في ظل التغيرات المناخية التي تعرفها بلادنا خاصة مع قلة التساقطات المطرية في السنوات الست الأخيرة مما أثر بشكل كبير على الإنتاج الفلاحي بالمغرب، يؤكد متتبعون على ضرورة التفكير في إرساء نموذج جديد في المجال الفلاحي، يراعي الإشكالات الجديدة خاصة ما يتعلق بإشكالية الإجهاد المائي، ويستهدف أساسا الأمن الغذائي الوطني.
الخبير في مجال البيئة والتنمية المستدامة، أحمد صدقي، قال إنه "بعد أخذ العبرة من البرامج والمخططات السابقة، يتضح أن المغرب يحتاج لإرساء نموذج جديد في المجال الفلاحي والذي ينبغي أن يتأسس على مجموعة من الركائز".
وأضاف صدقي، في تصريح ل"الأيام 24″، أن أولى المرتكزات التي ينبغي أن يقوم عليها النموذج الفلاحي الجديد، هي "ضمان الأمن الغذائي للبلاد، وذلك بإعطاء الأولوية للإنتاج الذي يمكن أن يغطي كما ونوعا حاجيات ساكنة المغرب والتي تتحدد عموما في الحبوب والخضر والفواكه والزيوت والسكر واللحوم البيضاء والحمراء مع مراعاة تطور السلوك الغذائي للمجتمع المغربي وتوجهاته الجديدة".
واعتبر صدقي، أنه "لا يعقل أن تعتمد البلاد برامج ومخططات توضع رهن إشارتها كل الإمكانيات والموارد المالية والبشرية من الأراضي والتجهيزات ومن المياه وباقي دعامات الإنتاج دون أن تُعفي البلاد من التوجه إلى الاستيراد والخضوع لتغيرات وتقلبات السوق الخارجية، وتكلفة ذلك من العملة الصعبة مع مخاطر عدم ديمومة تموين السوق الداخلية وارتفاع الأسعار وافتقاد الجودة أحيانا في المواد والسلع المستوردة".
وأبرز صدقي، أن الركيزة الثانية للنموذج الجديد للمجال الفلاحي، والتي لا يمكن فصلها عن الأولى هي ركيزة الموارد المائية الموضوعة رهن إشارة الإنتاج الفلاحي، مبينا أنه "في ظل الإرهاصات الجدية للتغير المناخي أصبح الخصاص المائي معطى هيكلي يستوجب اعتماد سياسة فلاحية مندمجة تراعي هذا المعطى وتأخذه بعين الاعتبار عند إقرار المخططات وعند تنزيلها، وجعل توجهات القطاع الزراعي تحترم مقتضيات الاقتصاد في الماء وحسن تدبيره وتوزيعه وتوجيه المياه السقوية بشكل معقلن لإقرار الأمن الغذائي".
وحث صدقي، على "ضرورة الامتناع عن اعتماد زراعات مستنزفة للمياه خصوصا حين تكون موجهة للتصدير كما نسجله بخصوص "الأفوكا" مثلا التي تعتبر زراعة دخيلة ولا علاقة لها بالأمن الغذائي الوطني، وتستنزف المياه بشكل كبير جدا حيث تصل كمية المياه المطلوبة لإنتاج كيلوغرام واحد من هذه الفاكهة إلى طن من الماء"، منبها إلى أنه "يكفي حساب بسيط لنعلم حجم المياه التي توجه وتخصص لهذه الزراعة في ظروف جفاف استثنائية، علما أن بلادنا سجلت هذه السنة إنتاج 90 ألف طن من هذا المنتوج معظمه موجه للتصدير".
يذكر أنه رغم كون المغرب يعيش للعام السادس على التوالي تحت وطأة موجة جفاف، أدت إلى تقليص المساحات المزروعة، ودق ناقوس خطر عجز مائي غير مسبوق، إلا أن صادرات المغرب من المنتجات الفلاحية تشهد ارتفاعا رغم هذه الظروف المناخية الصعبة للبلاد.
ويرى متتبعون أن استمرار ارتفاع تصدير أطنان من أنواع مختلفة من الفواكه والخضر صوب دول أوروبية أو إفريقية وغيرها، مقابل أزمة الجفاف الحاد لسنوات متتالية التي يعيشها المغرب، تعد بمثابة "تصدير الماء عبر المنتجات الفلاحية"، مما يزيد في إنهاك المخزون المائي ويكرس التبعية الاقتصادية.