بعد مرور سنة على إعفاء العاهل المغربي، محمد السادس، للأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية"، عبد الإله بنكيران (64 عاما)، من تشكيل الحكومة، وتعيين سعد الدين العثماني (62 عاما) خلفا له، ما زال الحزب الإسلامي، الذي يقود الائتلاف الحاكم، يعيش تداعيات "القرار"، الذي وجه "ضربة موجعة للحزب"، كما وصفه بنكيران نفسه. منذ تاريخ الإعفاء، في 17 مارس 2017، جرت مياه كثيرة تحت جسر الحزب، حيث شهد إحدى أكبر الأزمات في تاريخه، بعد تصاعد حدة الخلاف بين قياداته حول قراءة الحزب للحظة السياسية التي تعيشها المملكة، والنتائج التي أدت إليها.
وتزايدت الهوة اتساعا بين الإخوة المختلفين في "العدالة والتنمية"، قبل محطة المؤتمر الوطني الثامن، الذي انتخب في العاشر من ديسمبر 2017، العثماني، رئيس الحكومة، أمينا عاما للحزب، خلفا لبنكيران، الذي لم ينجح المطالبون بتمكينه من ولاية ثالثة على رأس الحزب في بلوغ مبتغاهم، بعد سلسلة معارك ومحاولات داخل مؤسسات الحزب باءت بالفشل.
هذا الحدث اعتبره مراقبون استهدافا مباشرا للحزب وزعيمه، الذي رفض الاستسلام، وقاوم الضغوط طيلة مرحلة قيادته للحكومة، كأول إسلامي في تاريخ المغرب يتولى هذا المنصب.
وبعد مرور عام ما زال الحزب لم يتعاف تماما من ضربة الإعفاء، ويواصل إحصاء الخسائر الناجمة عن ذهاب بنكيران، الذي لم يكن يتوقعه غالبية قادة الحزب.
ومما زاد من الخلافات داخل الحزب هو أن العثماني أشرك في حكومته أحزابا كان بنكيران قد رفض مشاركتها في حكومته، وحملها مسؤولية تعثر تشكيل الحكومة، على مدار خمسة أشهر.
بداية من سنة 2008 شغل بنكيران منصب الأمين العام للحزب لولايتين متتاليتين، قبل أن يرفض المجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب)، تعديلات على قانونه الداخلي تسمح له بالترشح لولاية ثالثة، أواخر العام الماضي.
قاد بنكيران "العدالة والتنمية"، للمرة الأولى في تاريخه، عام 2011، إلى تصدر الانتخابات البرلمانية، وبينما تراجعت أسهم الإسلاميين في المنطقة، تحت وطأة التحركات المناهضة لثورات "الربيع العربي"، تمكن الحزب من تصدر انتخابات 2016، ما جعل بنكيران رقما صعبا في المعادلة السياسية بالمملكة.
وبين عامي 2011 و2017، تولى بنكيران رئاسة للحكومة، قبل أن يتم إعفاؤه من جانب العاهل المغربي، عقب تعثر تشكيله لحكومة جديدة، بعد تصدر حزبه نتائج انتخابات مجلس النواب، التي أجريت في أكتوبر 2016 . زعزعة وحدة الحزب
وفق المؤرخ والمحلل السياسي المغربي، المعطي بمنجب، فإن "حزب العدالة والتنمية تكبد مجموعة من الخسائر، نتيجة قرار إعفاء الملك لبنكيران".
وأضاف منجب، في حديث للأناضول، أن "العدالة والتنمية خسر صوت بنكيران القوي والصريح في ما يخص الأوضاع السياسية بالبلاد، كما تزعزعت وحدة الحزب بعد إبعاده".
وتابع أن "خطاب بنكيران، الذي كانت تجتمع حوله جماهير الحزب، كان يمثل نقطة قوة، ويرمز إلى الوحدة.. معارضة هذا الخطاب كانت موجودة، لكن دون صخب، ومن طرف قلة من القيادة آنذاك".
وشدد على أنه "كان للحزب خلال مرحلة بنكيران حضورا واضحا على مستوى الرأي العام، وقوة تمثيلية بارزة في الحضور والخطاب، وقد خسر العدالة والتنمية دعم فئات واسعة من المغاربة بعد مرحلة بنكيران".
وحذر منجب من أن "استمرار تهميش بنكيران على المستوى الإعلامي والتواصلي مع الرأي العام سيضعف الحضور الشعبي والانتخابي لحزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة".
عودة إلى حظة التأسيس
على عكس ما ذهب إليه المعطي منجب في تحليله، اعتبر المحلل السياسي، الأستاذ في جامعة محمد الخامس بالرباط، منار السليمي، أن "حزب العدالة والتنمية لم يخسر شيئا بعد إبعاد بنكيران، وإنما عاد إلى المسار الذي كان فيه عند لحظة التأسيس".
ومضى السليمي قائلا، في حديث للأناضول، إن "الحزب كان في البداية يشتغل بشكل ديمقراطي، فإذا به يسقط في مسألة الشخصانية والزعامة".
ورأى أن أن "هذا المسار كان يسير عكس تاريخ الأحزاب المغربية، التي بدأت تاريخها بالزعامات الكاريزماتية وانتهت إلى مشاكل عديدة، قبل أن تتخلى عن فكرة الزعامة وتلتزم على الأقل ببعض أدوات الديمقراطية".
وأضاف أن الخسارة "موجودة في الجانب العاطفي والسيكولوجي للعديد من القواعد المرتبطة بالحزب، التي أصبحت تعيش على الفطام على شخصانية الزعيم". خسائر للدولة من داخل حزب العدالة والتنمية، قال عبد العزيز أفتاتي، القيادي في الحزب، عضو مجلسه الوطني، إن "إبعاد بنكيران جزء من الضريبة التي أداها الحزب، نتيجة الإصرار الذي لحق عملية الإصلاح في البلاد، على يد المقامرين والمغامرين، الذين يريدون وضع اليد على البلد، كما كان في السابق".
وتابع أفتاتي بقوله، في تصريح للأناضول، إن "إعفاء بنكيران ليس خسارة لحزب العدالة والتنمية، لأنه لا يفكر بمنطق القبيلة والطائفة أو الجماعة، وليست له مصالح ونافذين أو جماعات ضغط".
وأردف أن "بنكيران قاد عملية الإصلاح بتجرد ونزاهة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وإبعاده يشكل خسارة للدولة أكثر من الحزب".
وشدد أفتاتي على أن "حزب العدالة والتنمية ينبغي أن يبقى محافظا على رسالة الإصلاح ومواجهة الفساد والاستبداد كما كان الحال مع بنكيران، وإلا سيكون حزبا فاشلا".