موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تخوض مصر حرب مياه مع إثيوبيا بسبب «سد النهضة»؟
نشر في المساء يوم 30 - 12 - 2015

على وقع اشتعال الشارع الإثيوبي بسبب مطالب اجتماعية ورفع المتظاهرين علم مصر نكاية بحكومة بلدهم، انطلقت الأحد الماضي جولة جديدة من المفاوضات بين المصريين والسودانيين والإثيوبيين للحسم في البنود العالقة حول موضوع تقاسم مياه نهر النيل. فسد النهضة الكبير، الذي تشيده إثيوبيا منذ سنوات على النيل الأزرق، يهدد في حال اكتماله بتقليص حصة مصر من مياه النيل، المثبتة بموجب اتفاقيات «تاريخية»، وفق الطرح المصري. بينما تقول إثيوبيا إن السد، الذي يعتبر حلما قديما، هو حق «مشروع» لها و«لن تمنعها من تشييده أي قوة على الأرض». وفيما ناهزت أشغال بناء السد 50 بالمائة، يضغط الوقت بقوة على الجانب المصري، حيث يضيق هامش الخيارات أمامه يوما بعد يوم. بينما يبدو الجانب الإثيوبي مراهنا على تطويل أمد المفاوضات، ومستكينا إلى «استحالة» قيام مواجهة بين البلدين، لبعد المسافة بينهما ولاعتبارات أخرى.
سد النهضة.. أصل المشكل
سد النهضة أو سد الألفية الكبير، هو سد إثيوبي قيد البناء حاليا، ويقع على النيل الأزرق على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومترًا من خط الحدود الإثيوبية-السودانية. وحسب السلطات الإثيوبية، فإن السد سيصبح عند الانتهاء من تشييده عام 2017 أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية والعاشر على قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء عالميًا. يبلغ ارتفاع السد 145 مترا ويناهز طول حاجزه حوالي 1800 متر. وتقدر تكلفة إنشائه بنحو 5 مليارات دولار. ويقطع السد مجرى النيل الأزرق، الذي يعد أكبر روافد النيل، حيث تقدر سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب، أي حوالي مرة ونصف إجمالي صبيب النيل الأزرق من المياه سنويًا. وعلى سبيل المقارنة، نشير إلى أن الحجم الإجمالي للسدود والحواجز المائية في المغرب لا يتعدى في السنوات المطيرة 10 إلى 14 مليار متر مكعب من المياه. وتقدر القدرة المبدئية لسد النهضة الإثيوبي على توليد الكهرباء بحوالي 6000 إلى 7000 ميغاوات، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الطاقة الكهربائية المولدة من محطة سد أسوان الكهرومائية المصري. ويندرج سد النهضة ضمن سلسة من السدود تسعى إثيوبيا إلى تشييدها بغرض توليد الطاقة الكهرومائية بشكل رئيس. ويعتبر تشييده تحقيقا لحلم قديم، ظلت الحكومات الإثيوبية تخطط له منذ عقود. وهكذا، تم تحديد الموقع النهائي لسد النهضة، ما بين عامي 1956 و1964، من طرف مكتب دراسات أمريكي، عقب عملية مسح للنيل الأزرق. ومنذ أكتوبر 2009 استمرت التخطيطات، إلى أن أعلنت إثيوبيا في 1 مايو 2010 عزمها بناءه باسم مجهول (السد إكس). وفي نوفمبر 2010، تم الانتهاء من تصميم السد، ليتم في 31 مارس 2011 توقيع عقد قيمته 4.8 مليارات دولار مع شركة إيطالية دون إجراء مناقصات، كي تتولى تشييده. وفي 15 أبريل 2011 أعاد مجلس الوزراء الإثيوبي تسمية السد باسم «سد النهضة الإثيوبي الكبير»، أو «سد الألفية». وتتوقع إثيوبيا الحصول على عائدات مالية ضخمة، من خلال بيع كميات الطاقة الكهربائية الهائلة، التي ينتظر أن ينتجها السد. وتنوي بيع جزء منها لمصر، رغم علمها بأن إنشاء السد سيقلص حصتها من المياه.
مخاوف مصرية
بتقدير خبراء مصريين، فإن هذا السد سيسيطر على ما يقرب من ثلثي حجم المياه التي تعتمد عليها مصر، نظرا لكون خزانه أعلى من النهر. ولذلك يطالب الطرف المصري في المفاوضات بأن يتم تقليص حجمه وخفض ارتفاعه إلى 120مترا بدل 145، وخفض حجمه من 74 مليار متر مكعب من المياه إلى 14 مليار فقط. والواقع أن المراقبين والمسؤولين المصريين مختلفون حول التأثيرات المحتملة للسد الإثيوبي على مستقبل مصر المائي، إلا أن القاهرة لديها العديد من المخاوف حول هذا المشروع، إذ تخشى من انخفاض مؤقت في منسوب النيل خلال فترة ملء الخزان، ومن انخفاض محتمل دائم ينتج عن التبخر من خزان المياه، خاصة أن حجم الخزان يبلغ ما يعادل التدفق السنوي لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية (65,5 مليار متر مكعب). وإذا استمرت فترة ملء خزان سد النهضة 5 سنوات، سيكون معنى ذلك استهلاك السد 15 مليار متر مكعب من الماء سنويًا على مدار 5 سنوات، يتوقع أن تخصم من حصتي كل من مصر والسودان، بما يعنى تناقص حصة مصر السنوية بحوالي 12 مليار متر مكعب على الأقل لتصل إلى ما بين 40 و43 مليار متر مكعب سنويا. وهو ما قد يحمل كارثة بالنسبة إلى الطرف المصري، حيث ستتدنى حصة الفرد إلى أقل من 650 مترا مكعبا من الماء سنويًا؛ أي أقل من ثلثي المعدل العالمي البالغ 1000 متر مكعب للفرد. كما أنه مقابل كل مليار متر مكعب تنقص من حصة مصر المائية، من المتوقع أن تخسر مصر 200 ألف فدان زراعي لن يتم سقيها. كما أن السد سيؤثر على إمدادات الكهرباء في مصر بنسبة 25 بالمائة إلى 40 بالمائة، مما سيعمق أزمة الكهرباء التي تعيشها مصر حاليا؛ إذ ينتظر أن ينتج عن انخفاض منسوب الواردات المائية هبوط لمستوى المياه بمقدار 3 أمتار في السد العالي في أسوان، وبالتالي إضعاف لقدرته على إنتاج الطاقة الكهرومائية، فتصل قيمة الخسارة المتوقعة إلى 100 ميغاوات من الكهرباء بسبب انخفاض مستوى المياه بالسد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سد النهضة الإثيوبي الكبير يمكن أن يؤدي أيضاً إلى خفض دائم في منسوب المياه في بحيرة ناصر، بعد أن تتقلص إمدادات النيل إليها، بسبب تخزين مياه الفيضانات في السد الإثيوبي. على أن الخطر الأكبر المحدق بالسد، برأي الخبراء، يكمن في أي استهداف عسكري قد يتعرض له لأي سبب، أو توظيفه لأغراض عسكرية أو حتى وجود احتمال انهياره بسبب أي أخطاء في التصميم أو بسبب طبيعة المنطقة التي أقيم فيها، أو بسبب حدوث زلزال، مما قد يؤدي إلى انهيار خزاناته لتتدفق المياه بشكل مفاجئ وقوي، وهو الأمر الذي ينذر بحدوث فيضانات هائلة ينتج عنها غرق مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والمأهولة في كل من السودان ومصر.
تدويل القضية
من دون شك فإن إثيوبيا، من خلال بنائها للسد، تعلم بأنها ستؤثر على الأمن المائي لمصر، الذي هو جزء أساس من أمنها الوطني. لكن موقف مصر يزداد ضعفا يوما بعد يوم، سيما بعد أن تخلت عنها السودان التى أيدت صراحة بناء سد النهضة، إذ اعتبر بعض مسؤوليها بأن سد النهضة سيعود بالنفع على السودان كذلك. ويعتقد خبراء مصريون بأن الخطوة التي يفترض أن تقدم عليها مصر في حال ما فشلت المفاوضات الجارية حاليا، وواصلت إثيوبيا بناء السد، هي اللجوء إلى كل من مجلس الأمن والأمم المتحدة، وتقديم شكوى إلى محكمة العدل الدولية ضد إثيوبيا. فالشروط التي تضمنتها الاتفاقيات السابقة واضحة من حيث كونها تنص على ضرورة ألا يؤثر تمويل المشروعات المائية المحتمل إقامتها من طرف بلد ما على مجرى النيل على أي دولة أخرى من دول الحوض. وما يفتح باب الأمل في هذا الصدد أن مصر سبق لها أن نجحت في ربيع 2014 في استصدار قرار أوروبي روسي صيني بوقف تمويل سد النهضة الإثيوبي، بعد معركة دبلوماسية صعبة. فصدر قرار رسمي عن الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وإيطاليا والبنك الدولي يقضي بوقف تمويل بناء سد النهضة، وتجميد قروض دولية لإثيوبيا بقيمة 3.7 مليارات دولار، بينها قرض صيني بمليار دولار، في مسعى سياسي مصري لاستكمال الضغط على إثيوبيا. وتفيد تقارير إعلامية أن مصر تسعى حاليا إلى اللجوء إلى وساطات خليجية مؤثرة في القرار الإثيوبي، حيث تملك كل من السعودية والإمارات استثمارات زراعية ضخمة في إثيوبيا، وأنها قد تطلب مستقبلا وساطة دول أخرى ذات وزن عالمي، مثل روسيا والصين. لكن خبراء مصريين في القانون الدولي ينتقدون، من جانب آخر، تسرع سلطات بلادهم وتورطها في التوقيع على وثيقة «إعلان مبادئ سد النهضة»، لكونها تنص صراحة على أن لإثيوبيا السيادة المطلقة على كل الموارد المائية. فأضافت القاهرة بذلك شرعية على هذا السد واعترافا رسميا مطلقا بوجوده، من دون أي تحفظات على إنشائه، في حين لم تتضمن الاتفاقية بالمقابل أي ضمانات لحصة مصر التاريخية من مياه النيل. وكان كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والسوداني عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلى ديسالين، وقعوا في 23 مارس الماضي، خلال القمة الثلاثية التي جمعتهم بالخرطوم، على تلك الوثيقة الإطار. ولذلك يطالب خبراء مصريون عديدون بإلغاء «وثيقة إعلان المبادئ» تلك، بعد عرضها على مجلس النواب، كما ينص على ذلك الدستور المصري، حتى تسحب مصر اعترافها بالسد موضوع الخلاف بشكل رسمي.
بين دول منبع النيل ومصبه.. حروب المياه قادمة!
لم تتوقف النظريات والسيناريوهات حول حروب المياه في حوض النيل عن الظهور والتبلور، منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي؛ إلى درجة أنها شغلت طويلا جزءا هاما من التفكير الاستراتيجي لنخب وحكام بلدان المنطقة. وهكذا تشير كثير من الدراسات إلى أن القرن الحادي والعشرين سيشهد اندلاع نزاعات مسلحة بين بلدان الحوض. فهذه البلدان، وهي للتذكير: مصر، والسودان وجنوب السودان عند المصب، وكينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، والكونغو، ورواندا، وبوروندي، وأوغندا عند المنبع، تشترك جميعا في استغلال مياه نهر النيل بنسب متفاوتة. وتستأثر مصر، وهي أكبرها سكانا، بالحصة الأكبر من المياه، بواقع 55 إلى 60 مليار متر مكعب، بموجب «حقوق تاريخية». لكن بتزايد سكانها، تتنامى حاجات تلك البلدان إلى مزيد من المياه لتأمين الزراعة والصناعة والماء الشروب، وكذا لإنتاج الكهرباء، في وقت لا تزيد كميات المياه عن حجمها المعروف. ولذلك، ورغم أن تقاسم حصص المياه وتفاصيل استغلالها تؤطره اتفاقيات تم توقيعها على مراحل منذ 1905 حتى 2010، إلا أن الحاجة باتت تفرض التوافق على إطار جديد لاستغلال مياه النيل. ويضع هذا الواقع الضاغط بلدي المصب (مصر والسودان) في مواجهة بلدان المنبع السبعة، أو بعضها على الأقل. فعلى طول 6650 كيلومترا تقريبا، ينشر نهر النيل الخصوبة على ضفتيه حاملاً أكثر من 1660 مليار متر مكعب من المياه، يصل منها 84 مليارا فقط إلى المصب لكل من مصر والسودان. وتستحوذ الغابات والمستنقعات على الجزء الأعظم من باقي المياه. وتعتمد مصر على مياه النيل بنسبة 97 بالمائة، بينما تعتمد عليه السودان بنسبة 77 بالمائة. وبسبب تناقص واردات المياه وتزايد السكان، بدأ نصيب الفرد من المياه لبلدي المصب في التناقص حتى بلغ حاليا حد الفقر المائي.
وإذا كان المفاوض المصري يلوح بالعامل الديموغرافي فيقول إن مصر بلغت 80 مليون نسمة، فإن بعض دول الحوض كإثيوبيا، مثلا، تجاوز سكانها 67 مليون نسمة. ولذلك فإن ورقة العامل الديموغرافي لم تعد ورقة مقنعة في المفاوضات حول المياه. والأجدى أن تعيد البلدان المتشاطئة مع النيل النظر في طرق تدبير المياه. فمصر، مثلا، ودائما وهي أكبرها، تستعمل الجزء الأكبر من مياهها في الري بالغمر، مما يجعل 80 بالمائة من حصتها من مياه النيل تخصص للزراعة فقط.
واليوم تدفع الحاجة إلى مزيد من المياه بلدان أعالي النيل إلى التنصل من الاتفاقيات القديمة التي تضبط توزيع الحصص بينها، فهي منذ عقود تصرح أمام الملأ بأن مصر هي المستفيد الأكبر منها. وهكذا، سبق لإثيوبيا أن أعلنت رفضها لاتفاقيتي 1929 و1959، ووسعت منذ عام 1981 نطاق استصلاح 227 ألف فدان في حوض النيل الأزرق، ثم أقامت في 1984 سد فيشا على أحد روافده. وهو مشروع بدأ يؤثر منذئذ على حصة مصر من مياه النيل بحوالي نصف مليار متر مكعب سنويا. كما تخطط لإقامة ثلاثة سدود أخرى يفترض أنها ستؤثر على حصة مصر من المياه بمقدار 7 مليارات متر مكعب سنويًّا. وعلى النحو نفسه، كانت كينيا أعلنت رفضها وشجبها منذ استقلالها للاتفاقيات القديمة حول توزيع مياه النيل، لكونها تحرمها من حقها الطبيعي في تنفيذ مشروع استصلاح زراعي، وبناء سدود لحجز المياه داخل حدود بلادها. ويلقي الكينيون باللوم اليوم على تلك المعاهدات لكون 67 بالمائة من أراضيهم الخصبة غير قابلة للزراعة حاليا، رغم أن الزراعة هي الدعامة الأساسية للاقتصاد الكيني، حيث تساهم فيه بنسبة 80 بالمائة. وكانت تنزانيا أعلنت منذ استقلالها هي الأخرى بأنها غير ملزمة بتنفيذ الاتفاقيات المائية المبرمة في عهد الاستعمار عام 1929 ما بين مصر وبريطانيا لتنظيم الاستفادة من مياه النيل. وتأتي مطالبة دول حوض النيل بإعادة النظر في تلك الاتفاقيات القديمة، مبررة بأن الحكومات الوطنية لبلدان الحوض ليست هي التي أبرمتها، بل أبرمتها الدول الاستعمارية نيابة عنها في الماضي، وأن هناك حاجة ملحة لدى بعض هذه الدول، خصوصًا كينيا وتنزانيا وإثيوبيا، إلى موارد مائية متزايدة. وهو ما يهدد بإقامة سدود جديدة على أعالي النيل، سوف تقلص كميات المياه التي ترد إلى مصر. ويكشف هذا كله بأن إثيوبيا ليست حالة شاذة بين بلدان منابع النيل، وأن تفاعلات المطالبة بمزيد من الحصص من مياهه يدفع الوضع تدريجيًّا في اتجاه كارثة مستقبلية، ستفجر المنطقة. فدول مصب النيل، خصوصًا مصر، تعتبره شريان حياتها، وترفض تبعا لذلك تغيير الاتفاقات القديمة، بل تطالب بزيادة حصتها من المياه. بينما على الطرف الآخر من النهر، تعتبر دول المنبع أن تلك المياه ملك لها، ولها وحدها بالتالي الحق ليس فقط في حجزها في سدود، بل أيضا في بيعها لكل من مصر والسودان.
مصر وإثيوبيا.. سيناريوهات مواجهة مؤجلة
ثمة أغنية مصرية شعبية قديمة حول نهر النيل تقول ما معناه: «إذا نقصت قطرة واحدة من النيل، فدماؤنا هي البديل». ويبدو أن هذه الأغنية تلخص المزاج المصري العام، ففي مواجهة أي مساس بواردات البلد من الماء عبر النيل الذي يعتبر شريان الحياة، لن يتردد المصريون في الدفاع عن «حقهم التاريخي» بقوة السلاح إذا استدعى الأمر ذلك. بيد أن بلدان المنبع التي تستطيع التحكم في صبيب النهر العملاق ليست قريبة، إذ تفصلها عن مصر آلاف الكيلومترات. وفي حال ما قررت القاهرة خوض حرب مع إثيوبيا بسبب السدود التي تشيدها حاليا على النيل الأزرق وأضخمها سد النهضة، فإن بَلدين كبيرين يفصلان بريا مصر عن إثيوبيا، هما السودان وجنوب السودان. وبالتالي فإن معركة المياه إذا قامت ستكون معقدة، لأن من شأن ضرب سد النهضة أن يطلق كميات هائلة من المياه، ستنطلق بقوة هائلة وبعلو 8 أمتار فى مجرى النيل باتجاه السودان ومصر، وتؤدي على الخصوص إلى غرق الخرطوم وما حولها بعد 3 أيام على انهيار السد، لتصل مصر خلال 14 يوما، وهو ما ينذر بغرق القاهرة بأهراماتها ومنشآتها، إضافة إلى الوادي والدلتا (مصب النيل في البحر الأبيض المتوسط). وحتى عملية ضرب السد من طرف المقاتلات المصرية تعتبر صعبة، بالنظر إلى بعد المسافة بين مصر وإثيوبيا، التي تبلغ على أقل تقدير 1500كلم. ويعني ذلك أن المقاتلات المصرية لن تستطيع قطع 3000 كلم ذهابا وإيابا دون دعم سوداني، وهو الأمر الذي ترفضه الخرطوم، التي تخشى أن تتعرض لضربات انتقامية من إثيوبيا. وثاني الخيارات العسكرية أمام مصر يتمثل في تسلل فرقة من قوات العمليات الخاصة المصرية إلى السودان، وتتحرك عبر حدودها إلى إثيوبيا لتقوم بتعطيل عملية بناء السد أو تخربه تماما، متسترة خلف مسلحين من المتمردين الإثيوبيين. ومن شأن هذا السيناريو أن يمنح الخرطوم إمكانية التنصل من أي مسؤولية عن تسلل المسلحين إلى إثيوبيا انطلاقا من ترابها. والمعروف أن مصر لديها منذ سنوات قوات خاصة مدربة على حرب الأدغال (الصاعقة)، في وقت لا توجد بمنطقة الشرق الأوسط أدغال. ولذلك معنى واحد: أنها مدربة على الحرب في أدغال دول إفريقيا الشرقية، التي يحتمل أن تكون إثيوبيا بينها. لكن هذا الخيار الثاني تواجهه عقبات كبرى على الأرض. ففرقة العمليات الخاصة المصرية لتدمير السد سيكون عليها مواجهة القوات الإثيوبية التي تحرسه. وقبل ذلك سيكون عليها النجاح في الوصول إلى موقع السد. فضلا عن ضرورة حملها ما يكفي من الذخائر والمعدات (الثقيلة) الضرورية لتدمير السد. والخيار الثالث للقاهرة، وهو الأكثر احتمالا، هو تنشيط ودعم جماعات مسلحة متمردة كي تشن حربا بالوكالة على الحكومة الإثيوبية. ولن تكون هذه المرة الأولى التي تفعلها مصر، فخلال عقد السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي دعمت القاهرة جماعات معارضة للحكومة الإثيوبية، أبرزها الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، التي نجحت في قيادة الانفصال عن إثيوبيا عام 1994 بدعم مصري ناجع. ويوجد حاليا ما لا يقل عن 12 جماعة مسلحة منتشرة في أنحاء إثيوبيا، ومناهضة لنظام الحكم، بعضها تطالب بانفصال أجزاء من إثيوبيا عن البلاد. وكان موقع ويكيليكس سرب رسائل إلكترونية تشير إلى أن حسني مبارك كان يدرس بالفعل اللجوء إلى الخيار العسكري في 2010. وجاء في إحداها: «…الدولة الوحيدة التي لا تتعاون معنا هي إثيوبيا، نحن مستمرون في التفاوض معها، لكن إذا وصل الأمر إلى أزمة سنقوم ببساطة بإرسال طائرة تقوم بقصف السد وتعود في نفس اليوم. أو يمكننا أن نرسل قواتنا الخاصة لتخريب السد. وتذكروا ما فعلته مصر في أواخر السبعينيات عندما كانت إثيوبيا تحاول بناء سد كبير، فقمنا بتفجير المعدات وهي في عرض البحر في طريقها إلى إثيوبيا». وتشير معلومات استخباراتية بهذا الخصوص إلى أن منطقة أبوسِمْبِل جنوب مصر) شهدت تحويل أحد المطارات المدنية إلى مطار عسكري، معد للقيام بعمليات تدخل جوي سريع في حال تأزم الموقف مع إثيوبيا. في المقابل، فإن الرد الإثيوبي على أي هجوم مصري قد ينطلق من عدة قواعد إثيوبية، أشهرها قاعدة «دبرزيت» المحصنة طبيعياً، فتنطلق المقاتلات لتضرب السد العالي الذي يحرس أمن مصر المائي كرد على ضرب أي سد في إثيوبيا، كما هدد بذلك مسؤولون إثيوبيون. وقد يمتد ذلك الرد الإثيوبي إلى السودان كذلك، في حال ما سمحت »الخرطوم للمقاتلات أو القوات الخاصة المصرية باستخدام أراضيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.