منذ اعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عن رغبتها في افتتاح قنصلية بمدينة العيون المغربية، تحركت الآلة الدعائية الجزائرية لمهاجمتها، مما يطرح أكثر من سؤال حول أسباب هذا التوجس الجزائري من الامارات. ويرى مراقبون أن النخب السياسية في الجزائر لاتنظر بعين الرضا الى التقارب القوي بين الامارات والمغرب، خصوصا بعد اقدام ابوظبي على فتح قنصلية بالأقاليم الجنوبية، بل وربطوا بين ذلك وتحركات جبهة البوليساريو في منطقة الكركرات العازلة، والتطورات العسكرية الأخيرة في المنطقة. مسوغ هذا التفسير، نجد في التصريح الذي أدلى به وزير الشؤون الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، الذي أكد ردا على قرار الإمارات العربية المتحدة بفتح قنصلية عامة لها في العيون كبرى مدن الصحراء المغربية، على أن "هناك قانون دولي، وجبهة البوليساريو، عضو في الاتحاد الإفريقي"، مضيفا أن "البوليساريو لها السيادة الكاملة على أراضيها". من جهته، اعتبر المستشار الأمني السابق للرئيس الجزائري والمدير الحالي لمعهد الدراسات الاستراتيجية الشاملة (هيئة تابعة للرئاسة)، عبد العزيز مجاهد، أن "خطوة الإمارات بفتح قنصلية لها في منطقة العيون أمر غير معقول؛ لأن المنطقة لا يوجد فيها أي مواطن إماراتي"، مشيرا إلى أن "الأزمة الأخيرة كشفت المستور، وأظهرت لنا الطرف الذي يمكن الاعتماد عليه، ومن هو الحليف والشريك ومن هو خلاف ذلك". كما أن الطرف الجزائري يرى في ذلك خطوة من "المغرب للسيطرة والإمارات تأخذ على عاتقها معركة التأييد الدولي، لكن هدفها أكبر، وهو إشعال حرب بين الجارتين"، وهو منطق غير سليم بتاتا، وتفسير لايستقيم، لأن الامارات أكبر من أن تشعل الحرب بين المغرب والجزائر، بل العلاقات الوثيقة التي تجمعها بالمغرب هي الدافع الرئيسي لافتتاح قنصلية بالعيون. كما أن ما يفند هذه الادعاءات والتفسيرات الواهية، التي تروج لها الآلة الدعائية الجزائرية، هو كون الإمارات أول دولة خارج التكتل الإفريقي تقوم بفتح قنصلية عامة لها في مدينة العيون بالصحراء المغربية، وهو ما يُدعّم الوحدة الترابية للمملكة على هذا الجزء من ترابه، في اعتراف واضح بالسيادة الكاملة للرباط على الصحراء المغربية، الأمر الذي يشكل معطى دبلوماسياً جديدا سيُرخي بظلاله على تدبير الملف في الأممالمتحدة. علاوة على ذلك، يعتبر افتتاح دولة الإمارات العربية المتحدة لقنصلية عامة لها بمدينة العيون، امتدادا لموقف مجلس التعاون الخليجي المعلن بالرياض خلال القمة المغربية-الخليجية سنة 2016، وهو ينطوي على دلالات مهمة، خصوصا في هذا التوقيت من تاريخ نزاع الصحراء الذي يمكن الجزم أنه يعيش المرحلة الرابعة والحاسمة في تعزيز طرحنا الوطني في حل هذا النزاع المصطنع حول مغربية الصحراء. وتؤشر خطوة الإمارات العربية المتحدة كأول دولة خارج الفضاء الإفريقي تفتح قنصلية عامة لها بالعيون، من جانب آخر، على تحول استراتيجي في النزال الدبلوماسي والقانوني للتعاطي مع قضية الصحراء، بالنظر للثقل، الذي تحظى به دولة الإمارات في محيطها الإقليمي والدولي، وأمام إمكانية انخراطها إلى جانب المغرب في دعم التنمية، ليس فقط في جهات الصحراء، ولكن لترجمة السياسة الاقتصادية للمغرب تجاه إفريقيا عموما". من الناحية القانونية، يدخل افتتاح القنصليات في نطاق سيادة الدول في علاقة بعضها البعض، اذ تطرق القانون الدولي لهذا الأمر من خلال اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963 التي تعطي للبلدان حق افتتاح قنصليات في نطاق السيادة التي تتمتع بها.