العلاقات بين موريتانيا والبوليساريو تعتبر مؤثرة ومفصلية جدا في استمرارية الطرح الانفصالي وتطوره، وكان لها دور تاريخي بحكم الروابط القبلية والثقافية المتجذرة. وعلى الرغم من أن المغرب حافظ على علاقات مستقرة وممتدة مع الجيران في نواكشوط، إلا أن تواصل التبادل الرسمي بين القيادة الموريتانية والانفصاليين كثيرا ما يثير تشويشا لدى الرأي العام الوطني المتابع لهذه القضية. فمن جهة يحرص المغرب على استقرار موريتانيا وعلى وحدة أراضيها وتماسك نظامها، لكن من جهة أخرى تبدو المواقف الموريتانية خارجة عن دائرة المعاملة بالمثل على الأقل. قبل فترة استقبل الرئيس الموريتاني ممثلا لجبهة البوليساريو الانفصالية حسبما ما أعلنته وكالة الأنباء المحلية. وبالأمس استقبل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، ذو المرجعية الإسلامية، وفدا عن جبهة البوليساريو الانفصالية. وخصص محمد محمود ولد سيدي، رئيس الحزب الموريتاني، لقاء رسميا مع وفد انفصالي بقيادة البشير مصطفى السيد، مستشار إبراهيم غالي المكلف ب"الشؤون السياسية"؛ وذلك مباشرة بعد استقباله من قبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني. نحن نتحدث عن بلد جار يعتمد كثيرا على المغرب في ضمان استقراره الاقتصادي والسياسي. كما تربطه بالمغرب برامج تعاون كثيرة ومتنوعة. كما أننا نتحدث عن بلد مترامي الأطراف، يطل على منطقة ملتهبة أمنيا، كما يحفل بالكثير من التناقضات العرقية، ويشرف على بؤرة من التهديدات الإرهابية. هذا يعني أن كثيرا من بذور الصراع والانشقاق وربما الانفصال تعرفها موريتانيا جيدا، لكنها على الرغم من ذلك لم تتناسى تاريخها المعاكس للوحدة الترابية للمغرب، على الرغم من أن بلادنا تجاوزت منذ عقود مسألة انفصال موريتانيا عن الإمبراطورية التاريخية للمملكة المغربية، وحصولها على استقلالها. فعلى الرغم مما استمر بعض قياديي حزب الاستقلال في ترديده إلا أن الموقف الرسمي للمغرب، يعترف لهذا البلد بكل مقومات الاستقلال والوحدة. ألا ينبغي إذا أن تقابل موريتانيا كل هذه المواقف التاريخية للمغرب بالتخلي عن تهيئة أجواء الانفصال وتزكية ما تقوم به الجزائر صراحة بشكل ضمني؟ فمما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي أن المغرب محاط من كل الجهات ببلدان كلها تتخذ مواقف معاكسة لوحدتها الترابية. في الشمال إسبانيا، القوة الاستعمارية، التي خلفت هذه المعضلة وراءها، وزرعت في المنطقة بذور صراع طال أكثر من اللازم. وفي الشرق الجزائر التي تستمر إلى اليوم في دعم الانفصال وتعمل بكل ما تملك من إمكانات مادية وسياسية ودبلوماسية على تقسيم المغرب. وفي الجنوب الفسيح، تمتد موريتانيا التي يتيح لها موقعها أن تكون مرتبطة ارتباطا عضويا بالصحراء موضوع النزاع المفتعل. لقد نجحت الدبلوماسية المغربية في السنة الأخيرة في انتزاع اعترافات دولية بسيادة المغرب على صحرائه. وحققت دبلوماسية القنصليات نتائج تاريخية، كان من أهمها الاعتراف الأمريكي الرسمي بالسيادة المغربية. وفي إفريقيا تراجعت الكثير من البلدان عن الاعتراف بالجمهورية الوهمية، وعاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي معززا مكرما. لكن هناك خللا ونقصا ما في التعاطي مع الموقف الموريتاني. فإذا كان هناك من بلد ينبغي أن يكون أول من يفتح قنصلية في العيون أو الداخلة، فهو موريتانيا، وإذا كان هناك من بلد يجب أن يسحب الاعتراف بالوهم الانفصالي فهي موريتانيا. ويعتبر السياق الإقليمي والدولي الحالي أنسب الأوقات للعمل على إنهاء هذا الاعتراف الموريتاني بجبهة الانفصال، وتغييره تجاه الإيمان بمستقبل الصحراء بمشاريعها الواعدة، التي يفترض أن تكون موريتانيا المجاورة من بين أول المستفيدين من ثمارها.