كان الملك الراحل الحسن الثاني يعول على فوز بوتفليقة بالانتخابات الجزائرية، من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين والتوصل إلى حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. فبعدما أيقنت الولاياتالمتحدةالأمريكية، في نهاية التسعينات أن خطة التسوية التي اقترحتها الأممالمتحدة للتوصل لحل نهائي لقضية الصحراء، وصلت إلى الطريق المسدود، بسبب الخلافات العميقة بين جبهة البوليساريو والجزائر من جهة، والمغرب من جهة ثانية، حول من يحق لهم التصويت في الاستفتاء، أقنعت الراحل الحسن الثاني بضرورة التفكير في حل سياسي آخر للنزاع، بحسب ما تشير إليه مراسلة من عزيز مكوار السفير المغربي السابق في واشنطن (2002 - 2011).
وتؤكد الوثيقة التي رفعت عنها الولاياتالمتحدةالأمريكية السرية بتاريخ 16 ماي 2017، وتحمل عنوان "تاريخ سياسة الصحراء"، حسب "يا بلادي"، اليوم الجمعة، أن الملك الحسن الثاني كان مشككا في جدوى الاقتراح الأمريكي، لكونه كان لا يثق في أن "الجزائر ستكون مستعدة للمساومة بحسن نية على مثل هذا الحل الوسط".
كما أن أشخاصا معروفين بقربهم من الملك الحسن الثاني على غرار الراحل ادريس البصري، عارضوا بشكل أساسي أي "طريق ثالث" أو حل سياسي للنزاع، بحسب ذات الوثيقة.
لكن الملك الراحل قرر انتظار الانتخابات الرئاسية الجزائرية، "وأعرب عن أمله في أن يعمل بشكل مباشر مع المرشح الأبرز عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان يعتقد أنه هو من سيصبح رئيس البلاد".
وبالفعل وفي السابع والعشرين من شهر أبريل من سنة 1999، أصبح عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجزائر، ليخلف الرئيس اليمين زروال، ويشير كتاب "الأمة والمجتمع والثقافة" لصاحبه جيمس ماكدوغال، إلى أن الحسن الثاني أرسل برقية تهنئة "طويلة إلى الرئيس الجزائري الجديد تحدث فيها عن العلاقات التاريخية بين البلدين وتعاونهما لمحاربة الاستعمار الفرنسي".
وفي رسالة مماثلة وجهها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى العاهل المغربي، تحدث فيها حسب نفس المصدر عن "النضال المشترك ضد فرنسا كأساس لاتحاد محتمل بين البلدين".
وفي 20 يوليوز من سنة 1999 أي قبل أيام قليلة من وفاته، التقى الحسن الثاني مع إدوارد غابرييل الذي عمل سفيرا لواشنطن في المغرب بين سنتي 1997 و2001، وأخبره "أنه توصل إلى اتفاق مع الرئيس بوتفليقة ويعتقد أن حلا على غرار ما تقترحه الولاياتالمتحدةالأمريكية بات ممكنا الآن".
وكان الحسن الثاني قد اتفق مع بوتفليقة على عقد اجتماع بينهما في شتنبر من سنة 1999، إلا أن القدر لم يمهل الملك المغربي كثيرا، إذ غادر الحياة في أواخر شهر يوليوز 1999.
ويشير السفير الأمريكي السابق في المغرب إدوارد غابرييل، في مقال نشره يوم 23 نونبر 2018، إلى حسنة نية الحسن الثاني، حيث يقول "يمكنني أن أشهد شخصياً بتفاؤل الملك الحسن الثاني بأن العلاقات الجزائرية المغربية ستتحسن بشكل ملحوظ بعد انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في أبريل من عام 1999".
وتابع "مات الملك الحسن بعد ثلاثة أشهر، وعلى الرغم من حضور بوتفليقة جنازته ووصف الملك الجديد ب "أخي"، إلا أنه بعد شهرين سيثبت أنه ليس لديه اهتمام كبير بتحسين العلاقات مع المغرب".
وعلى الرغم من وجود عدد قليل من الوثائق التي تؤرخ لنشاط بوتفليقة عندما كان وزيرا لخارجية الجزائر (4 شتنبر 1963 – 8 مارس 1979)، في عهد الرئيسين الراحلين أحمد بن بلة والهواري بومدين، إلا أن بعض المؤرخين والسياسيين تحدثوا عن لقاءات ثنائية جمعت الرجلين.
فحسب ما يشير تقرير لجليل لوناس ونزار مساري، فقد نصح بوتفليقة الذي ازداد بمدينة وجدة، الرئيس الجزائري هواري بومدين، "بدعم الرباط من أجل السيطرة على الصحراء، مقابل موافقة المغرب على معاهدة إفران" التي تخلت بموجبها المملكة عن المطالبة بالصحراء الشرقية.
ويشير المختار ولد داداه الذي يعتبر أول رئيس لموريتانيا في مذكراته إلى أن بوتفليقة زار المغرب في شهر يوليوز من سنة 1975، والتقى بالملك الحسن الثاني، وأصدر الجانبين "بيانا مشتركا، كانت كل كلمة فيه قد تم نقاشها على حدة عدة مرات أثناء صياغته، حتى أن بوتفليقة كان يتصل هاتفيا برئيسه".
وعندما عاد بوتفليقة إلى الجزائر حاملا معه نص البيان الذي ينبغي أن ينشر في العاصمتين في آن واحد، "اتصل شخصيا بالملك الحسن الثاني يطلب إبدال كلمة بأخرى لا أستحضرها، غير أن تغييرها كان بإيعاز من الرئيس بومدين شخصيا، وقد وافق الملك على هذا التغيير في الأخير" بحسب نفس المذكرات.
ويعترف فحوى البيان بحسب ولد داداه "بما تضمنته اتفاقية مدريد الموقعة بعد ذلك بخمسة شهور، فقد أعربت الجزائر عن تخليها صراحة على كل أطماع في الصحراء"، و"تتمنى كما تمنى المغرب تعزيز أسس الأمن والتعاون الذي لا شك أنه سيكون مفيدا لهذه المنطقة الحيوية من المغرب العربي".
لكن الرئيس الجزائري هواري بومدين بعد مدة وجيزة قرر تغيير موقف بلاده، وتنصل مما اتفق عليه وزير خارجيته مع الملك الحسن الثاني.
وفي نونبر من سنة 1975 نظم المغرب المسيرة الخضراء، وفاجأ نجاح هذه المبادرة صناع القرار في الجزائر، وقرروا بعد ذلك مضاعفة دعمهم لجبهة البوليساريو.