيون استقلال الجزائر، قاد فصيلًا عسكريًا قويًا داخل الحكومة وعينه أحمد بن بلة وزير الدفاع. كان بومدين، يرى نفسه أحق من بن بلة بالرئاسة، زاده في ذلك تحريض بوتفليقة عليه (حسب وثائق الإستخبارات الفرنسية)؛ وفي يونيو 1965، استولى بومدين على السلطة بانقلاب غير دموي، وبقي كزعيم للجزائر بلا منازع حتى وفاته عام 1978. ويمثل هواري بومدين، في المخيال الجزائري، صاحب الكاريزما القوية، السياسة الصارمة والقومية العربية، رغم أخطائه وكبواته التي ما زالت تدفع الجزائر ثمنها إلى اليوم. العداوة مع المغرب يرى الكثير من المهتمين بالشأن المغاربي، أن العداوة الجزائرية مع المغرب، والتي أذكى جذوتها بومدين هي حجرة في حذاء الإتحاد المغاربي. وتقول المصادر التاريخية، أنه بعدما حصل المغرب على الاستقلال عام 1956، طالب باسترداد إقليمَي تندوف وبشار، لكنّ باريس لم تستجب. وخلال عام 1957، أرست فرنسا منظومةً إداريةً جديدة، واقترحت على المغرب الدخول في مفاوضات مع الجزائر لحلّ مشكلة الحدود، لكنّ الملك محمد الخامس رفض العرض الفرنسي، وأكد أنه سيحلُّ مشكلة الحدود مع الجزائر فور حصولها على الاستقلال من الاستعمار الفرنسي. ووقَّع المغرب بعد ذلك اتفاقاً، في 6 يوليوز 1961، مع رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، فرحات عباس، وهي الوثيقة الآي تعترف الجزائر بموجبها بوجود مشكلة حدودية بين البلدين. وينصُّ هذا الاتفاق، حسب محتواه؛ على ضرورة الدخول في مفاوضات لحل تلك المشكلة فور استقلال الجزائر. وبعد أن حصلت الجزائر على استقلالها عام 1962، بادر الرئيس الأول للجزائر، أحمد بن بلة، بتأكيد وحدة التراب الجزائري. وفي 13 مارس1963، زار الجزائرَ الملكُ الحسن الثاني، مذكّراً رئيسها بن بلة بالاتفاق الموقّع مع الحكومة الجزائرية المؤقتة، بشأن وضعية الحدود بين البلدين والذي تسبب فيه الاستعمار الفرنسي. وفي الوقت الذي دافعت فيه الجزائر عن الحدود كما تركها الاستعمار الفرنسي، بإيعاز من الهواري بومدين، الذين كان يشرئب بعنقه للرئاسة، ويرى في الملك الحسن الثاني، زعيما إقليمياً، له من الكاريزما ما يمكن أن تنازعه في التفرد بالزعامة المغاربية، بعدما تأكد أن جمال عبد الناصر، أخذ منه الضوء عربيا. وطالب المغرب بحدوده التاريخية قبل مجيء الاستعمار، لكن المفاوضات بين الطرفين وصلت لطريقٍ مسدود؛ ما أدى إلى اندلاع “حرب الرمال”، في أكتوبر سنة 1963، وهي الحرب التي وضعت أوزارها بعد 6 أيام من اندلاعها. حاضن "بوليساريو" في ال20 من ماي 1973، تأسست جبهة البوليساريو، بهدف طرد الإستعمار الإسباني من الصحراء التابعة للمغرب. وفي 1976، أعلنت الجبهة تأسيس دولة من طرف واحد، وشكلتها في مخيمات تندوف الجزائرية. وبادرت الجزائر إلى دعم جبهة البوليساريو عسكرياً ولوجيستياً في قتالها مع القوات المغربية؛ وهو الأمر الذي أدّى بالمغرب إلى بناء جدار أمني عازل، استمر بناؤه 7 سنوات، ويمتد على طول الحدود الجنوبية بين المغرب والجزائر. دعم الجزائر السياسي والمالي والعسكري، لجبهة البوليساريو، هو الأمر الذي يعتبره المغرب تآمراً على وحدته الترابية، تغذيه عداوة بومدين للمغرب، فجبهة البوليساريو في المعجم الجزائري تعتبر “وصية بومدين”. وخلف دعم بومدين لجبهة البوليساريو، إشغال المغرب بقضية الصحراء، عن المطالبة بأراضيه، التي تنكرت لها الجزائر بعد الإستقلال. واستمر الدعم الجزائري للبوليساريو، ووصل إلى مشاركتها في الحرب ضد المغرب، (عمليات سمتها البوليساريو “هجمات هواري بومدين”)، وفي 7 مارس 1976، قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، ولم تعد إلا في عام 1988، وبعدها أُغلقت الحدود بين البلدين، في وجه العائلات المغربية والجزائرية التي قسمتها الجغرافيا، بعدما طردت الجزائر آلاف المغاربة من أرضها خلال عام 1975. الشاذلي بن جديد كان الشاذلي بن جديد ثالث رئيس للجزائر، وحكم من يناير 1979 حتى يناير 1992. وُلد في منطقة بوثلجة في أبريل 1929، وخدم في الجيش الفرنسي كضابط غير مفوض، وقاتل جبهة التحرير الوطني في بداية حرب الاستقلال الجزائرية في عام 1954. وبعد الاستقلال، تسلق الرجل حتى أصبح قائد المنطقة العسكرية الثانية في عام 1964، حيث تولى قيادتها حتى عام 1978. كما كان وزيراً للدفاع من نوفمبر 1978 إلى فبراير 1979 في عهد بومدين، وأصبح رئيسًا بعد وفاة بومدين، بعدما أخرجته المؤسسة العسكرية من الظلّ في شهر فبراير 1979 وأتت به رئيسا للجمهورية. لعبة التغيير إلى النهاية لم يدرك بن جديد أنه كان مجرّد ممثل للمؤسسة العسكرية في السلطة، وأن دوره انتهى عندما تجاوز هذه المؤسسة المتحكمة في مفاصل كل شيء، فهي التي أتت به إلى الرئاسة. “جاء به العسكر.. وأنهاه العسكر”، باختصار هذه قصة الرجل الذي سعى إلى نقل الجزائر، نحو مكان آخر، بعدما اكتشف عمق الأزمة التي تعاني منها منذ الإستقلال. لم تكن للشاذلي مشكلة مع موقع رئاسة الجمهورية، في ظلّ دولة لديها مؤسسات أمنية قويّة متماسكة وحزب يمتلك انتشاراً واسعا يشكّل امتدادا للاجهزة الأمنية. كان كلّ شيء يسير على ما يرام وبشكل روتيني، إلى أن بدأت أسعار النفط في الهبوط كاشفة التركة الثقيلة لعهد بومدين. وفي خريف العام 1988، وقفت الأجهزة الأمنية للدولة، عاجزة أمام ثورة شعبية؛ نجمت عن وجود طوابير من الشبّان العاطلين عن العمل، وأزمة سكنية خانقة شملت كلّ المدن والمناطق الجزائرية، فضلا عن صعود التطرف الديني في ظلّ انهيار النظام التعليمي. وفي أكتوبر 1988، اتضح للشاذلي ما تشهده الجزائر بعدما نزل المواطنون إلى الشارع، وحطموا بين ما حطموه؛ من مكاتب ما يسمّى حركات التحرير، لتي كانت تستضيفها الجزائر وتقدّم لها دعما، على حساب قوت الشعب. وكانت مكاتب جبهة البوليساريو، الأداة التي تستخدم في ابتزاز المغرب، من بين تلك التي استهدفها المتظاهرون الذين اجتاحوا العاصمة. ولقد سعى الشاذلي بن جديد إلى الخروج عن خط بومدين قبل انتفاضة خريف العام 1988، خصوصا أنه اكتشف باكرا فشل خطة الاصلاح الزراعي والاستثمار في الصناعة الثقيلة من دون سياسة تسويق عملية. واكتشف أنه على الجزائر الانصراف إلى مشاكلها الداخلية بدل السعي إلى وهم الدور الاقليمي، وقد بذل بالفعل محاولات خجولة لإخراج الجزائر من النزاع الذي تخوضه مع المغرب في الصحراء، ففشل الشاذلي بن جديد في إيجاد حل على صعيد ملفّ الصحراء. كانت أحداث العام 1988 فرصة كي يباشر الشاذلي بن جديد إصلاحات حقيقية تؤدي إلى قيام نظام ديموقراطي حلم به، وقد أقسم أنه لن يتراجع عن ذلك. وعلى الرغم من كلّ الجهود التي بذلها في هذا الإتجاه، وعلى الرغم من إقرار قانون جديد للاحزاب سمح بالتعددية، اصطدم اخيرا بالمؤسسة العسكرية. وازاحت المؤسسة العسكرية الشاذلي خشية تثبيته نتائج الإنتخابات البلدية التي أجريت أواخر العام 1991، والتي حقق فيها الاسلاميون فوزا كاسحا، بعدما استطاعوا كسب ود الشعب بإسم الدين، وهو الأمر الذي عكس إلى حدّ كبير إفلاس النظام العسكري، من جهة، وغياب الوعي السياسي لدى المواطن العادي من جهة أخرى. وهكذا خرج الشاذلي من جبة العسكر، بأمر من العسكر الذي أقاله؛ يحمل حلم التغيير، إلى نهاية الرئاسة، ليعيش حتى يوم وفاته، كمواطن عادي أكثر من كونه رئيسا سابقا، فقد ابتعد عن السّياسة. زروال.. رئيس زمن الأزمة لمين زروال، هو رابع رئيس للجزائر، حيق قاد البلاد من يناير 1994 إلى أبريل 1999. وُلد في باتنة، وفي سن السادسة عشرة التحق بجيش التحرير الوطني في عام 1957، فتولى قيادة المدرسة العسكرية، في باتنة عام التي ستصبح أكاديمية شرشل العسكرية في عام 1985. وفي عام 1999، وبعد خلاف بينه وبين الرئيس شادلي بنجديد، بشأن مقترحات لإعادة تنظيم الجيش، ترك الجيش. ولكن سرعان ما أصبح سفيرا في رومانيا، لكن الرئيس الشاذلي أجبره على الاستقالة. وفي يوليوز 1993، أصبح وزيراً للدفاع، وفي يناير 1994 تمت ترقيته إلى منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة، ليشهد نوفمبر 1995، انتخابه رئيسا للدولة. وعندما استلم اللواء زروال مهام رئاسة الدولة الجزائرية، كانت الجزائر تعيش وضعا اقتصاديا خانقا للغاية، فهي لم تعد قادرة لا على تسديد ديونها ولا على توفير المعيشة للشعب الجزائري، وكانت خزينة الدولة خالية من العملة الصعبة باعتراف كبار المسؤولين، كما أنّ المؤسسات التي كانت تابعة للقطاع العام كان قد انتابها الشلل بشكل كامل . فالدولة الجزائرية التي أنهكتها الاختلاسات – تجدر الاشارة الى أنّ رئيس الوزراء الأسبق عبد الحميد الابراهيمي كان قد فجرّ قنبلة اختلاس الرسميين من عسكريين ومسؤولين سياسيين مبلغ 26 مليار دولار أمريكي– وسوء التخطيط والمديونية والتذبذب بين اقتصاد السوق والاقتصاد الموجّه؛ وجدت نفسها في بداية 1994 على حافة الهاوية والإفلاس. وبعد انخفاض أسعار النفط حلّت الكارثة بالاقتصاد الجزائري. وقد ترافق هذا الانهيار الاقتصادي مع تصعيد أمني خطير والذي شمل كافة المناطق و في كل ولايات الجزائر. وفي بداية 1994 كان الجيش الإسلامي للإنقاذ، الذراع العسكرية للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وبقية الجماعات الإسلامية المسلحة وتحديدا الجماعة الإسلامية المسلحة، قد أنهت سنتين من صراعها العسكري مع القوات النظامية. وقد ألحقت هذه الجماعات أضرارا فظيعة بمقدرّات الجزائر، كما تمكنّت من إقامة شبكات عسكرية في كل الولايات. وهكذا أصبح لكل منطقة قائد عسكري، إلى درجة أنّ الجزائر في ذلك الوقت كان يحكمها صباحا القوات النظامية، وليلا عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة. كل هذا جعلت الجنرال زروال، يعلن أنّ الحل الأمني وصل إلى طريق مغلق، ولابدّ من اللجوء لى الحوار، وكان بنفسه قد التقى زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ عندما كان على رأس وزارة الدفاع. وعندما بدأ الرئيس زروال يتحدث عن الحوار في خطاباته السياسية، اتهمه بعض السياسيين بأنّه يناور ليس إلا، والهدف من وراء ذلك هو اعادة الروح للدولة الجزائرية التي ألمّت بها سكرات الموت. وفي الوقت الذي كانت فيه الرئاسة تتحدث عن الحوار، كانت الأجهزة الأمنية العسكرية تضرب بيد من حديد، وتتحرك من منطلق الاستئصال، الأمر الذي أوجد تشويشا لدى الشارع الجزائري الذي لم يستسغ فكرة الجمع بين منطق النار ومنطق الحوار. وقد تعجبّ الناس اتباع رئيسهم لهذه المسلكية السياسية وهو المعروف عنه بالصرامة وعدم الالتواء. ولم تكن مهمة لمين زروال سهلة، ذلك أنّ أنصار الحلول الأمنية داخل المؤسسة العسكرية، ودوائر القرار كانوا مستعدين لكل الاحتمالات، ما افقد الرئاسة الجزائرية كل صلاحياتها. وهكذا خرج زروال من قصر المرادية، وهو يبلغ من العمر 58 سنة، ولم يتمكن من إنهاء الفتنة الجزائرية العمياء التي أرقتّه. بوتفليقة.. نهاية بيد الشعب عبد العزيز بوتفليقة هو خامس رئيس للجزائر منذ عام 1999، حتى قدم استقالته قسرا، تحت وطأة حراك شعبي، رفض ترشحه لعهدة خامسة. وُلد بوتفليقة في مارس 1937، ونشأ في وجدة. وكان وزيراً للخارجية من 1963 إلى 1979، وفي عام 2002، أنهى الحرب الأهلية الجزائرية كما أنهى حكومة الطوارئ في فبراير 2011. ويرى العارفون بالبيت الجزائري، أن بوتفليقة هو من أخرج الجزائر من خراب العشرية السوداء، لكنه ورغم حنكته السياسية، إلى أنه لم يخرج من جبة هواري بومدين، فقد ظل حريصا على ألا تخلوا جذوة العداوة للمغرب. ورث بوتفليقة من عرابه بومدين، عداوة المغرب، وورث معها عقدة كاريزما الحسن الثاني، لكن بوتفليقة تجاوز بومدين في كرهه الأعمى للحسن الثاني، حتى أصبح مهووسا به، فقلده في مشيته وسيجارته وبروتوكوله، خطبه وكلامه ومؤتمراته. وصرحت في لقاء سابق، طليقة بوتفليقة، التي لم يدم زواجه منها أكثر من سنة، أنه “كان كثير التحدث عن المغرب في كل مناسبة صغيرة أو كبيرة، وهذا ما خلق عندي لغزا غامضا”. يتجلى عداء بوتفليقة، للمغرب، في وقوفه منذ توليه كرسي الرئاسة، وراء أكبر عمليات تسليح بوليساريو، فهو حسب مصادر عديدة، من قال ذات يوم أنه “لولا الحرب الأهلية الجزائرية، لما كان وقف إطلاق النار”، فحجم العتاد الذي سلمته الجزائر لبوليساريو، في عهده يؤكد أن عدو المغرب في هذا الملف، قبل قيادة الجبهة هو النظام الجزائري الذي يتعامل وكأن الجبهة جزء من نظامه ومنظومته العسكرية، وحد السكين الذي تشحذه لذبح المغرب. وهكذا ظلت عيون الرجل على المغرب، حتى غيبه المرض، قبل أن يخرجه حراك شعبي شبابي، من قصر الرئاسة. عموما، في ظل الوضع الضبابي، الذي تعيشه الجزائر؛ بين حراك الشارع ومناورات النظام العسكري، يبقى من المبكر حصر الأسماء التي ستعلن نيتها خوض الرئاسيات الجزائرية المقبلة، لكن لا يمكن ضمان تفادي ما تكرّر في الانتخابات الماضية، ما دام العسكر متحكما في كل شيء.