توصلت جريدة "الأيام 24" بنسخة من الحلقة الرابعة من الرسالة البحثية التي أنجزها العلمي الحروني، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، التي تتمحور حول "الأطروحات الفكرية من القضية الفلسطينية، ومن حرب غزة على الخصوص، الفلاسفة نموذجا".
صدر بيان بعنوان "بيان الفلاسفة العرب – من أجل فلسطين" يوم 19 يناير 2024، ولم يتضمن ذكر أسماء الفلاسفة العرب المتبنين له، وكان مذيلا بتوقيع "وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية" في "المعهد العالمي للتجديد العربي"، فاعتبر الحروني أن هكذا إصدار في العالم العربي، يعد حدثًا مميزًا يستحق الوقوف عنده.
وأكد العلمي الحروني أنه من الإيجابي أن يكون للفلاسفة بالمنطقة العربية والاسلامية موقف جماعي مؤسساتي، في المجال العام، مرتبط بقضايا ملموسة وراهنة في الواقع الداخلي وفي المحيط، لكون صوت المفكرين إما لا يسمع، أو لا تسمح به الأنظمة الرجعية أصلا سوى إن كان موجهًا إلى الخارجٍ، ولا يمس القوى والسلطات المهيمنة في الداخل.
وأبرز الحروني أن تهمة الانعزال في البرج العاجي المشهور، أو الكهف الأفلاطوني لصيقة بالمثقفين بالمنطقة، لذلك يجد الصوت الفلسفي بالمنطقة أهمية مضاعفةً، خاصة إذا كان كاشفا وموضوعيا وعقلانيا ومنصفا، معرفيّا وأخلاقيا وأيديولوجيا، متسائلا، فهل نجح هذا الصوت في مسعاه؟ وإلى أي مدى؟ وما المراجعة النقدية لتلك المحاولة؟
وأضاف عضو الاشتراكي الموحد أن بيان الفلاسفة العرب يعلن عن موقف صريحٍ وجلي مما يحدث في غزة حاليا بعد طوفان الأقصى، فلم يتردد في تسمية الأشياء بمسمياتها، فيما يتعلق بإجرام الاحتلال الإسرائيلي، ومسؤولية العالم الغربي الداعم له من جهة، وبمحاولات بعض فلاسفة هذا العالم تبرير والتماس الأعذار لذلك الاحتلال والإجرام.
ووفقا لقراءة الحروني، فقد تضمن البيان انتقادا خاصا ل"بيان التضامن" المساند لإسرائيل، الذي قاده هابرماس، ويبدو نص بيان الفلاسفة العرب متأثرًا ، ويمثِّل رد فعلٍ مباشرٍ عليه، بقدر ما هو متأثرٌ بجرائم الهجوم الإسرائيلي على غزة، ويمثل رد فعلٍ مباشرٍ على ذاك الهجوم.
وفي السياق ذاته، يرى المتحدث نفسه أن هناك مغالاة في ردود الفعل، وفي التعميمات المجحفة في النقد الموجه للفلسفة الغربية، وتجدر الإشارة، على سبيل المثال، لحديث الفيلسوف والناقد الثقافي الإيراني الأمريكي، حميد دباشي، بالقول بأن "حرب غزة كشفت الإفلاس الأخلاقي للفلسفة الغربية"
وأشار بيان الفلاسفة العرب إلى أن "نظرةً استعلائيةً تمييزيةً عنصريةً، لا تزال تحكُمُ ذهنيَّةَ بعض فلاسفة الدول الكبرى الغربية، تجاه الإنسان عمومًا"، والقول أيضا ب "تناقضات بعض فلاسفة الغرب وتصريحاتهم ومواقفهم العلنية بخصوص القضية الفلسطينية".
وحسب الحروني، فقد كان حريا بالبيان عدم الاقتصار على نقد المؤيدين للعدوان الإسرائيلي، بل الإشارة والإشادة بالرأي المناقض لهذا الرأي، لكونه يفوق أهمية وقيمة كما وكيفا في الدعم والمساندة والاستنكار للعدوان الصهيوني، إذ هناك آلاف الفلاسفة الغربيين وغيرهم، بل والإسرائليين، الداعمين للقضية، من خلال بيانات ومقالات ونصوص وخطابات وكلمات ألقوها في عديدٍ من المناسبات، وحوارات فكرية وإعلامية كذلك.
وكان حريّا الأخذ في الحسبان كل ذاك الزخم الايجابي، والتنويه والإبتعاد عن ردود الأفعال، والتحيز الأيديولوجي والعرقي، والإلتزام بالرؤية المبدئية الشاملة، والمتوازنة والمنصفة، حفاظا على التناسب، والملاءمة مع مقتضيات ونسبية وطبيعة الخطاب الفلسفي.
إن الواقع الملموس يفيد، بوضوح وجلاء أن لا حاجة إلى المغالاة في هذا الجدل الفلسفي، إذ لا حاجة لتنزيه الحق الفلسطيني، وجعله مطلقا لكفاية قوته بأبعادها الأخلاقية والمعرفية والقانونية، كما أن باطل الاحتلال الإسرائيلي واضح للعيان.
وأشار السياسي إلى أن أصوات المفكرين والفلاسفة اليهود هي أكثر الأصوات المنتقدة للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه ، وأكبرها أهميةً قيمة وتأثيرا في ألمانيا وبعموم الدول الغربية، في هذا السياق، يأتي الموقف البارز للفيلسوفة اليهودية " جوديث بتلر"، كأول الأصوات الفلسفية الناقدة للجرائم الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة، والمبرزة للحقوق الفلسطينية المغتصبة أو المقموعة.
وأوضح الحروني أن ردود أفعال " الفلاسفة العرب" اتسمت بكثير من التعميم المجحف في حق ألمانيا والغرب عمومًا من جهةٍ، والفلسفة الغربية وقيم التنوير، من جهةٍ أخرى، وهذا التعميم يجب مراجعته وتجنبه قدر المستطاع، لكونه غير متلائم مع ضرورة الحوار الفكري، وطرح الأفكار، والحجج بشكل منطقي.
ومعظم المهتمين العرب، والبلدان الاسلامية يفسرون "التحيز الغربي" لإسرائيل، وأسباب الإنحياز الألماني الأعمى منه، خصوصًا بتبني مقولة "الغرب غرب، والشرق شرق، ولن يلتقيا أبدا"، أو برؤية الصراع بعيونٍ دينيةٍ بين المسلمين واليهود، أو المسيحيين أو "الغرب الكافر".
وبالرغم من ذلك، فإن العديد من القوى الغربية، السياسية والمجتمعية، بمختلف الدول الغربية بالمفهوم الثقافي الواسع، تبنت موقفًا متوازنًا ومنصفًا تجاه الفلسطينيين وقضيتهم ومعاناتهم، وبالفعل تصاعدت حدة الأصوات الألمانية المنتقدة بقوة للموقف الألماني الرسمي مما حصل في السابع من أكتوبر وما بعده، بل إن أبرز وأقوى الأصوات المنتقدة للممارسات الإسرائيلية، وللدعم الغربي هي الأصوات اليهودية.