استطاع حزب التجمع الوطني للأحرار، بقيادة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اكتساح جل الاستحقاقات الانتخابية الجزئية التي شارك فيها، منذ ترأسه الحكومة إلى اليوم، آخرها الفوز الذي حققه شهر أبريل، بالانتخابات الجزئية التشريعية المنظمة بدائرة فاس الجنوبية، بواقع 9767 صوتا لمرشح حزب "الحمامة"، متقدما على حزب العدالة والتنمية الذي حصل على 3854 صوتا، فيما حل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثالثا بحصوله على 2642 صوتا.
وسبق لحزب "أخنوش" تصدر نتائج الانتخابات الجزئية التشريعية التي جرت في وقت سابق، بكل من أقاليم بني ملال، الحسيمة، مكناس، آسفي وسيدي قاسم، إضافة إلى نتائج الانتخابات الجزئية الجماعية التي أجريت في عديد الدوائر الانتخابية. وهو ما يطرح سؤال الفعالية حول خطاب أحزاب المعارضة ومدى قدرتها على إقناع المغاربة في مواجهة أحزاب الأغلبية الحكومية.
فهل فشلت أحزاب المعارضة في إنتاج خطاب سياسي مؤثر وقادر على إقناع الناخبين بتوجهاتها؟ أم أن نتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة، ما هي إلا دليل على الثقة التي تحظى بها الحكومة، كما تقول الأحزاب المشكلة للأغلبية؟ أم أن الانتخابات الجزئية في المغرب لها خصوصيتها، التي لا يمكن أن تجعل منها محطة لتقييم العمل الحكومي أو لتزكية أداء المعارضة، كما يرى آخرون؟
السعيد: فوز أحزاب الأغلبية غير مرتبط بهشاشة المعارضة
قال أمين السعيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إن الانتخابات الجزئية التي جرت خلال هذه الولاية، "لا يمكن اعتبارها محطة للتقييم وللقياس والتحليل، ويمكن توصيفها مجازا بالمحطات الثانوية العابرة"، مشيرا أنه "في المغرب، جرت العادة تاريخيا وتقليديا أن الانتخابات الجزئية غير مرتبطة بمعادلة الحكومة في مواجهة المعارضة، ولا يمكن اعتبار مخرجاتها كمحطة للتحليل وللقياس".
وأشار السعيد في حديثه ل"الأيام24″ إلى أن "الحضور القوي للحزب المتزعم للحكومة، وكذلك بعض الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي، هو غير مرتبط بهشاشة المعارضة"، مبرزا أنه "مرتبط بقدرة هذه الأحزاب على توظيف الإمكانيات الشخصية والعوامل التقليدية والتاريخية التي تؤثر في الخارطة الانتخابية المحلية، وهي عوامل الحضور الشخصي وشبكة الأعيان والكائنات الانتخابية، وقدرة المرشح على تعبئة الإمكانيات المالية التي تتيح له استراتيجية تدبير علاقات القرب مع المواطنين".
وتابع أستاذ العلوم السياسية، "في مثل هاته المحطات الانتخابية تختفي السياسة والتقاطبات الحزبية والمشاريع السياسية، ونصبح أمام محطات انتخابية شخصية في مواجهة أشخاص، ولسنا أمام محطات لتقييم العمل الحكومي أو لتزكية أداء المعارضة، فنحن أمام انتصار انتخابي لأحزاب الأغلبية، ولسنا أمام انتصار سياسي يعكس التقاطبات المرتبطة بالبرامج".
وأشار السعيد، أن "الأشخاص الذين نجحوا في الانتخابات الجزئية، لو ترشحوا باسم أحزاب المعارضة لفازوا في هذه الانتخابات، وبالتالي، لن نتفاجأ في الاستحقاقات الجزئية المقبلة بفوز نفس هاته التركيبة، التي تنتعش في ظل غياب السياسة وتراجع الثقة، وغياب المشاريع السياسية"، مردفا أن "هذه الانتخابات الجزئية تزكي مسلسل انتخابات 2021، وقد يستمر هذا المسلسل إذا بقيت هذه العوامل المتعلقة بفقدان الثقة وبالهشاشة الحزبية وبموت السياسة في المغرب".
ماء العينين: انتخابات طبعها الفساد واستعمال المال
قالت أمينة ماء العينين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إن الانتخابات الجزئية التي تمت خلال الولاية الحالية، لم تشذ عن قاعدة انتخابات 8 شتنبر، التي يعرف الجميع أنها لا تعكس التمثيلية الحقيقية"، مردفة بالقول: "أضف إلى ذلك، أن الانتخابات الجزئية حتى في الحالات العادية تتسم بخصوصية تجعلها استثنائية وغير مسيسة، حتى تمر في سياق غير انتخابي إعلاميا وسياسيا".
وأوضحت البرلمانية السابقة في حديثها ل"الأيام24″، أنه "منذ الثامن من شتنبر، دشن المغرب منطقا مغايرا في التعامل مع الانتخابات، وهو من حمل حزب رئيس الحكومة إلى الصدارة بشكل متعسف وغير تلقائي"، مشيرة أنها "انتخابات طبعها الفساد واستعمال المال وانحياز السلطة واستعمال وسائل الضغط والتهديد والإغراء في إطار قوانين انتخابية غير عادلة همها الأول هزم حزب العدالة والتنمية وصناعة خريطة انتخابية متحكم فيها، لذلك، من ذا الذي يهتم لانتخابات جزئية تجري على شاكلة ما حدث في جماعة الدخيسة في مكناس، حيث انكشفت المهزلة؟".
واعتبرت المتحدثة أن فوز حزب رئيس الحكومة "بمقعد هنا أو هناك لا يعني شيئا، ولا يغير شيئا من واقع سياسي باهت، قتلت فيه السياسة والحزبية ومعاني التمثيلية، وهو أمر غير إيجابي لبلدنا".
العلام: انتخابات يتحكم فيها الأعيان
يعتبر عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن نسبة التصويت في الانتخابات الجزئية ونوعية الأشخاص المترشحين لهم أهميتهم، مشيرا أن "برلمانيا عن حزب في المعارضة لما يقارب السنتين، عندما ألغي انتخابه، ترشح بحزب أغلبي ونجح، وبالتالي، لا يمكن اعتبار ذلك مقياسا يمكن البناء عليه، لنقول إن الناس يثقون في الأغلبية وغير مقتنعين بخطاب المعارضة".
وأضاف العلام، في حديثه ل"الأيام24″، أن "الانتخابات الجزئية ليس المتحكم فيها هو اللون الحزبي، وإنما الشخص المترشح فقط، الذي يمكنه الترشح بأن لون ليحقق النجاح"، معتبرا أن "اللون الذي يطغى اليوم على الانتخابات منذ 2021، هو لون الأعيان، وهم الذين يحققون للأحزاب السياسية المقاعد".
وتابع: "من الصعب جدا، أن تكون الانتخابات الجزئية مقياسا لمنسوب الثقة في الأحزاب الحكومية أو عدم الثقة في أحزاب المعارضة، لأنه عندما تكون نسبة المشاركة في الانتخابات متدنية، فآخر شيء يمكن البناء عليه هو الخطاب السياسي وخطاب الإنجازات، فالذين يذهبون إلى التصويت في هذه الحالة، غالبا لا يذهبون من أجل التصويت على حزب، بقدر ما يصوتون انطلاقا من ارتباطات محلية".
وأوضح العلام، أنه "عندما تكون نسبة المشاركة مرتفعة، آنذاك، يمكن الحديث عن دور الخطاب السياسي في النتائج. في حين نلحظ أن نسبة العزوف كبيرة، حيث تتجاوز في بعض الدوائر نسبة 75٪، وبالتالي فمن الصعب أن نجعل من الخطاب السياسي سببا للنجاح أو سببا للفشل".
"هذا الأمر ينطبق على ما نعيشه اليوم، وكذلك على الحكومتين السابقتين، حيث كان العثماني وقبله بنكيران، كلما فازوا في انتخابات جزئية يقولون إن الشعب يثق فينا"، يورد المتحدث، مشيرا أن "قول الأغلبية اليوم بهذا الكلام، لا يمكن البناء عليه، إلا إذا أرادت بعض الأحزاب أن تتوهم الشعبية كما كانت تتوهمها حكومة العثماني، الذي كان يقول إن حزبه يحظى بالثقة والشعبية، وأنابت الانتخابات العامة أنه لم يكن مصيبا".
وتساءل العلام: "لماذا سيثق الناس في الحكومة؟ هل لأن الأسعار تراجعت أو أن القدرة الشرائية للمواطنين والأجور ارتفعت؟ أم أن الوعود التي قطعتها الأحزاب السياسية تم الوفاء بها؟".
إلى ذلك، اعتبر المتحدث، أن هناك تراجعا في اهتمام المغاربة بالسياسة، مشيرا إلى أن هناك "مؤشرات تدل على ذلك، أهمها: تراجع نسبة البرامج السياسية في وسائل الإعلام، ومقالات الرأي والمقروئية في الجرائد، وغياب الجدل السياسي في مواقع التواصل الاجتماعي".