بعد محاولات فاشلة للضغط الاقتصادي على مدريد لدفعها لتغيير موقفها الداعم للرباط في قضية الصحراء المغربية، ارتات الجزائر استعادة علاقاتها التجارية مع إسبانيا، بعدما اختلت موازين اقتصادها الوطني، بسبب إيقاف اتفاقية الصداقة والتعاون الثنائية، التي كانت تشمل اتفاقيات تجارية، لتبدأ بعض الشركات الإسبانية في العودة بنحو تدريجي إلى السوق الجزائرية.
ويتعلق الأمر، وفقا لصحيفة "هيرالدو" الإسبانية، بشركتين إسبانيتين رائدتين، "Saica" المتخصصة في صناعة الورق والتغليف، و "IQE" التي تعمل في مجال الكيميائيات والصناعات التحويلية.
ويرى بعض متتبعي الشأن السياسي، أن الجزائر أدركت أن ورقة الضغط التي تستخدمها لمضايقة الدول المناصرة لمغربية الصحراء، لم ولن تحقق أي مكسب، لاسيما وأن إسبانيا ظلت ملتزمة بمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، في الوقت الذي قررت فيه الجزائر سحب سفيرها من مدريد سنة 2022، وقطع علاقاتها التجارية مع البلاد، مما أثر على اقتصادها الداخلي، وهو ما جعلها تتريث مع الجانب الفرنسي، لتفادي الوقوع في الخطإ نفسه، في سياق القرار التاريخي لباريس بالاعتراف بمغربية الصحراء.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي خالد البكاري، إن "العديد من الدول تلجأ إلى سلاح المبادلات الاقتصادية، واللجوء إليه ليس غريبا في وقت التوترات البينية بين الدول، باعتباره أداة ضغط اقتصادية، لتحصيل مكاسب دبلوماسية، غير أن أغلب الدول لا تصرح بذلك، بخلاف الجزائر التي تعد من الدول التي تصرح علنا بلجوئها إلى هذا السلاح، مادامت تتبنى سياسة الدبلوماسية الخشنة في المقام الأول".
وأضاف البكاري، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه يمكن العودة إلى سنة 2020، حين طالبت الجزائر من الاتحاد الأوروبي بتعديل الاتفاقيات التجارية، باعتبارها وقعت في الوقت الذي كانت تتعافى فيه الجزائر من آثار العشرية السوداء، وكانت ترسي سياسة ما سماه بوتفليقة بميثاق السلم والمصالحة، وبالتالي كان تبرير السلطات الجزائرية لطلب تعديل الاتفاقيات كونها كانت مجحفة لمصالح الجزائر، وأنه تم استغلال ظروف خاصة كانت تمر بها الجزائر لفرض شروط أصبحت متجاوزة بعد ذلك.
وتابع المحلل السياسي، أن هذا يجرنا للحديث عن أن الجزائر تستعمل سلاح المبادلات التجارية والاقتصادية، ليس فقط ضد إسبانيا وفرنسا في علاقتهما بملف الصحراء المغربية، وهذا ثابت، بل ضد مجموع الاتحاد الأوروبي، سواء ككتلة أو كدول منفردة، ويمكن العودة إلى الشروط السياسية التي حاولت فرضها بعد أزمة الغاز في أوروبا، عند اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وارتباطا بالموضوع، سجل البكاري، أن الحكم الجزائري في السنوات الأخيرة، يسعى لتخفيض مستوى تعاملاته التجارية مع أوروبا، لصالح رفع تعاملاته مع تركيا والصين ودول "البريكس"، وذلك بسبب أن هذه الدول لا تقيد هذه التعاملات باشتراطات سياسية، متعلقة بالسياسة الخارجية، ولا باشتراطات حقوقية مرتبطة بالحريات.
وعن رفع "الفيتو" عن المبادلات التجارية والاستثمارات مع إسبانيا مؤخرا، اعتبر المحلل السياسي أن الأمر لا برتبط بفشل الضغط على إسبانيا لتعديل موقفها من ملف الصحراء فقط، لأنه في الحقيقة، الجزائر لها بدائل أخرى عن السوق الإسبانية، بل لمناكفة فرنسا بسبب موقفها الأخير، وهنا يجب أن نستحضر أن القيمة السياسية للموقف الفرنسي أعلى من الموقف الإسباني.
وتابع البكاري، موضحا أن الموقف الفرنسي أكثر وضوحا في الاعتراف بمغربية الصحراء من الموقف الإسباني، مشيرا إلى أن فرنسا هي القوة الأولى إلى جانب ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، ولأنها صاحبة مقعد دائم في مجلس الأمن، ولأن الموقف الفرنسي لم يكن عليه اعتراض من طرف القوى السياسية الرئيسية، سواء من اليمين، أو اليسار أو الوسط، بخلاف موقف بيدرو سانشيز، الذي كانت عليه اعتراضات داخل البرلمان الإسباني حين مناقشته، بل إن أطرافا داخل الحزب الاشتراكي العمالي نفسه صرحت باعتراضها عليه، ولو أنها أصوات قليلة.
وأضاف المحلل السياسي أن الجزائر ستحاول استثمار هذا المستجد، لمحاولة جر إسبانيا إلى الاقتراب سياسيا منها، خصوصا أن إسبانيا فقدت موقعها كشريك أول للمغرب اقتصاديا واستثماريا، بعودة فرنسا إلى ذلك الموقع الذي كان شبه محجوز لها تاريخيا، ومن المحتمل أن يتعمق أكثر بعد الاتفاقيات الأخيرة الموقعة، مما يصعب على إسبانيا اللحاق بها.
وخلص البكاري، إلى أن "الجزائر تقدم لإسبانيا ما يشبه الإغراء، لاستعادة ما يحتمل أن تخسره في المغرب، ولكن طبعا ستقدم اشتراطات سياسية متعلقة بالموقف في قضية الصحراء".