منذ إطلاقه سنة 2011، أشعل المشروع فتيل توتر ما فتئ يتزايد مع مرور السنوات بين إثيوبيا ومصر، وهو ما يدل على أهمية هذا السد الضخم الذي يرتقب أن يؤدي تشغيله إلى حدوث تحولات حاسمة تشمل مناطق واسعة في القارة. التطلع لإقامة تعاون اقتصادي أوثق سينتصر على التوترات ويتفق المحللون على أن التوترات التي أثارها بناء السد لن تصمد طويلا، وأنها ستتوارى، في نهاية المطاف، أمام التطلعات لإقامة تعاون اقتصادي أوثق بين البلدان التي تمر مياه نهر النيل من أراضيها. في واقع الأمر، يمنح النهر إمكانيات هائلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول حوض النيل. فباعتباره أطول نهر في العالم، يمر نهر النيل بأحد عشر بلدا، لكن تقاسم مياهه لا يشمل في الوقت الراهن سوى دولتين هما مصر والسودان، كما نصت على ذلك اتفاقية تقاسم مياه النيل لسنة 1959. فبموجب تلك الاتفاقية، تحصل مصر على حصة مياه تبلغ 69. 5 مليار متر مكعب، والسودان على 18. 5 مليار متر مكعب. غير أن إثيوبيا رفضت الاتفاقية واعتبرت نفسها غير معنية بها، مؤكدة على حقها الثابت في استغلال الموارد الطبيعية التي يوفرها النهر. وقد مهدت التطورات، التي طرأت خلال العقد الأخير على الساحة الإقليمية والدولية، الطريق أمام ظهور واقع جديد بالمنطقة، إذ دفع التقدم الذي أحرزته إثيوبيا على صعيد النمو الاقتصادي وتزايد الاستثمار الأجنبي البلد إلى التفكير في إقامة هذا السد الضخم لتلبية احتياجات عدد سكانه الكبير. وإدراكا منها لأهمية هذه التحولات، انخرطت إثيوبيا في إنشاء هذا الخزان المائي الضخم في شهر أبريل من سنة 2011 مخصصة لذلك ميزانية تقدر ب 5 مليارات دولار. وعند اكتمال أشغال بنائه، سيصبح السد أكبر منشأة لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا والسابع على مستوى العالم. بطول يبلغ 1. 8 كيلومتر وارتفاع يتراوح ما بين 145 و170 مترا، وعمق يزيد عن 100 متر، يستطيع السد تخزين 74 مليار متر مكعب من المياه التي سي مك ن ضخها من توليد طاقة كهربائية تلبي احتياجات إثيوبيا والبلدان المجاورة، علاوة على تحصيل مداخيل سنوية تقدر ب 70 مليون دولار لقاء تصدير الطاقة الكهربائية إلى البلدان المجاورة التي وقعت معها إثيوبيا اتفاقيات للتزويد بالكهرباء. ويعكس انخراط إثيوبيا في مشروع بهذه الضخامة الطموحات الكبيرة لهذا البلد الذي وضع ضمن أهدافه تطوير قطاع الزراعة وإنتاج الطاقة الكهربائية التي لا يستفيد منها، في الوقت الراهن، سوى 25 بالمئة من ساكنتها. كما لا يمكن النظر إلى هذا الطموح الإثيوبي نحو التقدم بمعزل عن طموحات منطقة شرق إفريقيا التي يمر منها نهر النيل. ويتعلق الأمر هنا بأحد عشر بلدا تضم 40 في المائة من مجموع سكان القارة الإفريقية؛ هي بوروندي والكونغو الديمقراطية ومصر وإريتريا وإثيوبيا وكينيا ورواندا والسودان وجنوب السودان وأوغندا وتنزانيا. الحاجة إلى جعل حوض النيل عامل تنمية لشرق إفريقيا ولا تستفيد هذه الدول بشكل عادل من مزايا هذا المجرى المائي، الأمر الذي يبرز الحاجة إلى إقامة تكامل يجعل من حوض النيل عاملا من عوامل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذا الجزء من إفريقيا. وفي هذا السياق، خلص معهد الدراسات الأمنية ببريتوريا، في تحليل أجري مؤخرا، إلى ضرورة قيام مصر وإثيوبيا بالتفكير جديا في الأثر الإيجابي للسد على تعزيز التكامل الاقتصادي والتجاري بالمنطقة. وأشار المعهد الجنوب إفريقي إلى أن التكامل الطاقي بحوض النيل يشكل خطوة تجاه اندماج إقليمي أكثر قوة. كما أشارت تحليلات أخرى إلى أنه من شأن التكامل الطاقي بشرق إفريقيا أن يحد من الخسائر التي تتكبدها الشركات في المنطقة بسبب عدم كفاية الإنتاج الكهربائي، ما سيؤدي إلى جلب منافع اقتصادية مهمة ستساهم في تحسين الإنتاج وتوفير فرص العمل وتعزيز الصادرات. الاستغلال الأمثل لسد النهضة سبيل لإنعاش منطقة شرق إفريقيا في هذا الصدد، أشار أديسو لاشيتو، الباحث بمعهد بروكينغز، إلى أن الحصول على الكهرباء عامل مهم في تقليص الفقر وتسريع النمو الاقتصادي وتعزيز الإنتاج الصناعي، مبرزا أن من شأن الاستغلال الأمثل للسد الإثيوبي إنعاش النمو الاقتصادي بمنطقة شرق إفريقيا. ويتعلق الأمر، وفقا لمعهد الدراسات الأمنية في بريتوريا، باندماج إقليمي سيساهم في تعزيز التكامل والترابط بين دول المنطقة، ما سيقود في نهاية الأمر إلى التقليل من خطر النزاعات. وأضاف المعهد أنه يجب تشجيع مثل هذه المبادرات في وقت تطمح فيه إفريقيا إلى تحقيق التكامل القاري من خلال إقامة منطقة تجارة حرة إفريقية، مشيرا إلى أن التكامل الإقليمي عامل مهم في هذا المسعى. واعتبر لاشيتو أن سد النهضة يتيح الفرصة لتعاون أوثق بين دول منطقة شرق إفريقيا ولا ينبغي أن يكون سببا في عدم الاستقرار بالمنطقة، مبرزا أن الاستغلال العادل لمياه النيل يصب في مصلحة كافة الأطراف ويهيئ الظروف لتنمية وتعاون مستدامين بالمنطقة والقارة ككل. المصدر: الدار- وم ع