جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    «كوب-29».. الموافقة على «ما لا يقل» عن 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    نظام العالم الآخر بين الصدمة والتكرار الخاطئ.. المغرب اليوم يقف أكثر قوة ووحدة من أي وقت مضى    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    حارس اتحاد طنجة الشاب ريان أزواغ يتلقى دعما نفسيا بعد مباراة الديربي    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    افتتاح 5 مراكز صحية بجهة الداخلة    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيت الشعر يردّ على رسالة محمد بنيس “في معنى الخوف”
نشر في البوصلة يوم 02 - 02 - 2010

"الحياة هي الشعر، حين تكتبه ذاتٌ ليست ذاتية تماماً"
محمود درويش
توصّل بيت الشعر في المغرب برسالة من الشاعر محمد بنيس بعنوان "الخوف من المعنى"، مُوجَّهة إلى الرئيس الحالي الشاعر نجيب خداري، وعَبْرَه، إلى كافة أعضاء الهيئة المسيِّرة للبيت. تندرج الرسالة في سلسلة من الإشارات الناقمة على الهيئة، لعل آخرَها تصريحاتُه بالجزائر(وللمكان دلالاته التي لا تخفى، وبالأخص غير الشعْري منها ).
ومحمد بنيس، بالنسبة للذين لا يعرفونه، شاعر وفاعل ثقافي في المشهد الأدبي المغربي، له وضع اعتباري أرساه بإسهامه في الدرس الجامعي، وتطوير الخطاب حول الشعر المغربي. كما ضخّ كناشرحيوية ملموسة في مجال نشر الكتاب الثقافي والجامعي وتداوله. ونحن، أعضاءَ هيئة بيت الشعر، نصون له هذا الدور ونُثمِّنُه ونعتزُّ به.
تستند رسالة محمد بنيس إلى تصور شخصي في رؤيتها إلى العمل الثقافي، يبدو ظاهريا مُحتكماً إلى مفاهيم الحداثة، بيد أنه يرتكز، في العمق، على مسبّقات مُوجّهة بروح مانوية، تنسُبُ إلى الذات قيم الصداقة والأخوة والتضامن والحرية والأمانة والنبل والكرم، وتقذف بالآخر إلى الجهة المُقابلة، جهةِ المكيدة والعداء والكذب والتهافت والخضوع والتبعية وغيرها من النعوت التي تُفضي إلى تخوين لا يختلف ، من حيث الآلية الذهنية، عن تكفير مُقنّع. هكذا تتقدّم الذات، في رسالتها، من خلال صورة قدّيس خانه أتباعه، يرمي بالخطأ جهة خارجٍ مطلق تتبدّل وجوهه، ليتكفّل في كل مرّة بتبرئة دائمة للمُستنجِد به.
إنّ هذه الروح المانوية المتلفعة بغطاء القدسية والعِصْمة، التي تكاد تكون عقائدية، هي بعضُ ما يبني ميتافيزيقا الرسالة وهي تُضمر تصوراً معيّنا عن الذات، به تُرتّبُ علاقتها مع الآخر، وتقدم، أبعد من ذلك، تصوراً كارثياً عن الزمن. ثمة إدانة لحركة الزمن التاريخي كلما تفجّر هادراً باتجاه المستقبل. لذلك لا تنفكّ الذات تحتمي ببُردة "التأسيس"، تأسيس بيت الشعر في المغرب، كأنّ الأمر يتعلق بزمن الوحي، وبنقاءٍ موقوف على البدء، أو بزعيم لا طُهْرَ بدونه، حضورُهُ ضروري لإصلاح فسادٍ ينبعث كلما غاب الزعيم.
إنّ عقلية الزعيم، التي تحجب انفتاح المعنى، تستأنسُ بشعور ندم قاهر، كأن الذات نادمة على ما لم تفعله عندما كانت تتحكم في زمام البيت، نادمة لأنها لم تتخلّص مِمَّنْ يُزعجها من الأعضاء حتى يتسنى لها أن تُتوّج "رئيساً أبديّاً". ولحسن الحظ، هناك جيل شعري جديد لا يُؤمن بالرئيس الضرورة، يؤمن فقط بحريته متلفعة برؤية مضيئة للتاريخ والمستقبل.
ولعل رؤية بهذه الحمولة الميتافيزيقية الثاوية هي ما يُغذي النزوع إلى مناهضة الأجيال الشعرية الجديدة، ويمنع صاحبها من النظر إلى هذه الأجيال خارج منطق الأستاذية والوصاية وتوزيع البركات والهبات. فالخوف الكامن في الرسالة يُبطل الدعوى التي تتعلّل بها، لأنه، في العمق، خوفٌ من المستقبل الذي يُشرق كلما تحكمت الذات في مساره، وينقلب مظلماً كلما استند إلى الاختلاف وانبنى على الحرية. لذلك لا تخطئ القراءة العادية للرسالة قناعَ الضحية الذي تلبسه الذات في مشهدٍ، له ادعاء المحو والتشطيب والإعدام لتكتمل تُهمة التخوين.
تبدو الرسالة، انطلاقا مما تروم الإيهام به، كأنها تثير نقاشاً عامّاً عن التدبير الثقافي، فيما هي، في العمق، تتباكى على مصالح ذاتية، وتُشهر قناع الضحية بما يتطلبه من تهويل تستعيد فيه الأنا صَدَى النواح والندب وتتلذذ برواية ما تعتبره انتهاكاً هو في مقام المأساة. مأساة تسحبها على العالم والمحيط الذي نسجته فتستغرق متعة الاكتئاب. متعة البحث المضني عن معنى ادّعته في خطاباتها التاريخية وبياناتها المجيدة. أليس داعي أسفٍ أن تكتب القصيدةُ الحرية والتعدّد وفي الوقت نفسه يُسكنها "المؤسِّس" أرجاء أناه المتفسِّخة، نقضاً لصوت المُختلف وإنكاراً للآخر في حقه الأول: حرية أن يكون وأن يختار لغته وانتماءه.
للتهويل في الرسالة وجهان: ملامح الوجه الأول ترسمُ صورةَ ضحية تُقاد إلى الإعدام (اِستلذت الرسالة بتكرار الإعدام أربع مرات). وفي الطريق إليه تتساءل عن الغاية من محوها والتشطيب عليها.هذا الشق الأول من التهويل فجّ ومردود عليه، بدليل أن جميع أخبار ومعطيات وأنشطة ودعوات هيأة بيت الشعر ترسل إليه بانتظام على عنوانه الالكتروني، وكذا الاحتفاء الذي خصّه العدد المزدوج(11-12) من مجلة البيت لمحمد بنيس. وله أن يقرأ المحبة التي كتِبَ بها المقالان (من ص. 108 إلى ص. 121، ومن ص. 203 إلى ص. 207)، والتهنئة التي تضمّنها العدد نفسه بمناسبة فوزه بإحدى الجوائز (ص.179). أثمّة أعنف وأضيق من أن تُقرأ المحبة على أنها إعدام ومحو وعداء وغيرها من سلسلة النعوت الجاهزة في الروح المانوية؟ بما يترتب عنها من اختزال للعلاقات الإنسانية في الثنائية المشروخة: "معي أو ضدّي"، من غير احتمال أن الحرية، التي يدّعي صاحب الرسالة أن بعض أعضاء الهيئة باعوها، تقتضي التنبّه إلى منطقة أعلى وأبهى وأسمى من هذه الثنائية، وأن الحرية ذاتها تُلزمُ من اختارها بألاّ ينشغل بأحقاد الآخرين وألاّ يبني علاقاته في ظلمتها، لأن الأحقاد لا ضوء لها. وفي السياق نفسه، لابدّ من تذكير محمد بنيس برفضه دعوة بيت الشعر للمشاركة في معرض الكتاب بالدار البيضاء 2008، وتصريحه بمقاطعة كل الأنشطة التي يُنظمها البيت، وهو ما اعتبرته الهيئة حقّاً من صلب حرية من اتخذه. والشق الثاني للتهويل جليّ من التشديد على التخوين (استلذت الرسالة بتكرار الخيانة خمس مرات). والهيأة تتساءل، من موقع الحداثة، ما الفرق بين التخوين والتكفير؟ ألا يحتكمان إلى الآلية ذاتها؟ ألا ترفع هذه الآلية الحدود بين السلفية والحداثة التي تدّعي الرسالة الانتساب إليها؟ أليس التخوين امتلاءً للمعنى وانغلاقا له؟ أليس نوعاً من استنساخ الخطاب السياسي المبتذل؟
يتكشّف الحديث عن المعنى بامتلاء ذاتي عن فراغ مرادف لخواء الجسد. لعله الافتقار إلى الروح التي من غير دِعامتها يتحوّل الكائن إلى جثة. فهل ينبغي أن نُواريها الثرى صوناً للكرامة، أم علينا أن نحشوها بما يمنعُ عنها التفسّخ، أم نكتفي بالإشارة بالأصبع إلى جهة انبعاث الرائحة حتى تبقى رئة الشعر والشعراء بعيدة، منذورة لنسائم الحياة؟
تعترف الرسالة، من غير حرج أو خجل، بالاعتراض على حقّ أحد الأعضاء الشعراء في الترشّح لتحمل المسؤولية في البيت، مُنتزعة من رصيدها الميتافيزيقي سلطة التقرير في مستقبل مؤسسة ثقافية، ورافضة، كذلك، مبدأ التناوب والتداول الديمقراطي لمهامّ التدبير، علماً بأن الجمع العامّ هو السلطة المكفول لها قانونيا التقرير في شأن انتخاب المكتب المُسير. وهو الجمع الذي تغيّب عنه بنيس، على الرغم من أن عضويته بالهيأة التنفيذية السابقة كانت تلزمه بالحضور لإبداء رأيه وتقديم الحساب لمن انتخبوه، وعلى الرغم من أن هيأة بيت الشعر برئاسة الأستاذ عبد الرحمان طنكول كانت أجّلت الجمع العام مرّتين كي تُتيح له الحضور بعد موعدين سابقين فضّل أن يُسافر فيهما إلى الخارج (البرتغال وإنجلترا). أليس هذا الغياب مؤشراً على الاطمئنان لعقلية الوصاية التي يتهم بها السياسي؟ لماذا لم ير صاحب الرسالة، من قبل، الوجه السياسي للعضو الذي اعترض عليه ففي التأسيس كان هذا العضو شاعراً، وفي التهييء للبرنامج الثقافي كان شاعراً، وفي الإعداد للمهرجان العالمي للشعر كان شاعراً، وفي تسهيل سُبل دعم البيت كان شاعراً، ولمّا قبل صاحب الرسالة، بوصفه ناشراً، نشر مجموعة شعرية للعضو كان شاعراً، وفي تقديم مجموعة شعرية جديدة له، ضمن أنشطة البيت، كان شاعراً. غير أنه عندما اقترح عليه زملاؤه تحمل المسؤولية على رأس البيت، أصبح، برمية نرد، سياسياً. أليس استثمار علاقة السياسي بالشعري، اعتماداً على مُسبقات اختزالية، تقزيماً لهذه الثنائية، وتوظيفاً ذاتياً لها لاجترار تبرئة الذات وتأبيد الخطأ،على نحو مطلق، خارجها؟
يبدو المقصود من السياسي، في الرسالة، هو الحزبي فيما الفرق بينهما كبير. فالسياسي كمفهوم يختلف رؤية وتصوراً عن السياسة، واشتغاله في الثقافة والفنون لا يستقيم إلاّ بمعرفة يقظة، تتحصّنُ دوماً بالسؤال. ضيقُ السياسة ينفتح، في السياسي، على رحابة غذت نصوص وأعمال الشعراء الكبار ورسّخت انتماءهم لزمنهم ولمُمكن مستقبلي في آن (لِنتذكرْ نيرودا، ناظم حكمت، أراغون، إيلوار، ريتسوس، محمود درويش، سعدي يوسف، رفاَييلْ ألبيرتي، غيللفيك، وآخرين). لذلك تحتفظ اللغة كما تحتفظ الثقافة والفنون بالخط الرفيع الذي يصلها بالسياسي ويفصلها عن الحزبي. ثم إن العودة المتكررة لما تسميه الرسالة بعلاقة السياسي بالثقافي يُفرغ هذه الثنائية من كفايتها التحليلية ويُحولها إلى ملجأ للاختباء يقود التحليل في نهاية المطاف لأن يُصبح دائرياً ومغلقاً بكل المستتبعات المصاحبة لهذين الوصفيْن. والرسالة تعترف بهذا المسار الدائري عندما يقول صاحبها "توضيح من الضروري أن نعود إليه كل مرّة" ليتسنى للقراءة أن تقتات من الجاهز، فيما الوشائج بين السياسي والشعري تسعد بديناميتها وتجدّدها وحيويتها. وقد شدّد الشاعر إدوار غليسان، لكي نستأنس فقط بمن خبر هذه الجدلية، على التحول الجذري الذي شهدته هذه الوشائج في بداية الألفية الثالثة.فالعلاقة بين طرفيْ هذه الثنائية جزءٌ من سيرورة التغيير وليست وصفة جاهزة أو معنى ثابتا. وغليسان يُقرّ أن وظيفة الشاعر، في المقام الأول، سياسية. غير أن فهم ذلك يتطلّبُ تغيير الرؤية إلى مفهوم السياسي لا اختزاله في معنى قبلي.
ولنقل أيضًا إنّ اختلاف بنيس مع "السياسي" ( وهو يقصد الحزبي طبعا، إنّما يخطئ التسمية) ليس اختلافا شعريا، نقصد ليس اختلافا حول الشعر أو حول تدبيره ثقافيا، وهذا أمر قابل للمناقشة طبعا، وإنّما الاختلاف في العمق اختلاف سياسي. يصدر بنيس عن وجهة نظر " حزبية " كاتمة الصوت لا تريد أن تسمي نفسها فيما هي تُقدَّم كوجهة نظر " مستقلة" أو " محايدة" لا أحد أصبح يصدقها في المغرب وخارجه.
وللحقيقة، لم يعد مقبولا أن يتصرف شاعر بهذه الحربائية التي تغير ألوانها حسب الظروف والمصالح الشخصية. كما لم يعد مقبولا على الإطلاق أن يلعب دور الوَرَل، ذلك الحيوان الصحراوي الزاحف الذي يعطي الانطباع بأنه هارب دائما ، لائذ بظلال التلال الرملية فيما هو يتهيأ ليمسك بسيقان الإبل كي يمتص دمها !.
إن ثنائية السياسي والثقافي، مثل أي ثنائية أخرى، عندما تتحوّل إلى مسلمة قبلية تصبح، من الناحية المعرفية، نوعاً من التطرف في القراءة، لأنها تفقد قدرتها التحليلية وتغدو مسكوكاً جاهزاً، لا يُفيد إلاّ في الاحتماء والتهويل وإشهار أوهام التآمر ولازمة "المكيدة" و"المنصب" و"الغنيمة". كل مفهوم مُهدّد، حسب النظرية النقدية والتفكيكية، أن يتحوّل إلى عائق عندما نخوّل له عودة دائمة مُنزهة عن المراقبة. وتبعاً لذلك فكل ثنائية لها المآل ذاته.
لِينْزل الشاعر من غيمته قليلاً كي يلمس ما تغيّر على أرض الشعر، وفي أحشاء الثقافة في المغرب. ولْيدعْنا نسأله قليلاً: كيف يتّسع جسده للقصيدة وللضغينة في آن؟ هل نقول إنّه بات يحنُّ إلى معاركه القديمة المفتعلة الخاسرة لِيُعيد بها الأسطوانة المشروخة المُثيرة للإشفاق، التي كان دشنها في مواجهة الشاعر الراحل أحمد المجاطي، والكاتب محمد برادة، والقاص مصطفى المسناوي، والشاعر محمد بنطلحة، والشاعر عبد اللطيف اللّعْبي، والشاعر والمفكر عبد الكبير الخطيبي والشاعر صلاح الوديع؟ وهل أُغْلِقَ ملف الإساءة البليغة للشاعر الكبير أدونيس حتى ننساه بسهولة؟ ثم كيف ينسى المرء بسرعة واجب الامتنان للأيادي البيضاء التي مدت إليه طويلا؟ ذلك ما يُؤكد أنها الهبة الحقيقية للفراغ. لقد بتْنا في حاجة إلى إعادة بناء أنثربولوجي، ليس فقط لخطاب الرسالة بل لكل ما كتبه محمد بنيس عن الشعر والثقافة في المغرب، ولكل ما رواه عنهما. لِينتبه إلى نفسه وشعره قليلا. مِنَ الأفضل أن ينصرف إلى كتابة قصيدة جميلة مُقْنِعَة عوض أن يحتمي كلّ مرّة بما يُحوِّله إلى مادة كاريكاتورية.
إن بيت الشعر في المغرب مكان للقاء والنبل والحرية والمحبة، وهو بذلك ملك جماعي لا وصاية لأحد عليه. الانخراط فيه يقتضي التحلي بنكران الذات وبسمو العمل الجماعي، الذي يطرح دوماً ضرورة تخليقه بعيداً عن عقلية الغنائم والمنافع والمشاريع الشخصية. وبما أن هذا العمل ممارسة تاريخية فهو مُشرَعٌ على النقد. غير أن ثمة بَوْناً بين النقد والتحامل. وما أنجزته الهيئة الحالية منذ تحملها المسؤولية لا يُعفيها من أن تخضع منجزها للمناقشة أو المحاسبة التي لها زمنها وإطارها التنظيمي كما هي تقاليد وأعراف العمل الجمعوي. فقد صانت الهيئة الفكرة النبيلة للبيت وطورتها من غير ادعاء أو تهويل، إذ حرصت على انتظام صدور مجلة "البيت"،ونشر أربعة عشر عملا شعريا، واحتفت بشاعرين عربيين كبيرين بمنحهما جائزة الأركَانة العالمية للشعر التي أصبحت تمنح سنويا وبانتظام مع قيمة مالية أكبر وصيغة تنظيمية متطورة وباذخة، والتي أتاحت مناسبة تسليمها حواراً شعرياً راقيا. فهل في هذا التتويج ما يدل على خيانة فكرة البيت؟. كما نظمت الهيأة ندوات علمية، وانفتحت على شعراء جدد، وهي بصدد التحضير للمهرجان العالمي للشعر ولمؤتمر وطني لشعراء المغرب، وإعداد انطولوجيا باللغة الإيطالية عن الشعر المغربي المعاصر. وما زالت تصبو، وفق الإمكانات المتوفرة طبعًا، أن ترقى بعملها، منصتة لنقد الأصدقاء الذين لا يُزعجهم أن تظل فكرة البيت تسعد بحيويتها، لأن استمرارها ليس وقفاً على الأشخاص ، وإنما على تضافر الجهد الجماعي المؤمن بالمحبة.
والواقع أن العمل الجماعي لا يتسع لمجموع رغباتنا الشخصية. والفرد كيفما كان وضعه الاعتباري وحجم إسهامه، لا يمكنه أن يستأثر بمساحات الآخرين كُلّها. لا بد أن يعرف حدود مساحته، وحدود رغباته، وحدود طموحه. ولنا شاعر صديق مشترك هو بْرنارْنُويلْ، نذكر في هذا السِّياق إلحَاحَه العميق الجميل على " أن الشّعر هو تجربة الحدود الداخلية للتعبير اللفظي. وإذ يلمس الشعر هذه الحدود، يلمس في الآن نفسه الأصل والمصير ". إن مثل هذه الأركيولوجيا الشعرية هو ما يعلّمنا تجربة الحدود، ليس في الشعر فحسب، وإنما في الصداقة، في الحب، في الفكر، وفي الحياة كلها.
لذا، على بنيس حتى عندما يُخاصم ويَنقم ويَكره ويَحقد ، أن يتذكر دائما أن ثمة حدودا أيضا. وسيكون من المخزي والمعيب أن يمنح صاحب كتاب " الحق في الشعر" لنفسه، وحده لا غير، هذا الحق بينما يحرم منه شاعرا آخرأو شعراء آخرين، فقط لأنهم لم ينتخبوه من جديد رئيسا لبيت الشعر لولاية رابعة..أو لولاية أبدية.
إننا في بيت الشعر، شعراء وأصدقاء وإخوة، تجمعنا المحبة والحرية، لا أحد من الأعضاء باع حريته، ولا أحد يقبل، مبدئياً، أن يشتري حرية الغير. وينبغي أن نقول، ردّاً على تصريح الرسالة بالاسم الشخصي لأحد أعضائها، إن إخوته في بيت الشعر في المغرب لم يُسجلوا عليه، ولو مرة واحدة، أنه استعمل البيت لخيار سياسي خاصّ أو عامّ، ولم يفرض وجهة نظر حزبية أو شخصية. فالهيأة تتّخذ قراراتها بناء على حوار حرّ وبروح توافقية متضامنة لا تتنازل عن الاختلاف الخلاّق. لم ننتم إلى هذا البيت لنرهن حريتنا في الشعر والصداقة والأخوة، ولن نندم إن فقدنا صديقاً آثر أن يستعبدنا باسم الصداقة. ف"لا أحد يندم على الحرية" كما قال شاعر عربي كبير.
ثمة أسئلة ينبغي أن نطرحها ، يمكن لبنيس أن يجيب عنها إن أراد، وإن كنا لا نلحّ في ذلك لأننا نعرف الجواب الحقيقي. مَنْ اقترح فكرة البيت، في البدء، ووجّه الدعوة شفويا لمحمد بنيس ومحمد بنطلحة في لقاء بفضاء الواسطي بالدار البيضاء؟ من أطلق مبادرة المهرجان العالمي للشعر فاسْتخفَّ من اقتراحه وطموح فكرته محمد بنيس أثناء اجتماع للهيأة آنذاك؟ من أثار فكرة اليوم العالمي للشعر، التي سبق وطرحها بيت الشعر في تونبس أولا، واقترح ضرورة طرحها على منظمة اليونسكو؟ من دعّم اقتراح بيت الشعر عندما طالبت اليونسكو بضرورة أن تُدعِّم الحكومة المغربية الاقتراح لأنه - كما قالت المنظمة المذكورة - صادرٌ عن إحدى جمعيات المجتمع المدني؟ أليس الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول ، ومحمد الأشعري وزير الثقافة آنذاك ( الشاعر أولا وأساسا) ؟ أليس الرجلان معا سياسين بامتياز؟ فلماذا نهاجم السياسي،ثم نعتمد عليه ؟من استعمل زملاءه الشعراء في الدورة الأولى للمهرجان العالمي للشعر بالدار البيضاء ونعتهم بكونهم "فريقه" في تغطية نشرتها صحيفة " لوموند" الفرنسية؟ من وصف نفسه بكونه خطّاءً في جلسة محاسبة بالمحمدية ضمّت بعض مؤسسي البيت، فضلا عن الأخت أمامة المنوني، وذلك مباشرة بعد انتهاء الدورة الأولى للمهرجان العالمي للشعر؟ وكيف صيغ بيان الحقيقة حول تلك التغطية ومن ترجمه إلى الفرنسية وأرسله إلى الصحيفة المذكورة؟ وهل نتحدث عما جرى مع الشاعر الفنلندي بِّينْتي هُولابَّا والشاعر المقدوني جلِّيفسكي وغيرهما ممن استضافهم بيت الشعر فلاحقتهم الطلبات الشخصية ؟ ولماذا زار صاحب الرسالة بمعية الشاعر مصطفى النيسابوري الشاعر حسن نجمي في بيته بزنقة طنجة بالرباط؟ ومادامت الرسالة تطرح الجانب القانوني، لماذا قبل بنيس أن يتولّى رئاسة بيت الشعر لولاية ثالثة مع أن القانون الأساسي كان يقضي بصريح العبارة بأن يعاد انتخاب الرئيس لمرة واحدة فقط ؟ ولماذا أجهش بنيس بالبكاء عندما التمس نجمي من الجمع العام للبيت عدم ترشيحه لعضوية الهيأة وقد كان اتحاد كتاب المغرب انتخبه رئيسا له؟ هل كان ذلك من فرط محبة شاعر لشاعر صديق أم فقط لأن نجمي قَبِلَ مع الآخرين التجديد لبنيس لولاية ثالثة ولم يعترض؟ ولا شك أن صاحب الرسالة مازال يذكر عبارة نجمي في ذلك اللقاء: " إن الجمع العام سيد نفسه، والقانون وُجد ليخدمنا لاليستعبدنا!". كما لو بها أُُذِن لبنيس بأن يكون رئيسا مرّة ثالثة شاكرا لصديقه الشاعر " السياسي" الإشارة الكريمة أم أن صاحب " كتاب الحب" يعرف كيف يعلن الحب وكيف يضمر ضدّه في آنٍ؟ ثم ما معنى أن يغادر شخص موقع الرئاسة فيأخذ معه كل أرشيف المؤسسة، وبالأخص منه كل ما يتعلق برسائل وإحداثيات الشعراء الأصدقاء في العالم؟ وغير ذلك من الأسئلة والتفاصيل والأسرار الصغيرة التي تحتاج إلى أكثر من بيان، بل تحتاج إلى حوار مفتوح، مباشر وأمام شهود.
ولأن الرسالة تكلمت لغة القانون والقضاء، نود أن نرفع التحدي ونطالب محمد بنيس بأن يرفع إن شاء دعوى قضائية (ما الذي يمنعه؟) لنعرف هل بإمكانه أن يُدلي بما يؤكد أن له حقّا في هذا البيت قد سُلِبَ منه. إن التلويح أو التهديد بالقانون كما لو أصبح الرّجُلُ سلطة اتهام لا يمكنه أن يخيف أو يزعج أحداً، خصوصا الذين لم يفعلوا غير استعمال القانون الذي نحتَ بنودَهُ الرئيس الأسبق محمد بنيس نَفْسُه عندما حاول أن يجعل البيت على المقاس. لقد فاَتَهُ أن القانون نصٌّ ذو حدَّيْن، ولا يتسع لحماية وتحصين المطامح الشخصية. إن القانون كالشّعر أساسُه وجوهَرهُ دقة الكلمات، فلماذا لم يدقّق النَّحاّتُ في رُخامِ نصّه؟
وإذن، إن خطاب الرسالة يُلزمُ صاحبه، استناداً إلى الحق والجرأة والحرية ، بأن يقبل، أخلاقياً وتاريخياً، الدعوة التي يتوجّه إليه بها بيت الشعر من أجل حوار عمومي مفتوح. فالرسالة تبتغي إشراك الرأي العامّ في تفاصيل تدبير البيت للشأن الشعري والثقافي وتتهم أعضاءه بالاستيلاء على الغنائم والمناصب والأعطيات ! وهذا كلام غير مسؤول، من حق الرأي العام الثقافي والأدبي في المغرب وخارجه على صاحبه أن يوضحه في مكان عمومي، نترك له الحق في أن يختاره بنفسه أو في أي برنامج تلفزي أو إذاعي مغربي أو عربي. وفي حالة قبول الدعوة، سينتدب بيت الشعر في المغرب عضواً من الهيأة قصد الحوار وتقديم المعطيات الكاملة بما فيها منطوق النصوص القانونية والتنظيمية المؤطرة لعملنا في بيت الشعر، التي يبدو أن صاحب الرسالة لم يقرأها أو لم يعرف كيف يقرؤها.
محمد بنيس، لن يتحقّق القصد لأنه غير نظيف. لا أحد يثق في مستقبل وردٍ يشيخ. فاخْرُج من شخصية الظل كي تشُمّ هواءً نقياًّ . ستجدنا دائماً هناك، إخوة وأصدقاء في الشعر كما في الحياة.. إنْ أَردْتَ.
هيأة بيت الشعر في المغرب
الرباط، السبت 30 يناير 2010
التّوقيعات:
- نجيب خداري، رئيس بيت الشعر في المغرب.
- رشيد المومني، نائب رئيس البيت.
- حسن نجمي، عضو الهيأة، الرئيس السابق للبيت.
- عبد الرحمان طنكول، الرئيس الأسبق للبيت
- عزيز أزغاي،كاتب عام بيت الشعر
- مراد القادري، أمين بيت الشعر
- لطيفة المسكيني، عضو هيئة البيت
- خالد بلقاسم، عضو الهيئة
- نبيل منصر، عضو الهيئة
- محمد بوجبيري، عضو الهيئة
- يوسف ناوري،عضو الهيئة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.