بلا مواربة أين هي المعارضة؟ عبد الإله حمدوشي نشر في 6 مارس 2025 الساعة 14 و 00 دقيقة وهنا تبرز البرلمانية ريم شباط، ابنة الزعيم الاستقلالي السابق حميد شباط، التي تبدو وكأنها امتداد لخطاب والدها الشعبوي. صوتها عال، مداخلاتها حادة، لكن مضمونها لا يختلف كثيرا عن الشعارات التي تُقال في التجمعات الانتخابية، أكثر مما تعكس عملا برلمانيا جادا. ورغم أن حضورها يلفت الانتباه في ظل مشهد يغلب عليه التحفظ، فإنها تقدم معارضة فردية قائمة على الإثارة أكثر منها على تقديم البدائل، وهو ما يجعلها مادة إعلامية، لكن دون أثر سياسي يذكر على الحكومة. عبد الإله حمدوشي [email protected]
في الأنظمة الديمقراطية، تعتبر المعارضة هي الميزان الذي يُحقق التوازن في المشهد السياسي. لكن عندنا، تبدو المعارضة البرلمانية كظل لحكومة تتصرف كما يحلو لها، بلا خوف من حساب، وبلا حتى ذلك الحرج الذي كان يصيب الحكومات السابقة وهي تواجه معارضة شرسة، تعرف من أين تؤكل كتف السلطة.
في الولاية الحالية، نشهد واحدة من أكثر الحكومات ارتياحا، ليس لأنها تحقق نجاحات كبرى، ولكن لأن المعارضة التي تواجهها لا تملك الجرأة الكافية ولا الأدوات الفعّالة لخلق متاعب حقيقية لها. فبين أحزاب تبحث عن موطئ قدم في السلطة مستقبلا، وأخرى تكتفي بالفرجة، وفرق برلمانية تبدو وكأنها في ملتقى للتدريب السياسي، لا يمكن أن نتحدث عن معارضة حقيقية بمفهومها الديمقراطي.
حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي يجر وراءه تاريخا حافلا من المعارضة القوية والفاعلة، وجد نفسه معزولا، فلا هو قادر على تشكيل جبهة معارضة، ولا هو ضمن نادي المستفيدين من السلطة. لقد بدا واضحا أنه كان يغازل ثلاثي الحكومة على أمل الظفر بمقعد في التعديل الحكومي الأخير، لكن حين أُسدل الستار على التعديل دون أن يُمنح شيئا، عاد إلى موقع المعارضة، ولكن دون حماس، وكأنه يؤدي دورا فرضته عليه الأقدار.
أما "الحركة الشعبية"، التي بدأ أمينها العام محمد أوزين ولايته على رأس "السنبلة" بمواقف مثيرة للانتباه، فقد تراجع إيقاعه بشكل مفاجئ، وكأن أحدا ما قال له: "خفف السرعة، واضبط الإيقاع!". وهكذا، انتقل الحزب من خطاب يَعِدُ بمعارضة شرسة، إلى أداء عادي لا يكاد يُسمع صداه إلا في لحظات متفرقة.
وسط هذا الركود، برز حزب العدالة والتنمية كمكون معارض مختلف. صحيح أن حجمه البرلماني تقلّص بعد الهزيمة القاسية التي تلقاها في انتخابات 2021، بعدما تحول من أكبر فريق برلماني عرفه المغرب إلى مجرد مجموعة برلمانية غالبيتها نساء، لكنه اليوم يبدو أكثر الأحزاب انسجاما في خطابه المعارض. فهو ينتقد الحكومة بحدة، ويحرجها في قضايا حساسة، ويستفيد من كونه كان في السلطة ليكشف نقاط ضعف التدبير الحكومي الحالي.
لكن مشكلة "البيجيدي" تكمن في أنه على الرغم من حضوره القوي، لا يزال يعاني من إرث عشر سنوات في الحكم، حيث فقد جزءا من شعبيته لدى الناخبين. وبالتالي، فإن تأثيره في الشارع لم يعد كما كان، مما يجعل معارضته داخل البرلمان أكثر تأثيرا على صورة الحكومة، وأقل تأثيرا في خلق موجة شعبية حقيقية ضدها.
في هذا المشهد الضبابي، تظهر بعض الأصوات التي تحاول تعويض ضعف المعارضة بغير قليل من الضجيج. وهنا تبرز البرلمانية ريم شباط، ابنة الزعيم الاستقلالي السابق حميد شباط، التي تبدو وكأنها امتداد لخطاب والدها الشعبوي. صوتها عال، مداخلاتها حادة، لكن مضمونها لا يختلف كثيرا عن الشعارات التي تُقال في التجمعات الانتخابية، أكثر مما تعكس عملا برلمانيا جادا.
ورغم أن حضورها يلفت الانتباه في ظل مشهد يغلب عليه التحفظ، فإنها تقدم معارضة فردية قائمة على الإثارة أكثر منها على تقديم البدائل، وهو ما يجعلها مادة إعلامية، لكن دون أثر سياسي يذكر على الحكومة.
أما حزب التقدم والاشتراكية، الذي يحاول أن يبرز كصوت معارض عاقل، فإن مشكلته المزمنة تكمن في عدم قدرته على التأثير. صحيح أنه حاضر ومتفاعل، لكنه لا يملك الأوراق السياسية المناسبة والصدى الشعبي لجعل الحكومة تحسب له حسابا.
في النهاية، يبدو أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش محظوظ جدا، لأن المعارضة التي يواجهها هي بالضبط النوع الذي تتمناه أي حكومة: معارضة ضعيفة، متفرقة، ترفع شعارات أكثر مما تقدم بدائل، وتكتفي بلعب دور الملاحظ بدل أن تكون فاعلا سياسيا حقيقيا قادرا على قلب الطاولة.
وهكذا، تمر الملفات الثقيلة مرور الكرام، من قانون الإضراب إلى قانون المسطرة الجنائية وغيرهما، وترتفع الأسعار دون مقاومة تُذكر، لأن الذين يُفترض فيهم أن يعترضوا، منشغلون إما بحساباتهم الخاصة، أو بتدبير صراعاتهم الداخلية، أو بممارسة معارضة صوتية لا تزعج أحدا.
إن المعارضة ليست مجرد أصوات مرتفعة في البرلمان، وليست خطابات حادة في وسائل الإعلام، بل هي قدرة على التأثير في القرار السياسي، وتحريك وتأطير الرأي العام، وتقديم البدائل. لكن حين تتحول المعارضة إلى مجرد تمرين شكلي لا هدف له سوى إثبات الوجود على المقاعد المريحة تحت قبة البرلمان وأمام الشاشات، فإن الحكومة ستواصل تدبير الشأن العام كما يحلو لها، دون أن تخشى أحدا، ودون أن تجد من يعترض طريقها بجدية. وهذا، بالضبط، ما يحدث اليوم!