في تشخيص مفصل لما تحقق على مستوى ورش الجهوية المتقدمة بالمغرب، سجل الملك محمد السادس، تقصيرا حكوميا في الأجرأة الفعلية لميثاق اللاتمركز الإداري، وذلك بالرغم من الأهمية الاستراتيجية التي يحظى بها ضمن الدينامية المؤسساتية المواكبة لتنزيل الجهوية المتقدمة.
وعكَست مضامين الرسالة التي وجَّهها الملك إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة، التي افتتحت أشغالها اليوم الجمعة 20 دجنبر الجاري بمدينة طنجة، انزعاجا ملكيا حيال "تأخر غالبية القطاعات الوزارية في التفعيل الحقيقي لورش اللاتمركز الإداري"، علما أن هذا الأخير "يحظى بعناية خاصة من لدن جلالتنا منذ اعتلائنا العرش"، يقول الملك، مضيفا: "فبالرغم من أهميته، إلا أنه لازالت تعتري تنفيذه نقائص، ولا سيما في مجال الاختصاصات ذات الأولوية المتعلقة بالاستثمار".
وفي حديثه عن الآثار السلبية للتأخر الحاصل في وتيرة نقل هذه الاختصاصات إلى المصالح اللاممركزة؛ أشار الملك ضمن الرسالة التي تلاها وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أمام المشاركين في أشغال المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة، إلى "تعقيد الإجراءات الإدارية للاستثمار، وعدم تمكين المستثمرين من إنجازها في ظروف ملائمة".
في هذا الصدد، أكدت الرسالة الملكية أن البعد الاستراتيجي لمسار الجهوية المتقدمة، يقتضي المزيد من انخراط كافة الفاعلين في مسلسل للتشاور والحوار البناء، بما ينسجم مع منطق التدرج والتطور في التنزيل الكامل لهذا الورش، خاصة فيما يتعلق بتدقيق وتحديد وتملك الاختصاصات وممارستها بشكل فعال، من أجل رفع التحديات التي أفرزتها الممارسة العملية.
إلى ذلك، دعا الملك إلى مواصلة الجهود لمواجهة مختلف التحديات الراهنة والمستقبلية التي يطرحها هذا الورش المهيكل، مستعرضا سبع تحديات كبرى تواجهه، أبرزها؛ الأجرأة الفعلية للميثاق الوطني للاتمركز الإداري، تدقيق وتفعيل اختصاصات الجماعات الترابية لاسيما منها المجالس الجهوية، ثم ربط المسؤولية بالمحاسبة في مجال تدبير الشأن الترابي والارتقاء بجاذبية المجالات الترابية لجذب الاستثمار المنتج.
كما أوصى الملك بتبني مقاربة أكثر مرونة وتفاعلية في التخطيط الجهوي، تتجاوز تمسك الجهات ببرامج عمل تفتقر للمرونة، نحو المبادرة إلى تعزيز قدراتها على الاستباق والتكيف والتعلم المستمر، خاصة وأن الجهات المغربية، تشدد الرسالة الملكية "قادرة على بناء مجالات ترابية أكثر قدرة على مواجهة التغيرات والصمود في وجه الأزمات، وعلى مجابهة التحديات الراهنة والمستقبلية، إذا ما قامت بإدماج استراتيجية تدبير المخاطر على نحو كامل ضمن برامجها التنموية. فذلك رهان أساسي من أجل ضمان تنمية مستدامة وشاملة لمجموع ربوع المملكة".
على صعيد آخر، لفت ملك البلاد إلى أن أن تدبير أزمة الإجهاد المائي، وتطوير منظومة النقل والتنقل، والانخراط في مسار التحول الرقمي، إشكالات ضمن أخرى تواجهها الجهات والجماعات الترابية.
وبحسب تصور الملك فإن "تدبير أزمة الإجهاد المائي، وتطوير منظومة النقل والتنقل، والانخراط في مسار التحول الرقمي، يشكل أحد الإشكاليات والمخاطر التي تعيق جهود التنمية بجهات مملكتنا العزيزة، والتي يجب مواجهتها والتغلب عليها"، مبرزا أن "الأمر لا يقتصر على توفير التجهيزات المائية فحسب، رغم أهميتها، بل يتعداه إلى ضرورة إرساء حكامة مائية لتعزيز المقاربة المندمجة للسياسة العمومية في مجال الماء".
ومضى الملك مفسرا أن مواجهة الإجهاد المائي "تعتبر مدخلا أساسيا للتنمية الترابية المستدامة"، داعيا الجهات وباقي الجماعات الترابية، كل حسب اختصاصاته، الذاتية والمشتركة، بمعية باقي المتدخلين في هذا القطاع الحيوي، لإطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا في إطار استراتيجية وطنية لاقتصاد الماء بتراب الجهة، والعمل على المساهمة في تنزيلها عبر تدابير إجرائية فعالة.
أما بخصوص تطوير منظومة النقل والتنقل لتحقيق التنمية الجهوية المندمجة، فأشار عاهل البلاد إلى أن هذا القطاع سيعرف خلال السنوات القليلة المقبلة تطورا بوتيرة متسارعة، وهو ما يعزى إلى "الدينامية المتنامية لمكانة بلادنا كقطب جهوي جاذب للاستثمارات، وللأوراش الكبرى التي تم إطلاقها في إطار استعدادات بلادنا لتنظيم كأس العالم 2030".
وفي هذا الإطار، دعا الملك إلى تطوير منظومة للنقل، تتمتع بالشمولية والاستدامة، من أجل تحقيق التنمية الترابية المندمجة، بما يمكن من تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية على المستوى الترابي.