تمرّ العلاقات المغربية التونسية بأطول فترات الجمود في تاريخها الحديث، بعد الزلزال الدبلوماسي الذي أحدثه استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة البوليساريو، على هامش القمة اليابانية الإفريقية "تيكاد 8″، سنة 2022، في خطوة لم تكن مجرد سقطة بروتوكولية، بل انعطافة سياسية حملت معها رسائل غير ودية إلى الرباط. لقد مضى أكثر من عامين ونصف العام على هذا الحدث، ولم تصدر عن تونس أي إشارة جدية لرأب الصدع، فيما يبدو أن المغرب ماض في موقفه الصارم، غير عابئ بمحاولات المجاملة المتفرقة التي تصدر من قصر قرطاج.
في الفترة الأخيرة، حاولت تونس بعث رسائل لينة تجاه المغرب، مثل إرسال برقية تعزية في ضحايا حادثة أزيلال، أو تصريحات دبلوماسية باردة لا تحمل موقفا واضحا. لكن هذه الإشارات لم تجد لها صدى في الرباط، التي تدير الأزمة بصمت محسوب، وتتعامل مع الملف وفق قاعدة "لا تصالح بدون تصحيح الأخطاء".
كما أن غياب تهنئة جلالة الملك محمد السادس للرئيس التونسي قيس سعيد بمناسبة عيد استقلال بلاده هذا العام الذي يصادف ال20 من مارس، ليس محض تفصيل عابر، بل مؤشر على أن المغرب لم ينسَ، ولم يغفر، وأن الكرة لا تزال في ملعب تونس. لأن التوتر لم يعد مجرد خلاف سياسي عابر، بل تحوّل إلى أزمة ثقة تحتاج إلى ما هو أكثر من إيماءات رمزية لتجاوزها.
إن الموقف التونسي لا يمكن فهمه بعيدا عن التأثير الجزائري، فالنظام التونسي يعيش أزمة اقتصادية خانقة، وظهر في أكثر من مناسبة وهو يعتمد على دعم الجزائر، سواء في إمدادات الغاز أو في المساعدات المالية غير المعلنة، حيث جعلت هذه العلاقة تونس في موقع أقرب إلى تبني أجندة النظام الجزائري الإقليمية، ولو على حساب توازناتها التقليدية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لتونس أن تتحمل كلفة القطيعة مع المغرب على المدى الطويل؟ وهل يملك قيس سعيد القدرة على لعب دور مستقل في دبلوماسية بلاده، أم أنه اختار الانحياز النهائي إلى الضفة الجزائرية، حتى وإن كان ذلك على حساب علاقات تونس الاستراتيجية مع المغرب والخليج والاتحاد الأوروبي؟
من المؤكد أن تصحيح المسار يتطلب أكثر من برقيات تعزية ومجاملات دبلوماسية، بل يحتاج إلى خطوة واضحة لا لبس فيها، تصحح من خلالها تونس زلاتها تجاه بلد لم يدخر جهدا في دعمها على مختلف المستويات وفي شتى المحطات والأزمنة، في الشدة كما في الرخاء.
إن الرباط، التي تتعامل مع الملف بهدوء وثقة، تدرك أن الزمن الآن في صالحها، في ظل توالي الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وأن الموقف التونسي، حتى لو بدا معاديا اليوم، سيصبح عبئا ثقيلا على قصر قرطاج في المستقبل، عندما تكتشف تونس أن الحياد السلبي لم يعد خيارا متاحا، وهي ترى كيف تداعت أقوى الدول على غرار فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدةالأمريكية لدعم المقترح المغربي في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
ففي النهاية، قد تكون الأزمة بين البلدين مفتوحة على المجهول، لكن المؤكد أن مفتاح الحل ليس في الرباط، بل في قصر قرطاج، حيث يواجه قيس سعيد معضلة الاعتراف بالخطأ، وإيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه، قبل أن يجد نفسه معزولا في زاوية الحسابات الداخلية والخارجية الخاطئة.