دائما، وفي أي صراع سياسي عسكري داخل بلدان المنطقة أو خارجها، نجد الخارجية المغربية تتحزم برزمة من المبادئ الدبلوماسية الرزينة، لإدارة الأزمات البعيدة عن حدودها وفق رؤية إستراتيجية حقيقية، بعيدة عن الاصطفافات السياسية أو الانحيازات غير المبدئية، وهو ما يخول لها مساحة مهمة لبسط خطتها السلمية لإعادة التوازنات الإقليمية، بصفتها الوسيط المحايد بين الأطراف المتنازعة.
ولتأكيد ما سبق، نعود بعقارب الساعة إلى الوراء للبحث عن الخيط الرفيع الذي تملكه الخارجية المغربية لبناء مواقفها من الصراعات السياسية والنزاعات الثنائية الإقليمية، حيث دائما ما تحاول دبلوماسية المغرب ضمان "حقوق الشعوب" كأساس للاستقرار، والاعتماد على الحلول السياسية كوسيلة أساسية لمعالجة الأزمات، بهدف ضمان "العدالة الاجتماعية" والتنزيل السليم لمواثيق حقوق الإنسان.
وعبرت الخارجية المغربية عن مواقفها من التطورات المتسارعة بسوريا، حيث أكد ناصر بوريطة أن "المغرب يأمل في أن تجلب هذه التطورات الاستقرار للشعب السوري وما يحقق له تطلعاته"، مشيرا إلى أن "المغرب كانت مواقفه، بتعليمات من الملك محمد السادس، دائما مع الحفاظ على الوحدة الترابية لسوريا والسيادة الوطنية لهذا البلد ووحدة الشعب السوري"، مضيفا أن "هذه المواقف ثابتة للمملكة المغربية".
وفي سياق متصل، سبق وأن أعربت الدبلوماسية المغربية عن تضامنها مع دولة السودان خلال المعركة المسلحة التي دارت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع"، مشددة على ضرورة "إيجاد حل توافقي بين الأطراف السودانية والدخول في حوار بناء للوصول إلى سلام مستدام ينعم فيه الشعب السوداني الشقيق بالأمن والاستقرار والرخاء"، مجددة دعوة الرباط إلى "احتواء الأزمة في إطارها الوطني، ومنع التدخلات الخارجية في شؤون أبناء البلد الواحد".
وفي خطاب الذكرى 25 لعيد العرش، أكد الملك محمد السادس مرة أخرى ثبات الموقف المغربي المؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، والمسؤولية التاريخية للمملكة التي تؤهلها لأن تلعب دور "الوسيط الموثوق" في هذا الصراع، مشددا على "مواصلة المغرب دعم المبادرات البناءة، التي تهدف لإيجاد حلول عملية، لتحقيق وقف ملموس ودائم لإطلاق النار، ومعالجة الوضع الإنساني".
وأشار ملك المغرب في الخطاب إلى أن "اعتماد المفاوضات لإحياء عملية السلام، بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، يتطلب قطع الطريق على المتطرفين من أي جهة كانوا"، مضيفا أن إحلال الأمن في المنطقة برمتها "لن يكتمل إلا في إطار حل الدولتين، تكون فيه غزة جزءا لا يتجزأ من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية".
وفي هذا الصدد، اعتبر هشام معتضد، مستشار في الشؤون السياسية، أن "الدبلوماسية المغربية نموذج فريد لإدارة الأزمات السياسية في عالم يشهد تعقيدا متزايدا في العلاقات الدولية، مسترشدة بمبادئ ثابتة ونظريات إستراتيجية حديثة"، مبرزا أن "الدبلوماسية المغربية تتعامل بحكمة مع الدول التي تمر بأزمات سياسية أو انهيار للنظم، مستندة إلى رؤية تجمع بين الواقعية السياسية والالتزام بالمبادئ الأخلاقية".
وأوضح معتضد، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "الدبلوماسية المغربية تؤمن بنظرية التوازن الواقعي، حيث تشدد على ضرورة اعتماد الحلول السياسية كوسيلة أساسية لمعالجة الأزمات".
وتابع أن "هذا النهج يعكس إيمان المغرب بأن العنف والصراع المسلح لا يمكن أن يكونا وسيلة لتحقيق الاستقرار، بل يؤديان إلى تعميق الأزمات"، مضيفا أنه "من خلال تقديم نفسه كوسيط محايد، يسعى المغرب إلى تحقيق تسويات سلمية طويلة الأمد بين الأطراف المتنازعة".
واعتبر المتحدث عينه أن "الدبلوماسية المغربية في هذا السياق تستند إلى نظرية الشرعية السياسية التي تربط بين استقرار الأنظمة واحترام حقوق الشعوب"، مسجلا أن "المغرب يدعم بشكل واضح كل الحلول التي تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، مع تأكيده أن أي حل سياسي لا يأخذ بعين الاعتبار تطلعات الشعوب يُعد قاصراً وغير مستدام".
وأشار المستشار الاستراتيجي والأمني إلى أن "المغرب يرتكز على مبدأ عدم الانحياز الواقعي، حيث يحرص على البقاء محايداً في النزاعات الداخلية دون الانخراط في الاصطفافات السياسية"، موضحا أن "هذا الحياد الإيجابي يعزز مصداقية المغرب كوسيط موثوق ويمنحه مساحة للعمل الدبلوماسي البنّاء الذي يهدف إلى بناء جسور الثقة بين الأطراف المتنازعة".
"يتماشى هذا المبدأ مع نظرية السيادة المطلقة للدول التي تشدد على أهمية احترام استقلال الدول ووحدة أراضيها"، يضيف المتحدث، لافتا إلى أن "الدبلوماسية المغربية تؤكد بشكل مستمر على ضرورة صون سيادة الدول كشرط أساسي لأي تسوية سياسية، مع رفض كل أشكال التدخل الخارجي التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار".
ويرى معتضد، أن "المغرب يعتمد على نظرية التنمية المتكاملة، حيث لا يقتصر دوره على الجانب السياسي فقط، بل يسعى لتقديم حلول تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للأزمات"، مردفا: "من خلال دعم مشاريع تنموية وإعادة بناء المؤسسات، يسهم المغرب في تحقيق استقرار شامل يراعي حاجات الدول المتضررة".
وأوضح أن "المغرب يؤمن بنظرية التعاون الجماعي التي ترى أن مواجهة الأزمات تتطلب تنسيقاً على المستوى الدولي والإقليمي. لذلك، يعمل المغرب على بناء شراكات استراتيجية مع المنظمات الدولية والجهات الفاعلة لدعم جهود الوساطة وتحقيق التوافق بين الأطراف المختلفة".
وسجل أن "المغرب يرتكز على نظرية الدبلوماسية الإنسانية، حيث يقدم مساعدات إنسانية ملموسة للدول المتأثرة بالأزمات"، مضيفا أن "هذا النهج يعكس رؤية المغرب المتكاملة التي تجمع بين الحلول السياسية والدعم الميداني لتعزيز الاستقرار والحد من معاناة الشعوب".
وزاد أن "الدور المغربي يرتبط أيضاً بنظرية الدبلوماسية الوقائية، حيث يسعى إلى منع تصعيد النزاعات من خلال المبادرة بتقديم مقترحات تسوية مبكرة"، مسجلا أن "هذا الدور الفاعل يعزز مكانة المغرب كقوة دبلوماسية مسؤولة تسعى لضمان الاستقرار والسلام العالميين".
وخلص معتضد، قائلا: "أظن أنه بهذه المبادئ المتعددة الأبعاد، تثبت الدبلوماسية المغربية أنها ليست فقط أداة لمعالجة الأزمات، بل أيضا نموذجا للرؤية الإستراتيجية التي تجمع بين الالتزام بالقيم الإنسانية واحترام القوانين الدولية".