يتوج وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت مشواره الطويل في دواليب الإدارة الترابية بأداء متميز على رأس وزارته في زمن الجائحة التي عطلت الحياة والاقتصاد في جل أرجاء العالم. العمل ليل نهار من أجل تدبير حالة الطوارئ الصحية وتطبيق الحجر الصحي، ألقى على عاتق ابن الريف مسؤوليات جسام، تحملها في صمت وتواري عن الأضواء. فالمسؤول التقنوقراطي الذي نادرا ما يتحدث بصوت مرتفع، يمزج في مواجهته لأزمة جائحة كورونا خليطا من المعرفة والكفاءة التي اكتسبها في مدرسة البوليتكنيك بباريس أواخر الثمانينيات، وقدرا كبيرا من رصانة الإداري التي راكمها على مدى مساره الطويل الذي تقلب فيه بين مناصب ومسؤوليات متنوعة. فالوالي السابق لجهة الرباطسلا زمور زعير، يجر وراءه سيرة ذاتية غنية ومبهرة. ولعل النجاح الملموس الذي تحقق في مجال الإدارة الترابية منذ تحمله مسؤوليات وزارة الداخلية في أبريل 2017 يستند في جزء كبير منه إلى هذا المزيج من شخصية ذات تكوين أكاديمي عالي ورصيد من التجارب المتعددة الآفاق. فابن الريف الذي أصبح عاملا على الناظور أكبر مدنه في 2006 لا يمتلك أي تجربة حزبية معروفة، ولربما كان هذا التحلل من السياقات الإيديولوجية والمذهبية، هو ما جعله نموذجا للتقنوقراطي المؤهل لحمل حقيبة الداخلية في سياق سياسي وأمني ملتهب كان عنوانه الكبير هو احتجاجات حراك الريف. هذا يعكس جانبا من الكاريزمية التي يمتلكها الرجل، فتدبير نتائج احتجاجات الريف وحالة الطوارئ الصحية وغيرها لا يعتبر بالتحدي السهل على أي مسؤول سياسي أو ترابي مهما كانت مكانته وخبراته. لكن النجاعة التي أبان عنها الرجل في خدمته للدولة والمواطن معا جعلته فعلا جديرا بموقعه وبالمنصب الذي كلف به. لم يكن لفتيت رجل الثقة الذي يتم اختياره فقط لأنه أمين سر، أو موظف وفي، ولكن لما برهن عنه من كفاءة في تدبير ملفات استراتيجية بالنسبة للسلطات العليا. ولولا هذه الكفاءة لما حظي في مارس 2010 بالتعيين رئيسا مديرا عاما لشركة التهيئة من أجل إعادة توظيف المنطقة المينائية لطنجةالمدينة، بما مثلته وما تمثله من حساسية اقتصادية وتنموية كبيرة بالنسبة لسياسة الأوراش الكبرى. فهذه المسؤولية التي تحملها ابن قرية تافريست وضع من خلالها مساهمته الإدارية في النجاح الاقتصادي الذي تمثله منطقة طنجة اليوم على مستوى استقطاب الاستثمارات قاريا وعربيا. ولعل تجربته الطويلة في تدبير الموانئ في مختلف المواقع البحرية المغربية أكسبته الكثير من الخبرة في مواجهة أمواج المفاجآت التي يمكن أن تعصف بالبلاد. لقد فاجأت مصالح الداخلية والإدارة الترابية الكثير من المتشككين وهي تطلق إجراءات حالة الطوارئ الصحية، بما تميزت به من تنسيق وفعالية محكمين، كما كان للصرامة التأديبية ضد رجال السلطة المخالفين دور بارز في ضمان التزام الناس بما تم إقراره من إجراءات الطوارئ. فعلى الرغم من كل الدعايات التي واكبت عمل القياد ورجال السلطة، لم يتردد عبد الوافي لفتيت في معاقبة المسؤولين الترابيين الذين تجاوزوا في تطبيق القانون بهدر كرامة وحقوق المواطنين. وسيذكر التاريخ لوزارة الداخلية في عهد عبد الوافي لفتيت أمرين اثنين: إنها أكثر وزارة في تاريخ الداخلية تتخذ إجراءات تأديبية في حق موظفيها المخالفين، وأن لفتيت وموظفي وزارته وضعوا أنفسهم خداما للمغاربة من أجل حماية صحتهم وسلامتهم، بعد أن كانوا خداما لأمنهم واستقرارهم.