اتحاد كتاب المغرب، بتاريخه، وبما راكمه من تراث فكري وإبداعي، ومن مواقف، وصراعات اختلط فيها الثقافي بالسياسي، وبالكُتَّاب الذين هم اليوم رموز للثقافة المغربية المعاصرة، وأيضاً بالكتابات التي فتحت طُرَق الكتابة والإبداع، سواء في مجلة الاتحاد، أو في ما نُشِر من كُتُب وندوات ولقاءات، وما طُرِح من إسئلة وأفكار، في الشِّعر، وفي الرواية، وفي التشكيل، وفي الثقافة الشعبية، وغيرها من القضايا الراهنة في المشهد الثقافي المغربي، هو رأسمال رمزي، وتراث ثقافي إبداعي وجمالي، لم يعد ممكنا وضعه خارج سياق الزمن الراهن، الذي يقتضي أن تكون الثقافة، وأن يكون المثقف أحد رهاناته، خصوصاً في وقتٍ صارت فيه التقنية والآلة، هي ما يحكم وَعْيَ الناس، وما يعمل على صناعة أفكارهم، بل وتوجيهها في اتجاه الفُرْجَة والاستهلاك، وتشييء الإنسان، بجعله أداة تستجيب لِما يُقال لها، و ما يُمْلَى عليها، لا ما تراه وتُفَكِر فيه وتقترحه. التَّشَتُّت والتَّصَدُّع الذي عرفه الاتحاد في السنوات العشر الأخيرة، لم يكن تَشتُّتاً فكرياً، ولا ثقافياً اختلف فيه الكُتَّاب حول ما نُريده من الاتحاد، أو حول تجديد هياكله، وطبيعته ووظيفته، وضرورة انخراطه في زمن التقنية، ومواكبة ما يجري من تحولات في المفاهيم، والمواقف، والرُّؤَى، وفي ما طرأ على الثقافة نفسها من تغيُّر في سردياتها الكبرى، بما في ذلك السياسة نفسها، بل كان صراعاً من أجل المناصب والكراسي، وكانت الذوات هي ما أجَّج هذا التَّشَتُّت، وجعل الاتحاد ينهار ويتلاشَى، ويصير غنيمة حرب، ونوعاً من الريع الثقافي، وصارت الولاءات، والتكتُّلات، هي ما تقوم عليه المواجهات بين هذا الطرف وذاك، وبات الاتحاد أرض حرب وتطاحُناتٍ، ولم تعد الثقافة والفكر والإبداع، هي ما يحكم وجود الاتحاد، وما يراه به الناس، كما كان يحدث أيام زمان، رغم ما كل المُؤاخذات. اليوم، يبدو أن الرِّهان الأول، والأساس، هو وضع العربة خلف الحصان، بعد أن كانت أمامه، ما جعل الحصان يتوقف عن الركض، وبقي راكداً في مكانه، لا يعرف مَنْ سيقودُ مَنْ، هل هو من سَيَجُرُّ العَرَبة، أم هي من سَتَجُرُّه. دم جديد للاتحاد، بإدارة ثقافية لها مشروع ثقافي، ولها أفق، وتعمل على إعادة الثقة في دور ووظيفة الاتحاد، بعيداً عن المناورات والمُهاترات، والتَّحايُل، والكَيْد، وغيرها من السُّلوكات التي كانت عنوان مؤتمر طنجة، الذي بدا فيه الاتحاد مسرحية، بقدر ما فيها من هَزْل وسَخَف، بقدر ما فيها من مآسٍ وانكسارات، وخِذْلان. فلا داعي لإنتاج البضاعة نفسها التي بارتْ وشابها الفساد، فالاتحاد هو منظمة ديمقراطية، تتسم بالتعدد والتنوع والاختلاف في الأفكار والانتماءات، وهي منظمة ثقافية، وليست رسْماً تجارياً، أو وكالة أسفار وسياحة، لأن ما فيها من مال، هو مال للتدبير الثقافي، وليس تركة يرثها من يُدِير شأن الاتحاد، ويستعملها في غير ما وُجِدَتْ له. ما جرى من تبذيرٍ لأموال الاتِّحاد، ولتاريخه، ورأسماله الرمزي، ولِسُمْعَتِه، وزمنه الثقافي، هو، مهما كانت الخسارات، جزء من هذا التاريخ، وكل واحد سيُحاسَب بحسب ما كان له من دور، في البناء، كما في الهدم والتَّألِيب على الفساد. فالاتِّحاد أكبر من الجميع، وهو أرض تََسَعُ كل الكُتَّاب، ولا أحد له الحق في أن يحول الاتحاد إلى غنيمة حرب، أو حساب بنكي، يستعمله في ما يشاء، وقتما شاء، وكيفما شاء. لا بُدّ من عقد المؤتمر، والعمل على تصحيح المسار، وإعادة وضع الاتحاد في سياقه المجتمعي، لأن الاتحاد، وُجِدَ ليكون فضاء للثقافة والمعرفة والإبداع، ومجالاً لتداول الأفكار، وللاختلاف والتسامح، وقبول الآخرين، مهما كانت طبيعة اللغة، أو الأسلوب الذي يتكلمون به، لأن الاتحاد، هو اتحاد للمثقفين، وليس اتحاداً للمساومات والمُزايدات السياسية، أو المصالح الذاتية الضيقة، فهذا الزمن اسْتُنْفِذ، وكل واحد عُرِفَ بما في بطنه من عجين، مهما حاول أن يصبغ وجهه بكل أشكال المكياج الذي يذوب مع أول إشراقة شمس.