تتراكم الاختراقات الصغيرة المؤثرة في استراتيجية المغرب لتدبير ملف الصحراء المغربية. فمنذ العام الماضي بدأ ملف الوحدة الترابية للمملكة يعرف تعزيزا من نوع جديد يقوم أساسا على خطة هجومية واضحة تستهدف ضرب استراتيجية الجزائر التي راهنت في السنوات الأخيرة على محاولة الطعن في حقوق المغرب المشروعة في تدبير ثروات وإدارة الأقاليم الجنوبية. وظهر الانتصار الأول في هذه المعركة عندما استطاع المغرب تفادي مناورات الانفصاليين المدعومين من جنوب إفريقيا باعتراض سفن الفوسفاط المتجهة إلى مختلف بقاع العالم. لكن ما يحدث منذ بضعة شهور من إقبال لبعض البلدان الإفريقية على افتتاح قنصليات لتدبير شؤون مواطنيها في الأقاليم الجنوبية يعد مبادرة دبلوماسية جريئة. فالعيون تظهر اليوم بمظهر أكثر انفتاحا على الصعيد القاري والدولي، لتلتحق في ذلك بشبه جزيرة الداخلة التي انتزعت منذ سنوات مكانة سياحية عالمية. مبادرات مثل "منتدى كروس مونتانا" و"بطولة إفريقيا في رياضة الفوتسال" وافتتاح مقرات قنصلية أجنبية يؤكد أن المقاربة الأمنية والدبلوماسية في تدبير ملف الصحراء المغربية لم تعد مقاربة تقليدية، فهناك جانب آخر من تأكيد الوحدة الترابية يرتبط بهذا الانفتاح الجديد للأقاليم الجنوبية. وما يؤكد أننا ندخل مرحلة جديدة أكثر تأثيرا ونجاعة هو رد الفعل العنيف الذي عبرت عنه الجزائر تجاه افتتاح القنصلية الإيفوارية في العيون قبل أسبوعين. فبعد فتح ياموسوكرو قنصليتها في مدينة العيون، استدعت الجزائر يوم الخميس الماضي سفيرها لدى كوت ديفوار للتشاور، احتجاجاً على تصريحات لوزير خارجيتها بشأن ملف الصحراء. ووصفت خارجية الجزائر في بيان، نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، تصريحات المسؤول الإيفواري ب"المبطنة" في إشارة إلى الدعم الرسمي الذي أعلنت عنه الكوت ديفوار للوحدة الترابية للمغرب. وكانت وسائل إعلام إيفوارية، قد نقلت عن وزير الشؤون الخارجية علي كوليبالي، اعتباره فتح القنصلية في قلب مدينة العيون تأكيداً على مغربية الصحراء. وتعتبر قنصلية كوت ديفوار التي افتتحت، الثلاثاء الماضي، خامس تمثيلية دبلوماسية لدى المغرب في العيون، بعد قنصليات جزر القمر المتحدة، والغابون، وساو تومي، وبرنسيبي، وجمهورية إفريقيا الوسطى. ويعد هذا الانفتاح الإفريقي غير المسبوق على مدينة العيون تتويجا لهذه الاستراتيجية الجديدة في تدبير قضية الوحدة الترابية. إخراج الأقاليم الجنوبية من عزلتها وفتحها على محيطها القاري والدولي هو لب هذه الاستراتيجية التي بدأت تؤتي ثمارها منذ أن اعترفت المحاكم الأوربية بشرعية اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوربي، وشرعية شموله للأقاليم الجنوبية. وفي هذا الإطار تثير مقاربات التطبيع الأوربي مع سلطة المغرب على أقاليمه الجنوبية باستمرار ردود أفعال متشجنة من طرف الانفصاليين. فقبل يومين أصبح رئيس الدبلوماسية الأوربية، جوزيف بوريل، هدفا جديدا لانتقادات جبهة "البوليساريو" الانفصالية، بعد إصداره لبيان حول وضع الصحراء المغربية. وخرج القيادي في الجبهة الانفصالية، أبي بشراي البشير، لشن هجوم على بوريل من بروكسل، متهما إياه بالانحياز للمغرب. وجه ذات الانفصالي اتهامات لبوريل بالمغالطة، بعدما أصدر بلاغا أشار فيه إلى أن الوصول، وشروط الدخول للصحراء المغربية، بما أنها منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي، فيتم تحديدها من قبل السلطات الإدارية في المنطقة، ما يعني أنها تخضع للشروط المغربية. وكان جوزيف بوريل قد التقى، خلال نهاية شهر يناير الماضي، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، وجدد تأكيد الموقف الأوربي من قضية الصحراء المغربية. ويثير هذا الإقرار الأوربي بسلطات المغرب على أقاليمه الجنوبية باستمرار غيظ الجزائر والبوليساريو اللذين يراهنان على بعض العناوين المثيرة والتصريحات الاستثنائية من أجل الترويج لأطروحة الانفصال بعد أن بدأت تحتضر وأضحى حلم الدويلة الوهمية بعيد المنال.