يوم بيوم ترامب.. عالم جديد يناديكم نور الدين مفتاح نشر في 22 يناير 2025 الساعة 11 و 05 دقيقة الذين لا يشعرون أننا إزاء عالم جديد ينادينا للتفكر والتدبر وربما الخوف، سيكونون على موعد مع مفاجآت غير سارة. إننا لم نعد إزاء نوع من الحمائية الترامبية التي تحمل شعار «أمريكا أولا»، ولكننا اليوم إزاء «أمريكا حصرا». والأخطر في هذا التحول العالمي هو أن كل حماقات الرئيس الأمريكي في ولايته الأولى، والتي جعلت مئات الشخصيات السياسية والدبلوماسية والعسكرية في فريق ترامب تغادر احتجاجا، لدرجة أن كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، وهو جنيرال متقاعد، قال للصحافي الشهير بوب وودوارد: «إن ترامب أحمق، لا جدوى من محاولة إقناعه بأي شيء، لقد فقد صوابه، نحن في مدينة المجانين»، كل هذا يُعتبر لاشيء أمام ما يجري اليوم. وهذه الصورة عن ترامب هي التي تفزع العالم، وهي صورة السياسة بمفهومها الجديد، أي أن تكون عندك القوة ولا تكون أمامك أي حدود. هذا يجعل الجميع يهابك، وإلا ستكون النتيجة هي الدمار الشامل. وترامب استعمل هذا في ولايته الأولى، إلا أنه كان محاطا بفريق يفرمله، وهناك تفاصيل كثيرة ومرعبة عن هذا في كتاب «الحرب» لبوب وودوارد، الذي خصصه لترامب قبيل الانتخابات والذي نشرنا صفحاته الساخنة في أحد أعدادنا السابقة. نور الدين مفتاح [email protected]
يضع العالم يده على قلبه مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، حيث سينصب الاثنين القادم لولاية ثانية بعدما خسر الولاية الرئاسية الموالية لصالح الديموقراطي جو بايدن في غمرة تداعيات جائحة كورونا.
وحتى إن كان ترامب قد أرسل إلى العواصم المؤثرة عقب فوزه رسائل طمأنة بأن ولايته ستكون أكثر اعتدالا، إلا أنه قبل أسابيع من تنصيبه خلق الفزع والهلع لدى حلفائه المفترضين قبل خصومه. وهكذا أخرج من جعبته قضية جزيرة غرينلاند ليتحدث بمنطق رجل الصفقات عن ضمها بأي طريقة كانت، الإدماج أو الشراء أو حتى الإلحاق بالقوة.
وغرينلاند هي أكبر جزيرة في العالم، تعادل مساحتها خمس مرات تقريبا مساحة المغرب ولكن لا يسكنها إلا ما يزيد عن خمسين ألف نسمة بقليل، وهي تابعة سياديا للدنمارك لكنها تتمتع بحكم ذاتي. وكان أول رد لرئيس وزراء هذه الجزيرة هو تصريحه أن «غرينلاند ليست للبيع، ولن تكون للبيع».
هذه الجزيرة التي أصبح اسمها الأكثر تداولا في محركات البحث عبر العالم بعدما كانت مغمورة، لها موقع استراتيجي بحيث يمكن أن تقرب الطريق البحري عبر القطب الشمالي لكل من روسياوالصين، وهما منافسان في هذه الرقعة النائية، نظرا لما يحتويه باطن أرضها من ثروات معدنية هائلة.
لقد كان هذا استفزازا كبيرا للاتحاد الأوروبي الذي وجد نفسه عاجزا أمام ترامب الذي لا يخفي نيته في المواجهة مع القارة العجوز، بحيث اكتشف الأوروبيون أن ما كانوا يخافونه من حرب اقتصادية تجاوزها ترامب، ليصل إلى حد التهديد باحتلال جزء من الأراضي التابعة لعضو في الاتحاد. بل إن العلاقات الغامضة والمعقدة لترامب شخصيا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجعل الحرب على أوكرانيا، التي تجري على أرض أوروبية، أقرب إلى حلها بما يرضي الكرملين، وهو ما يهدد استراتيجيا الأمن الأوروبي ويجعل قيادة الغرب في واشنطن لينة مع أعدائها سواء في موسكو أو بيونغ يانغ، ومتشددة مع حلفائها في الحلف الأطلسي. والمرجح جدا هو إيقاف الحرب الروسية على أوكرانيا مع تخلي كييف عن جزء من أراضيها والالتزام بعدم الانضمام لحلف شمال الأطلسي وبهذا يكون بوتين قد خرج منتصرا.
إنه نفس المنطق الذي فاجأ به ترامب العالم مفاجأة اعتبرت أسوأ السيناريوهات في الولاية الثانية لهذا الرجل غريب الأطوار، فقد طالب بدون أن يرف له جفن بضم كندا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما هدد باستعادة قناة بنما الاستراتيجية، مع أن بنما كدولة هي نتاج انقلاب ضد كولومبيا دعمته الولاياتالمتحدةالأمريكية على عهد روزفلت، وظلت القناة تحت السيطرة الأمريكية إلى غاية سنة 1999.
إنه منطق القوة في الحكم وفي العلاقات الدولية، وحلم عودة الإمبراطوريات بالمفهوم الإمبريالي، والذي اعتقدت البشرية أنه ولى إلى غير رجعة. وإذا كانت واشنطن تتواجه عمليا مع الصين وهي قوة لا غبار عليها، ومع روسيا، فإن الأوروبيين اكتشفوا أنهم أضعف بكثير مما كانوا يتصورون، وأن اتحادهم هش، وأنهم بدون جيش موحد، وأن اتحادا من 27 دولة متنافر اجتماعيا واقتصاديا لا يمكن أبدا أن يواجه القوى الثلاث المتصارعة ولا الثور الهائج في البيت الأبيض، ولذلك يعتبر شركاؤنا الأولون نحن في الضفة الجنوبية للمتوسط في أسوأ أيامهم على مستوى السياسة الدولية.
وما زاد طينهم بلة، دخول لاعب جديد إلى جانب ترامب ينطبق عليه المثل المغربي: «ما قدو فيل زادو فيلة». بحيث إن أثرى ملياردير في العالم، إيلون ماسك، أكبر الداعمين لحملة الرئيس الجديد من خلال منصة تويتر التي اشتراها وحولها إلى X يستعمل شخصيا منصته للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، حسب الأوروبيين.
وهكذا تدخل في الانتخابات الألمانية ودعا للتصويت على اليمين المتطرف ممثلا في حزب «البديل من أجل ألمانيا» ومهاجمة حزب العمال في بريطانيا. والنقاش في أوروبا اليوم، مع استثناءات قليلة، كحكومة اليمين في إيطاليا، هو كيف يمكن حجب هذه المنصة إذا ما استمر ماسك في إرسال هذه القنابل السياسية اليومية ضد دول الاتحاد الأوروبي.
الذين لا يشعرون أننا إزاء عالم جديد ينادينا للتفكر والتدبر وربما الخوف، سيكونون على موعد مع مفاجآت غير سارة. إننا لم نعد إزاء نوع من الحمائية الترامبية التي تحمل شعار «أمريكا أولا»، ولكننا اليوم إزاء «أمريكا حصرا». والأخطر في هذا التحول العالمي هو أن كل حماقات الرئيس الأمريكي في ولايته الأولى، والتي جعلت مئات الشخصيات السياسية والدبلوماسية والعسكرية في فريق ترامب تغادر احتجاجا، لدرجة أن كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، وهو جنيرال متقاعد، قال للصحافي الشهير بوب وودوارد: «إن ترامب أحمق، لا جدوى من محاولة إقناعه بأي شيء، لقد فقد صوابه، نحن في مدينة المجانين»، كل هذا يُعتبر لاشيء أمام ما يجري اليوم.
وهذه الصورة عن ترامب هي التي تفزع العالم، وهي صورة السياسة بمفهومها الجديد، أي أن تكون عندك القوة ولا تكون أمامك أي حدود. هذا يجعل الجميع يهابك، وإلا ستكون النتيجة هي الدمار الشامل. وترامب استعمل هذا في ولايته الأولى، إلا أنه كان محاطا بفريق يفرمله، وهناك تفاصيل كثيرة ومرعبة عن هذا في كتاب «الحرب» لبوب وودوارد، الذي خصصه لترامب قبيل الانتخابات والذي نشرنا صفحاته الساخنة في أحد أعدادنا السابقة.
بهذا المنطق تصرف ترامب في الشرق الأوسط واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وحول إليها السفارة الأمريكية واعترف بسيادتها على الجولان السوري. واليوم، وبعدما تعلم الدرس، فقد انتقى فريقا جديدا ها نحن نرى عربون ما سيفعله، من خلال النماذج حول غرينلاند وكنداوبنما والمكسيك والتدخل في الاتحاد الأوروبي. وأما عن الشرق الأوسط فقد عاد إلى ما كان منتظرا منه وهدد الغزيين الذين تعرضوا ويتعرضون لحرب إبادة جماعية باعتراف القضاء الدولي، بأنهم إذا لم يقبلوا باتفاق استسلام فإنهم سيرون الجحيم!!
من حسن حظ المغرب أنه خرج من ولاية ترامب الأولى باعتراف ثمين بالسيادة على صحرائه من طرف البيت الأبيض، والذي يقرأ غلاف عددنا السابق والحالي، سيقف من خلال الوثائق التي رفعت عنها الخارجية الأمريكية السرية على أن الثابت في سياسة واشنطن هو تفضيل المغرب كحليف استراتيجي في المنطقة، واعتبار خلق دويلة في الصحراء متناقضا مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدةالأمريكية. بل إن أمريكا هي التي ساندت المغرب عسكريا في حربه ضد الجزائر التي كانت تخوضها البوليساريو بالوكالة في الصحراء خلال الثمانينيات.
وعموما، ننتظر أن يفعل الاتفاق الثلاثي وتفتح القنصلية الأمريكية في الداخلة وتتدفق الاستثمارات وتكون واشنطن دعامة للمملكة الأطلسية. وكل هذا لا يمكن أن يستقيم إذا كنا في عالم غير مستقر وطبول الحرب تدق في كل مكان، فقد جربت البشرية منطق الغلبة للأقوى وأكل القوي للضعيف في زمن الحروب الإمبراطورية، وإذا عدنا إلى نفس المنطق وفي ترسانة الدول الكبرى الأطنان من الرؤوس النووية، فإننا سنكون متجهين مباشرة نحو النهاية ولا أحد سيفرح حينئذ بما كسب. معنا أو ضدنا، يبقى نموذج دونالد ترامب في السياسة مخيفا جدا، فاللهم استر.