يبدو أن متاحف العالم ستفرغ قريبا من نصُبها وتماثيلها، فمنذ أن بدأ الحراك الاجتماعي في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد مقتل المواطن الأسود جورج فلويد، لم يتوقف سيل الانتقام من الشخصيات التاريخية التي ساهمت، من قريب أو من بعيد، في ترويج العبودية. التخلص من نصُب وتماثيل القرون السابقة لم يقتصر على المدن الأمريكية فقط، بل تجاوزها إلى كبريات العواصم العالمية، وخصوصا في أوربا، حيث امتدت أيدي الانتقام إلى تماثيل شخصيات تاريخية كانت تبدو، حتى زمن قريب، شخصيات مقدسة لا يأتيها الباطل من تحتها ولا من فوقها. التخلص من تماثيل ورموز الشخصيات المثيرة للجدل لم يقتصر على المتاحف، بل امتد إلى الساحات العمومية، التي كانت أسهل، بالنسبة للمتظاهرين، من أجل تهشيمها ورميها على الأرصفة مثل قمامة منبوذة، وهو ما دفع عددا من المتاحف الشهيرة إلى المبادرة للتخلص من الشخصيات المثيرة للجدل قبل أن يقتحمها المتظاهرون ويعبثوا بمحتوياتها! وفي الوقت الذي اعتقد كثيرون أن حملة التخلص من الإرث التاريخي ل"شخصيات العبودية" انتهى، إلا أن الموجة الثانية حلت بسرعة، وبدأ متظاهرون يطرقون أبواب عدد من مشاهير المتاحف العالمية للتخلص مما تبقى من هذه الرموز والتماثيل، آخرها ما حدث في المتحف الوطني البريطاني "بريتش موزيم". لكن المتحف البريطاني لم ينتظر حتى يقتحم المتظاهرون ردهاته للتخلص من تماثيل زمن العبودية" بل قررت إدارة المتحف المبادرة إلى ما أسمته "تنظيف المتحف من بقايا العهود المظلمة للعبودية" عبر إزاحة رموز وتماثيل كانت حتى وقت قريب تعتبر من رموز الوطنية ومفخرة تاريخية. آخر هذه الرموز تمثال هانز سلُووان، الذي يعتبر أحد رموز الأمة البريطانية، وهو طبيب إنجليزي مولود في أيرلندا منتصف القرن السابع عشر، ويعتبر الأب الروحي لفكرة تأسيس المتحف الوطني البريطاني قبل قرون. لكن كل هذا لم يشفع للسيد هانز ماضيه الغامض في العبودية، حين كان يمتلك مزارع شاسعة للسكر في جامايكا، وإلى هناك جلب آلاف الأيدي العاملة من إفريقيا، وطبعا لم يكن هؤلاء العمال سعداء جدا بالعمل في هذه الحقول أو يتمتعون بالضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. وبينما رحل هانز عن هذا العالم قبل أزيد من أربعة قرون، آمنا مطمئنا إلى إرثه التاريخي الوطني الذي لا يرقى إليه الشك، إلى أن دم جورج فلويد تسرب إلى قبره وأيقظه من سباته العميق.. وكأنه يقول له: حتى أنت يا هانز ..!