يرى مراقبون أن المياه بدأت تعود إلى مجاري العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وموريتانيا، مع تعيين الأخيرة سفيرًا لها في المغرب بعد فراغ المنصب لأكثر من خمس سنوات، وبعد أن كانت الرباط سباقة إلى تعيين سفيرها في نواكشوط. تعيين السفير الموريتاني، محمد الأمين ولد آبي، في المملكة المغربية، قبل ثلاثة أيام، بعد شهور قليلة من تعيين السفير المغربي، حميد شبار، في نواكشوط، وأيضًا بعد تعبير الرباط عن أن أحد أبرز المعارضين الموريتانيين غير مرغوب فيه داخل البلاد؛ يؤشران على انفراج في العلاقات المتنافرة بين البلدين.
وتجلت العلاقات الباردة بين المغرب وموريتانيا في امتناع حاكمي البلدين عن القيام بزيارات رسمية متبادلة، فالعاهل المغربي، الملك محمد السادس، سبق له أن زار موريتانيا في عهد الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، لكنه لم يزر البلاد في عهد الرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز، الذي بدوره لم يزر رسميًا المملكة منذ وصوله إلى الحكم.
ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور محمد عصام لعروسي، أن تعيين السفير الموريتاني يكشف عن انفراج في العلاقات الدبلوماسية، إذ في الأعراف الدبلوماسية يعكس ذلك عودة العلاقات إلى قوتها وسالف عهدها.
ورأى لعروسي أن هناك "صفقة سياسية يستفيد منها الطرفان من خلال تعزيز العلاقات المغربية الموريتانية، وتحييدها عن محور الجزائر، وتسليم المعارض الموريتاني الذي تطالب به نواكشوط؛ أي إعلاء لغة المصالح المشتركة بدل المزايدات السياسية بين جارين يحكمهما منطق الجغرافيا والعلاقات التاريخية والتقاطعات الاجتماعية والثقافية.
وسجل الخبير ما أسماه "عودة الجانب العقلاني للعلاقات، وتغييب المزاجية من الجانب الموريتاني، الذي يبدو أنه راهن على التعاون مع الجزائر بعد تجميد سبل التشاور والحوار مع المغرب واجتياز محطات من التوتر"، مبرزًا أن "الجانب الدبلوماسي المغربي طمح إلى تحسين العلاقات ورأب الصدع وتجاوز التصعيد الإعلامي، خاصة بعدما عين سفيرا مغربيا جديدا بعد وفاة السفير بنعمر الذي شغل هذا المنصب لسنين عديدة".
ولاحظ الخبير بأن "عودة المغرب القوية إلى الاتحاد الأفريقي، وإخفاق محور الجزائر في تقزيم المغرب على صعيد المنظمة الأفريقية والإنقاص من وزنه الاستراتيجي والدبلوماسي، من العوامل التي ساهمت في إنضاج الخيار الدبلوماسي الموريتاني بتقوية العلاقات مع المغرب وتعيين سفير في الرباط".
وزاد لعروسي بأن "رغبة المغرب في الانضمام إلى منظمة (إيكواس) الاقتصادية، تطوي صفحة الاتحاد المغاربي نهائيًا، ويجعل من المشروع المغاربي مجرد ذكرى من الماضي، مما يفقد موريتانيا تكتلًا كانت هي الحلقة الأضعف فيه تحتاج إلى محركيه الأساسيين، المغرب والجزائر.
وأشار المحلل ذاته إلى اعتماد موريتانيا على المغرب من الناحية الاقتصادية للتزود بالمواد الغذائية، كالخضار والفواكه والسلع الضرورية عبر منطقة الكركرات، وتقديم المساعدات الاقتصادية اللازمة لموريتانيا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر، بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية المرتفعة بالنسبة لموريتانيا للحصول على المواد الأساسية من مناطق أخرى من دول العالم.
ولم يفت الخبير الحديث عن قناعة القيادة الموريتانية باستمرار التزام الحياد في قضية الصحراء، وأن الحديث عن تغيير الموقف الموريتاني إزاء هذا الخلاف هو مجرد دعاية إعلامية، لأن نواكشوط تعتبر أن قضية الصحراء تتعلق بالأجندة الدولية للجزائر، وأن موريتانيا لن يكون لها أي تأثير على مجريات الأمور.