بين ضجة "مدونة الأسرة" وانتظار "التعديل الحكومي" المرتقب والتنزيل الفعلي ل"مدونة الأخلاقيات" التي أمر بها الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي، بعد المصادقة عليها خلال الدورة البرلمانية الربيعية المقبلة، تمكن موضوع "ملتمس الرقابة" الذي لوح به حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من أخذ حيزا مهما من النقاش السياسي المغربي في الأيام القليلة الماضية. ورغم عدم نجاح أي مبادرة تروم سحب المعارضة ثقتها من الأغلبية الحكومية، منذ حصول المغرب على استقلاله وتشكيل أو حكومة مغربية في عهد البكاي بن مبارك الهبيل خلال نصف خمسينيات القرن الماضي، لا يزال حزب "الوردة" مصر على تقديم "ملتمس الرقابة" والاشتغال عليه في الدورة البرلمانية المقبلة رفقة الأحزاب السياسية المعارضة، التي أبدت حسب ما استقته "الأيام 24" من بعض القيادات الحزبية على عدم اقتناعها بهذا الإجراء الدستوري.
وفي نفس السياق، شهد إجراء "ملتمس الرقابة" تأويلات سياسية عديدة من طرف المتتبعين، مما أدى إلى فتح قوس التساؤلات التي حاولت "الأيام 24" طرحها على رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، الذي قدم إجابات كتابية لخص من خلالها الغموض الذي اكتنف مبادرة حزب "لشكر".
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
1) هل يحاول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الضغط على أخنوش بإجراء "ملتمس الرقابة" من أجل المشاركة في الحكومة بعد التعديل الحكومي المرتقب؟
أولا، ملتمس الرقابة هي آلية دستورية معروفة تمارسها البرلمانات من أجل مراقبة عمل الجهاز التنفيذي والضغط عليه، إذا بدا أن عمله يسير في اتجاه لا يرضي ممثلي الأمة، ومن تم إرغام هذا الجهاز على الاستقالة بعد تحقق شروط معينة منصوص عليها في الوثيقة الدستورية. مثلا الدستور المغربي الحالي ينص على أنه لا يقبل ملتمس الرقابة إلا إذا تم التصويت عليه من قبل خمس أعضاء مجلس النواب ولا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت الأغلبية المطلقة من الأعضاء الذين يتكون منهم مجلس النواب، وذلك بعد اتباع إجراءات مسطرية وقانونية دقيقة.
فعلا، البيان الأخير لحزب الاتحاد الاشتراكي أشار إلى أن هذا الملتمس مطروح على طاولة النقاش مع حلفائه في المعارضة، وذكر بأنهم قطعوا أشواطا في إمكانية تفعيله، وبالرجوع إلى تاريخ الممارسة الدستورية بالمغرب، نجد أن هذه التقنية الدستورية ناذرا ما تم تطبيقها، ربما كانت هناك مناسبتين فقط، الأولى ضد حكومة باحنيني سنة 1964 والثانية ضد حكومة عز الدين العراقي سنة 1990، وكلاهما باءتا بالفشل ولم يؤديا فعلا إلى إسقاط الحكومة لعدم توفر النصاب والقبول من طرف الأغلبية.
إذن، فالقضية ليست مجرد كلام وتصريح بل تتعلق بقرار على غاية من الأهمية، وبالتالي لابد ان تتوفر فيه شروط قانونية وتاريخية تسمح به، وهو الشيء الذي لا أراه متوفر في الوقت الراهن، على أساس أن المعارضة ذاتها وهي المعنية الأولى بالملتمس ضعيفة وليست على وفاق تام، وأكد أقول بأن كل مكون من مكوناتها يمارس معارضته وفق ما يتصوره ويرعى مصالحه.
من جهة اخرى، يبدو أن حكومة أخنوش متماسكة لحد الآن ولا تعاني من تصدعات أوخلافات واضحة، إذن ما المبرر لتقديم ملتمس الرقابة!؟ شخصيا لا يبدو لي أي مبرر موضوعي من الناحية السياسية والدستورية، وبالتالي فإذا كان لحزب الاتحاد الاشتراكي رأي آخر، فما عليه إلا أن يوضحه الرأس العام مع تبيان الأشواط التي قطعها مع حلفاءه في هذا الشأن، أما أنا فليست لي معلومات خاصة.
أما الشق الثاني الوارد في سؤالك، فلكأني بك تريد القول بأن الاتحاد الاشتراكي يريد أن يمارس نوعا من الابتزاز لفرض نفسه في التعديل الحكومي الذي يجري الحديث بشأنه الآن، رغم عدم وجود معطيات مؤكدة بهذا الصدد، وفي اعتقادي، فإن حزب الاتحاد الاشتراكي هو أكبر من ذلك بكثير، وكيفما كان الحال،. يبقى رقما صعبا في معادلة التوازن السياسي ببلادنا، وبالتالي، إليه يرجع الجواب على هذا الشق من السؤال، كي يوضح موقفه جيدا تفاديا لأي تأويل يسيء لتاريخه.
2) هل يمكن اعتبار إجراء ملتمس الرقابة ورقة يستخدمها ادريس لشكر لمواجهة انتقادات ما سمي ب"فضيحة ريع الدراسات"؟
ربما، لكن الحزب في بيانه الأخير حاول أن يدافع عن وجهة نظره بخصوص ما أسميته انت بريع الدراسات، وإن كنت شخصيا غير مقتنع تماما بما ورد في البيان، لاسيما ان الطريقة التي حرر بها طغى عليه البعد الانفعالي، وهذا شيء طبيعي جدا بالنظر لقوة الاتهام، فهل يريد بطرحه لقضية ملتمس الرقابة، الالتفاف عن هذا المشكل والانعراج به نحو مسار آخر!؟ لا أستطيع تأكيد ذلك وفي نفس الوقت لا أستبعده. بظني، أن حزب الاتحاد الاشتراكي يوجد الآن في مازق ضيق، ولن يتجاوزه إلا بفتح نقاش موضوعي وصريح بين جميع مكوناته أولا.
وثانيا ان يخرج للرأي العام بخطاب واضح يصحح به بعض الانحرافات. ليس مشكلا إن كانت عينه على الحكومة، ولكن الطريق نحوها يتأسس، كما قلت، بخطاب الوضوح ونقد الذات وليس بتهريب النقاش حول قضايا لا تحظى بإجماع حد.
3) هل نحن حقا إزاء تعديل حكومي مرتقب؟
من الناحية الإجرائية، يبدو أن الحديث عن تعديل حكومي وفي نفس الوقت عن ملتمس رقابة مسألة "ما قبطاش مزيان".
التعديل الحكومي ليس شرطا دستوريا واقفا ولكنه عرف وغير ملزم كذلك. يبقى تقدير إجراء تعديل حكومي من عدمه للسيد رئيس الحكومة، فهو الذي يمكنه اقتراح التعديل على صاحب الجلالة في حالة إذا ما بدا له أن إيقاع الآداء بين المكونات الوزارية غير متوازن.
من هنا فقط، يمكن القول، بأن عجلة بعض القطاعات الوزارية عاجزة عن مسايرة الإيقاع وبالتالي فالحاجة تدعو فعلا إلى تغيير إطاراتها، فإن استشعر حزب الاتحاد الاشتراكي بأن وضعه غير مريح مع مكونات المعارضة، فيمكنه التعبير عن ذلك مباشرة، ومن تم نسج تحالفات أخرى تعبد له الطريق نحو الالتحاق بالفريق الحكومي.