تعرض النظام الجزائري لصدمة كبيرة فور صدور قرار مجلس الأمن، القاضي بتمديد ولاية بعثة المينورسو في الصحراء المغربية، لتتلقى دولة الجوار صفعة سياسية جديدة، اعتبرها مراقبون سياسيون بأنها ستزيد من عزلة النظام العسكري إقليميا ودوليا، الذي لم يستوعب، لحد الآن، أن دعم الانفصال لعبة محفوفة بالمخاطر وغير محسوبة العواقب.
وبالرغم من التحولات الجسام التي عرفها ملف الصحراء المغربية، يرجح مراقبون فرضية تمسك النظام العسكري الجزائري بعقيدته الانفصالية التي تخدم الطغمة العسكرية الحاكمة باعتبارها الطرف الرئيس في النزاع المفتعل بخصوص الوحدة الترابية للمحلكة المغربية.
وفي هذا الصدد، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، إن "النظام الجزائري، يعيش في عزلة دولية حقيقية، يكرسها الفشل البنيوي الذي يشهده الجهاز الديبلوماسي الجزائري، نتيجة الاختيارات الخاطئة للنظام، من خلال مراهنته على ميليشيا إنفصالية إرهابية، من أجل تحقيق اختراقات دبلوماسية، والإضرار بالأمن القومي للمملكة المغربية".
وأوضح البراق، في تصريح ل"الأيام 24″، أن النظام العسكري الجزائري، وطوال العقود السابقة، لم يستطع تحقيق أي انتصار سياسي في أي ملف اشتغل عليه، مردفا أن "هذا راجع إلى الإشكالات البنيوية الكبرى التي يعاني منها جهاز الدبلوماسية، من خلال وصاية مؤسسات أخرى عليه كالمخابرات والجيش".
وأكد المتحدث نفسه، أن الدبلوماسية الجزائرية أصبحت جزءا من العطب الإقليمي، وسياساتها العدائية تجاه جوارها، مبينا أنها "أصبحت تشكل أحد المخاطر الكبرى في المنطقة، نتيجة العقيدة التصادمية لهذا النظام، ومحاولته لعب أدوار إقليمية رائدة، بتدخله الفج في العديد من القضايا الإقليمية".
وبسبب غياب الخيارات التنموية في توجهاته الكبرى، يرى المحلل السياسي أن "النظام الجزائري مضطر لتسويق انتصارات دبلوماسية خارجية، لتبرير السياسات الداخلية الممنهجة لتبديد مقدرات الشعب الجزائري في سياسات تسليحية".
وتابع أن "استدعاء محمد عطاف من دولاب العشرية السوداء لقيادة الدبلوماسية الجزائرية هو مؤشر قوي على انتصار التيار العسكرتاري داخل الدولة الجزائرية على التيار المدني، وخضوع الدولة الجزائرية بكامل مؤسساتها للرغبات البومدينية للجنرال شنقريحة"، مشيرا إلى أن "سياسات محمد عطاف وفريقه الدبلوماسي لن تخرج عن نفي السياق التصادمي لسياسات الحرب، التي يعتمدها الجنرال شنقريحة وواجهته المدنية عبد المجيد تبون".
ويعزو شادي عبد السلام، فشل الجزائر في تمرير مغالطات سياسية وقانونية في مجلس الأمن إلى ابتعاد الدبلوماسية الجزائرية عن المنطق السليم، والتحليل الدقيق، والفهم العميق لطبيعة التوازنات الدولية والإقليمية، وعلاقتها بالوضع الجيوسياسي المتأزم، الذي تعيشه منطقة شمال وغرب إفريقيا والساحل، نتيجة تصاعد المخاطر المهددة للأمن البشري، كالإرهاب والهجرة والجريمة العابرة للقارات، والإشكالات المرتبطة بالتغيرات المناخية، والتطرف العنيف.
وأضاف في نفس السياق، أن "هذا النظام يكرس المخاطر والتحديات الأمنية التي تهدد المنطقة، من خلال دعمه الكبير لميليشيات البوليساريو الإرهابية، بامتدادتها المعروفة مع الجماعات المتطرفة والإرهابية في الساحل والصحراء الكبرى".
وارتباطا بالموضوع، أفاد البراق، أن المملكة المغربية، من خلال المجهودات التي تقوم بها الدبلوماسية المغربية، قدمت عرضا دبلوماسيا متكاملا، يتضمن كل الضمانات التي تدعم جهود الاستقرار والسلام والأمن والتنمية في المنطقة، من خلال مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كأساس لحل سياسي تفاوضي للنزاع الإقليمي المفتعل.
وتعزز المبادرات المغربية التنموية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المقترح، من خلال التنزيل الدقيق للنموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، والأوراش العملاقة المصاحبة له، كطريق إفريقيا الأطلسي ( تزنيت – الداخلة )، وميناء الداخلة الأطلسي، ومشاريع الطاقات المتجددة، والمنطقة الإقتصادية الخاصة بميناء الداخلة، والأوراش الإجتماعية والإقتصادية التي تعرفها مختلف مداشر ومدن الصحراء المغربية.
وعلى الصعيد الدولي، تعززت المبادرةٓ المغربية كذلك بالمشاريع الكبرى المهيكلة، من قبيل مشروع أنبوب الغاز الأطلسي – الأفريقي، والمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، من خلال التعاون جنوب – جنوب، الذي يقوم على أساس شراكة رابح – رابح، ومبادرة مسلسل الرباط للدول الأفريقية الأطلسية الطموحة والرائدة.
من جهته، قال الخبير في العلاقات الدولية والمتخصص في قضية الصحراء المغربية، حسن بلوان، إن مسلسل انخراط الجزائر في استعداء المملكة المغربية، والتهجم عليها من خلال وحدتها الترابية مستمر، مؤكدا أن قرار مجلس الأمن الأخير هو انتصار للمغرب، واستثمار لمجموعة من الجهود التي ما فتئ مجلس الأمن يقدمها في قراراته الأممية، على مدى خمس سنوات.
وأضاف بلوان في تصريحه ل"الأيام24″: "أعتقد أن الجزائر حاولت استغلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، لتسجيل نقاط لصالح جبهة البوليساريو، لكنها فشلت فشلا ذريعا، خاصة وأن معظم دول مجلس الأمن الدائمين، وغير دائمي العضوية، إما تناصر قضية الصحراء المغربية، كالولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، أو تنهج حيادا إيجابيا كروسيا والصين، أما عن باقي الدول، فهي تدعم كذلك الوحدة الترابية، باستثناء الجزائر والموزمبيق اللذان غردا خارج السرب في المجلس المذكور".
وبالحديث عن ردود فعل الجزائر أمام هذا الوضع، أكد الخبير في العلاقات الدولية، أن أي رد فعل لها سيحصد الفشل الذريع، كما حدث لها في السابق، مردفا "للأسف، فهي لم تستوعب بعد أنها خارج نطاق الفعل، وتقوم ببعض الردود الفارغة، التي لا يمكن أن تؤثر في مسار الطي النهائي لقضية الصحراء المغربية".
وارتباطا بذلك، أبرز بلوان، أن الدبلوماسية المغربية نجحت، وبثبات كبير، في التصدي لهجمات الاتفصاليين، سواء في الأرض، أو على مستوى الأروقة الإقليمية والدولية، موضحا أن الجزائر لا يمكنها أن تقدم أي مشروع يمكن أن يعيد الملف إلى الوراء، خاصة مع التقدم الباهر الذي حققه المغرب في هذا المجال، ولذا فإن جميع الردود المحتملة تظل خارج سياق الزمن والواقع.