تعيش الجزائر منذ أن طرح المغرب مقترح الحكم الذاتي كحل سياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، الاكتئاب الدبلوماسي، ولم تكن العلاقة بين الجزائر والرباط يوماً هادئة، حيث لم يتوانى نظام كازيرنات بن عكنون أن يشير بأصابع الاتهام إلى جاره المغرب، وتعكس اتهاماته الباطلة، الفوضى الحالية للنظام الجزائري واندفاعه المتهور، لإخفاء الهزيمة الدبلوماسية اللاذعة أمام المغرب، في مناوراته الدنيئة والعدائية ومضاعفة الاستفزازات، للوحدة الترابية للمغرب، مع أداته جبهة البوليساريو ككيان مصطنع يؤمّن للجزائر ممرا إلى المحيط الأطلسي على حساب المغرب ووحدة أراضيه. لنصف قرن، لزعزعة استقرار منطقة شمال إفريقيا. فالنظام الجزائري يعيش عقدة اسمها المغرب أي الماروكوفوبيا، بمعاداته للوحدة الترابية للمغرب في نزاع مفتعل حول الصحراء المغربية، يعرف جيدا أنها مغربية، لأنه لم يستطع الخروج من اللغة الخشبية، ولا يزال يعيش في الحقبة السوفياتية البائدة والحرب الباردة المغرب يواصل بمقترح الحكم الذاتي، بجذب المزيد والمزيد من دعم المجتمع الدولي، لحقوقه السيادية والتاريخية والواقعية على صحرائه، والتي لا يمكن وضعها في أي إطار تفاوض؛ وكذا من خلال مجلس الأمن، بقراره 2756، وهو حل اعتبره واقعي وعملي. ومنذ اعتماد القرار 2448 عام 2018، ظل مجلس الأمن ثابتًا على موقفه هذا. وبعد أن سلط الملك محمد السادس الضوء على الزخم الدولي المتزايد الداعم للسيادة المغربية على الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وذو مصداقية للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء، بدعم من القوى الإقليمية والعالمية، كحقيقة ملموسة لا رجعة فيها. ميز جلالته بين عالمين: أحدهما ديناميكي ومؤيد للقضية المغربية، والآخر متجمد وغير قادر على الاعتراف بتطور الحقائق. ومنفصل عن الحقيقة مازال يعيش في عالم آخر على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن. هذه الكيانات المعادية للمصالح المغربية، مازالت تراكم شيخوخة سياسية بيولوجية، تغذت ظروفها بالحرب الباردة، وتجتر أوهام ماضوية، عمرها البيولوجي توقف بانهيار حلف وارسو وسقوط جدار برلين، يختلف عن العمر الزمني الواقعي. فالإكتئاب الدبلوماسي للنظام العسكري الجزائري، من تداعيات استثماره في "البوليساريو" من أجل شنّ حرب استنزاف على المغرب، لكون "البوليساريو" هي النظام الجزائري، كما أنّ النظام الجزائري هو "البوليساريو". له تأثير على عدم قدرة استجابة المخ السياسي للمرادية، للتحولات السريعة التي يشهدها المنتظم الدولي والمحيط الإقليمي في ديناميكية تأييد المقترح المغربي، الذي شكل للنظام العسكري الجزائري اضطرابات وقلق نفسي في عقليته السياسية، بسبب جمود لوزة دماغ نظامها السياسي في فترة الحرب الباردة، وعلى سردية ثورية وئدت بنشأة نظام عسكري بولادة مشوهة، يترنح بين أزمات داخلية بانقلابات عسكرية متداولة تسيطر على مفاصل حكم المرادية، وأخرى مع محيطه الإقليمي، لا تنتهي وصراعات لا تهدأ، سببها عقدة المغرب /الماروكوفوبيا، وانغماسه فيها، ليعيش "حالة من الضيق العميق الدائم"، مما زاد من حالة إدراكه السلبية للمتغيرات الجيوسياسية التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء، ليتوسع عدائه المرضي والنفسي للمغرب لجواره الإقليمي، ليعيش عزلة تحيزه السلبي لاكتئابه السياسي والدبلوماسي باضطراباته المزاجية، وتضخيم تصوراته السلبية من تداعيات الماروكوفوبيا، بالمؤامرة الخارجية وعقيدته العدائية للمغرب لتبرير استمراره في السلطة وتحجيم غضب الجزائريين وانتفاضته ضد استبداده وديكتاتوريته القذرة أمام أزماته الداخلية. هذا النظام العسكري الجزائري الإنقلابي الذي يعيش أزمة الشرعية، ولا يعرف وضعه القانوني بالتدقيق، ساهم في استمرار إشكالية الدولة، والإضرار بالضّمير الجمعي الجزائري. لهشاشة قيم أدائه الدبلوماسي وقيم بنائه السّياسي، بغموض والْتِباسات سياسية كاستمرار لسلطة اللادولة، عبر ما يسمى "وحشية السلطة"، الممثلة في القمع والفساد وآليات الريع في الجزائر التي تعرف أزمة تاريخ وإشكالية جغرافيا، فقبوله الحدود الموروثة عن الإستعمار كجغرافية لكيان الجزائرالفتية، تنسف تاريخ الجزائر، والبحث في التاريخ كمرجع لوجود دولة جزائرية تنسف جغرافيتها. هذه الازمة كواقع، هي أساس اضطراب النظام الجزائري. لان الأراضي الجزائرية. حسب هيلين بليز، هي مساحة أعيد تصميمها وتوسيعها واختراعها باستمرار ، مساحة أعيد تشكيلها من خلال التوغل الاستعماري، كإبداع استعماري بحث. لهذا فإن النظام العسكري الجزائري في إدارته للصراع على السلطة يوظف العنف لسحق أي تهديد للفاعلين لإزاحته، لأنه لا يستطيع أن يحكم سوى بالكذب والديماغوجية والقمع، للسيطرة على الجزائر، فكريا وإداريا، لتسهيل مهمة سلطته السياسية؛ بتخيلات سياسية ذات التفكير الخرافي (المؤامرة والسردية العاطفية)، والتقدير الجزافي (أنه هو الذي يفكر مكان الجزائري)، أسيرة نسق من المعتقدات بتأطير أسطوري ومتخيل، لتغذية العقل العاطفي للجزائريين، ونفسيته التي تعيد ذاته استهلاكها؛ لإعادة تركيبه وإمكانية تفكيكه، داخل توظيف السردية الثورية كلحظة تاريخية لفرضها على واقع وسياق مغايرين لها. مما أدى إلى تضخمه، جعله في صراع أثناء تعامله مع الجزائر كدولة، منذ تحكمه بزمام السلطة عبر الجيش، وحسم الصراع على السّلطة بالقوّة، من فيلا ريفو كمعلمة تاريخية لانطلاقته المشوهة، باعتبارها الموقع الذي له "نوستالجيا" تم فيه التخطيط لصياغة شكل وماهية النظام، لتسيير البلاد بالاضطراب السياسي الذي يرجع بالأساس للفراغ والنقص في تراكم ثقافة الدولة؛ و"ديكتاتورية الفوضى" غير القابلة للتجديد. فإذا كانت الدولة عند هيغل هي "العقل الخالص". فإن العقل السياسي للنظام العسكري في الجزائر معضلته البنيوية، هي موجهاته السياسية "الحقد الخالص و"الحقد حسب لينين هو أسوأ موجه للسياسة". هذه السياسة العدائية جعلت من الجزائر ليست دولة بل نظام. ذو "الأداء العكسي للقيم العادية". ينهج السرد الوطني المزيف في الجزائر يقوم على كذب وخداع. والجيش الجزائري هو الضامن والحامي لهذه الرواية الكاذبة.، حسب وصف الخبيران جان لوي ليفيه وبول توليلا. وهو ما أكده حسين مالطي، في مقدمة بعنوان "الجزائر بلد مريض بقادته"، إن "حكام الجزائر – المستقلة- الذين يدّعون أنهم يمثلون الأسرة الثورية لأنهم حاربوا الاستعمار، قد تحولوا إلى مستعمرين ومكيافيليين جُدد يسيطرون على بلد في غاية الترهل والجهنمية". هذا النظام العسكري الجزائري المنغلق أضحى عاجزاً على تجديد نفسه وتقديم سردية جديدة تمكنه من الاستمرار، في إطار من التعاون والثقة مع محيطه، جعلت وجوده تهديد دائم للجزائريين، للتورط في نواياه الخبيثة المحددة بالعدو الخارجي والمؤامرة المنتشرة في كل مكان، كإخفاق سياسي مبني على الانتقام. أصبحت معه الجزائر حسب عبد القادر عبد العالي، تعيش نمط الدولة الكوربوراتية التسلطية، بوصفه مركبا بنيويّا تنظيميًا، مشوّه ومقيّد وغير مكتمل. وبالتالي كما أكدا جان لويس ليفيت وبول توليلا، أنه: طالما ظل النظام (العسكري) قائما ، فإن "المستقبل لن يكون له مستقبل". لا للشعب الجزائري ولا مع محيطه الإقليمي ودول الجوار. مصطفى البختي* #مصطفى_البختي