العاصفة التي تلت مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد، أطاحت إلى حد الآن بكثير من الرؤوس، الرؤوس التي كانت شبه معصومة من السقوط، لكنها سقطت في النهاية، بعضها سقطت في البحر وأخرى في النهر وأخرى على الإسفلت.. وباقي الرؤوس تنتظر. لكن هذه الرؤوس ليست بشرية، على الأقل في أغلبها، بل هي رؤوس تماثيل ونصب لشخصيات شهيرة في التاريخ، والتي دار حولها جدل كبير في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وعدد من البلدان الأخرى، بسبب ماضيها العنصري، أو نزعاتها الاستعمارية المتطرفة. أطاح المتظاهرون بتماثيل تجار عبيد وجنرالات دعموا العبودية ونصب شخصيات استعمارية ارتكبت الفظائع في أوربا، ولا تزال عملية إسقاط "الأصنام" مستمرة، حيث وصلت مؤخرا إلى إسبانيا، التي تريد أن تدخل بدورها نادي مسقطي التماثيل التاريخية. الإسبان يعتبرون أنفسهم رواد اكتشاف القارة الأمريكية نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، وهذا الإنجاز افتخر به الناس كثيرا، إلى أن اكتشفوا أن ذلك الاكتشاف لم يكن بردا وسلاما على السكان الأصليين، الذين ابتدأ جحيمهم مباشرة بعد أن حط الإنسان الأبيض رجله على الأراضي الجديدة. لهذا السبب، ارتفعت في إسبانيا مؤخرا دعاوي قوية تطالب بإهدار دم تمثال المستكشف كريستوف كولومب، الذي كان حتى وقت قريب تمثالا معصوما، لكن دماء جورج فلويد أسقطت الحصانة عن الجميع.. جميع التماثيل على الأقل. ما جعل الإسبان يتحمسون لإسقاط تماثيل كولومب في إسبانيا هو أن الأمريكيين سبقوهم إلى ذلك فأسقطوا تماثيل المستكشف، لذا، لا يجد الإسبان حرجا في أن يسقطوا تماثيل رجل يعتبرونه مسبب الويلات في العالم الجديد، وغالبا ما كانوا يرددون في عدد المظاهرات عبارة "يا كولومب.. لماذا فعلت ذلك..؟"، في إشارة إلى استكشاف كولومب للأمريكيتين. ويبدو أن الوضع في إسبانيا لن يتطلب الكثير من التشنج، فقد بدأت، فعلا، عدد من البلديات في الإباحة القانونية لإزالة تماثيل كولومب، بدأتها بلدية برشلونة، بينما تدرس بلديات أخرى هذا الموضوع، وهي تدري أن هذه التماثيل إن لم تزل بمفعول القانون، فستزول بمفعول المظاهرات.