في الوقت الذي نزل فيه حزب العدالة والتنمية بكل ثقله في محاولة لعرقلة عمل المؤسسات، مستعملا لغة "التحكم" من جديد؛ لعرقلة تمرير القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية لما فيه مصلحة الوطن، اختار حزب التجمع الوطني للأحرار موقفا مشرفا يعكس نضج قياداته، وانخراطها الإيجابي في كل المبادرات الهادفة الى تجويد منظومة الانتخابات في بلادنا دون "عنتريات" سياسوية شعبوية عقيمة أثبتت التجارب في بلادنا أنها تعرقل المسار الديمقراطي أكثر مما تخدمه. حزب التجمع الوطني للأحرار كان واضحا في بلاغ مكتبه السياسي، المنعقد اليوم السبت، إذ نوه بالروح الديمقراطية التي ميزت المشاورات السياسية حول القوانين الانتخابية، ومسار المصادقة عليها بغرفتي البرلمان. واستغرب الحزب من تشكيك البعض في استقلالية قرار المؤسسات الوطنية والهيئات السياسية، واختزالهم للتجربة الديمقراطية المغربية في عملية حسابية، معبرا عن تقديره لمجهودات القوى السياسية المسكونة بهاجس تعزيز التعددية السياسية الحقيقية. وأوضح الحزب أنه "لم يخل يوماً بالتزاماته تجاه الأغلبية الحكومية"، معبرا عن رفضه مصادرة حقه وواجبه الدستوري في الاقتراح حول قضايا تهم مرحلة ما بعد الولاية الحكومية الحالية والمساهمة بحلول قمينة بإصلاح واحد من شوائب المنظومة الانتخابية، تتمثل نواقصه في تحديد أغلبيات قد لا تعكس الإرادة الشعبية في ظل تدني نسب المشاركة وسد المجال أمام مجموعة من الهيئات السياسية نتيجة لاستفراد البعض بتمثيلية غير منصفة. وانطلاقا من هذه الاعتبارات، ساند التجمع الوطني للأحرار التعديل القائم على احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، لأنه سيمكن من تحفيز الأحزاب على التعبئة الشاملة للناخبين ومن الجواب على سؤال ضمان التناسب بين الإرادة الحقيقية للناخبين وعدد المقاعد المستحقة، وتوسيع المشاركة السياسية لكل فعاليات المجتمع المغربي، عبر نظام انتخابي يكرس العدالة ويضمن تكافؤ الفرص. هذا الموقف المشرف والواضح لحزب التجمع الوطني للأحرار، يناقض بشكل صارخ المواقف الشعبوية والسياسوية، والتي تحكمها الرهانات، و الأجندات الانتخابية، التي عبر عنها حزب العدالة والتنمية، الذي حضر جميع نوابه لعرقلة مرور "القاسم الانتخابي" بالبرلمان، حيث لجأ الحزب الى شعارات "التحكم في العملية الانتخابية"، و "الإرادة الشعبية"، و "محاولة لي عنق القوانين للتحكم القبلي في نتائج الانتخابات"، وكلها شعارات ودغدغة للعواطف لا أقل ولا أكثر، ألفها الحزب من أجل الاستفراد بالأغلبية الحكومية والبقاء في السلطة، خصوصا عند اقتراب المواعيد الانتخابية. ووصل الأمر بحزب العدالة والتنمية الى حد تلويح عدد من قياديه بإمكانية سحب الثقة من الحكومة التي يقودها من أجل قطع الطريق على أحزاب الأغلبية والمعارضة الساعية إلى مواجهة "هيمنته" داخل البرلمان، بل و حضر جميع برلمانيه الى مجلس النواب للدفاع عن مقاعدهم الانتخابية، في خرق سافر للإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا المستجد "كوفييد19". نقاش سياسي آخر، أبان فيه حزب التجمع الوطني للأحرار عن حس وطني عال، وتغليب للمصلحة العامة، وهو ترحيبه بمصادقة الحكومة بالإجماع على مشروع القانون المتعلق بتقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي. ونوه المكتب السياسي للحزب بمشروع القانون، الذي اعتبره "مبادرة مهمة" و "خطوة عملية" نحو التسوية العادلة للأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يتخبط فيها المزارعون، حيث يهدف مشروع القانون المذكور الى اخضاع كافة الانشطة المتعلقة بالقنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص. وبالمقابل، اتسمت مواقف حزب العدالة والتنمية بالتناقض، و الازدواجية بخصوص هذا المشروع، سعياً منه، بحسب مراقبين، إلى الحفاظ على رصيده الانتخابي الذي بدأ يتراجع في الولاية الحكومية الثانية نتيجة السياسات العمومية المتبعة منذ عشر سنوات، والتي بثت اليأس في نفوس الطبقات الشعبية التي ضاقت الويلات بقرارات لاشعبية مررها ابن كيران قبل أن يكملها العثماني. ففي وقت كان يفترض أن تنسجم فيه مواقف حزب "المصباح" مع قرارات الحكومة التي يقودها، كشف النقاش الذي صاحب موضوع تقنين القنب الهندي لأغراض طبية، عكس ذلك، خاصة عندما انتقد الأمين العام السابق ل"البيجيدي"، عبد الاله ابن كيران، خطوة رئيس الحكومة بشأن تقنين "الكيف" قبل أن يعلن استقالته من الحزب من خلال "لايفات" ألف بثها من بيته بحي الليمون للتحكم في نواب الحزب، و تحريضهم على التمرد على القيادة الحالية. ويرى مراقبون أن حزب العدالة والتنمية ألف العزف على خطابات الدين والتدين والطهرانية منذ سنوات، وهي الخطابات التي قادته الى الحكومة في ولايتين اثنتين، كرسهما لتمرير قرارات لاشعبية أفقرت الطبقة الشعبية، و قضت على الطبقة المتوسطة، مقابل تلذذ عدد من قيادييه بمناصبهم الحكومية و الجماعية. غير أنه مع اقتراب المواعيد الانتخابية يخرج الحزب مخزونه من الخطاب الطهراني، لدغدغة عواطف الناخبين، واستمالتهم، و الاستفراد بكتلة ناخبة بغية تصدر الاستحقاقات الانتخابية، لذلك فلا غرابه أن ينزل الحزب بكل ثقله لمعارضة قوانين مهمة تعزز مسار بلادنا الديمقراطي، من قبيل "القانون الاطار للتعليم"، الذي عارضته عدد من قيادات الحزب، و"مشروع قانون تقنين القنب الهندي" لأغراض طبية، ومشروع قانون "القاسم الانتخابي"، وقبل ذلك التذبذب الذي طبع مواقف الحزب من استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وكلها محطات تنذر بقرب انهيار حزب اسمه "العدالة والتنمية".