كرس الخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة، أول أمس السبت، بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء، بشكل واضح لا لبس فيه، مكانة الأقاليم الجنوبية على الساحة الاقتصادية الوطنية وموقعها كبوابة نحو القارة الإفريقية، باعتبارها الامتداد الطبيعي للمملكة. فالإرادة الملكية حازمة وواقعية. تربط التأكيد على الهوية المغربية للأقاليم الجنوبية بتكثيف الجهود الرامية إلى جعل هذه الأقاليم قاطرة للتنمية مع بعد يتجاوز الإطار الإقليمي لإبراز إشعاعها في جميع أنحاء إفريقيا، القارة التي تتقاسم معها المملكة روابط راسخة تتحدى الزمن. وأبرز جلالة الملك في خطابه المؤسس لهذه الرؤية والمهيكل في نطاقه والمتبصر في مضمونه "إن التزامنا بترسيخ مغربية الصحراء، على الصعيد الدولي، لا يعادله إلا عملنا المتواصل، على جعلها قاطرة للتنمية، على المستوى الإقليمي والقاري". وهذا يعكس بجلاء العناية التي يتم إيلاؤها على أعلى مستوى في الدولة لتنمية الأقاليم الجنوبية، وهي العناية التي مكنت هذه الأقاليم من بلوغ مستويات من التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية لا تقل عما تشهده باقي أقاليم المملكة. فالمدن الكبرى في جنوب المملكة تتمتع حاليا بمستوى تنموي حفز العديد من الدول على فتح قنصليات بها. ويتعلق الأمر بتطور يظهر، إلى جانب دعم المغرب في حقوقه المشروعة، الموقف البئيس الذي يوجد عليه خصوم الوحدة الترابية للمغرب. وتأتي القرارات الأخيرة لمجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء المغربية، كما أكد على ذلك جلالة الملك، لإقبار المقاربات والأطروحات المتجاوزة وغير الواقعية لأولئك الذين يصرون على دغمائيتهم العمياء التي أساسها الوحيد هو الجهل، والتحيز والتقسيم. والمغرب، من جهته، ماض في مساره التنموي، قوي بمشروعية قضيته وواثق من الآفاق المشرقة التي تنتظره. هذا الذكاء المغربي لا يمر مرور الكرام، خاصة في إفريقيا. ففي جميع أنحاء القارة، وخاصة في مناطق لم يتم الوصول إليها في السابق في شرق القارة وجنوبها ، هناك واقع جديد في طور الانبثاق، وهو أن المغرب يقدم مساهمة لا تقدر بثمن من أجل بروز إفريقيا فخورة بجذورها، وواثقة في مستقبلها وتتحكم في مصيرها. ويتعلق الأمر، إذن، بصورة يرى المغرب أنه قادر على رعايتها وتطويرها بفضل جديته ومصداقيته كقطب للتنمية وصوت سلام وميسر للازدهار في إفريقيا. وفي إطار هذه الرؤية المتجددة باستمرار، تتوفر الأقاليم الجنوبية على قيمة مضافة كبيرة يمكنها تقديمها. فالاقتصاد البحري، الذي تم التأكيد عليه في الخطاب الملكي، يفرض نفسه كمكون أساسي في مساهمة هذه الأقاليم في الانبثاق الإفريقي. هناك دور رئيسي للمغرب، البلد ذي التوجه البحري بامتياز، يتعين أن يضطلع به من أجل تمكين إفريقيا من الاستفادة بشكل كامل من مواردها البحرية التي لم يتم استغلالها بعد بأكثر الطرق إفادة لصالح سكان القارة. ويتعلق الأمر هنا بركيزة جديدة تنضاف إلى المقاربة الشمولية التي اعتمدها المغرب لإتاحة كل الفرص للازدهار الذي يشمل جميع أنحاء التراب المغربي ليتحقق إشعاعه على الصعيد القاري، بفضل ريادة ملكية حازمة ومتبصرة. المصدر: الدار- وم ع