"أسمع جعجعة ولا أرى طحينا" مثل عربي يصدق بشكل كبير على ما أثارة إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي من زوبعة بخصوص شروعه في مشاورات مع فرق المعارضة بمجلس النواب لتقديم ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة، غير أننا لم نشهد لحد الآن أي خطوة حقيقية لتقديم هذا الملتمس.
ويعد "ملتمس الرقابة" من أهم الآليات التي يملكها البرلمان في مجال الرقابة على العمل الحكومي، ذلك أنه أداة قانونية لإسقاط الحكومة، لكن لم يتم استعمالها إلا مرتين فقط خلال سنتي 1964 و1990.
ورغم أن الجميع يعلم أن تلويح لشكر بتقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة لن يصل إلى مداه بإسقاط الحكومة، بسبب تمتعها بأغلبية نيابية مطلقة تتمثل في الأحزاب الثلاثة (التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال)، فضلا عن حزب الاتحاد الدستوري الذي أعلن نفسه في الأغلبية وليس في المعارضة رغم أنه لا يشارك في الحكومة.
ولكن حتى وإن كان التصويت لصالح ملتمس الرقابة مستحيلا في ظل الأغلبية المريحة للحكومة، فإنه كان سيشكل على الأقل ضغطا أخلاقيا وسياسيا أكثر منه قانونيا على الحكومة، ناهيك على أنه كان سيسهم في ترميم صورة المعارضة التي تعيش نوعا من التشرذم بسبب اختلاف رؤى قيادات أحزابها.
وبالتالي توضح الوضعية الحالية للمعارضة بالبرلمان، حسب متتبعين، أن الظروف الذاتية والموضوعية لتقديم ملتمس الرقابة غير متوفرة، ففي الجانب الذاتي، تبدو أحزاب المعارضة مشتتة ولا شيء يجمع بينها رغم أنها تنسق فيما بينها، بل رغم أن حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وقعا على تصريح سياسي مشترك لتعميق العمل المشترك والتنسيق على مستويات مختلفة.
غير أنه رغم هذا التحالف بين حزبي "الوردة" و"الكتاب"، فإن رفاق بنعبد الله غير متفقين مع لشكر لتقديم ملتمس الرقابة، بل أكثر من ذلك لم يسبق للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أن ناقش هذا الموضوع بتاتا في اجتماعاته، حسب ما كشف عنه مصدر ل"الأيام 24″.
أما عن علاقة الاتحاد الاشتراكي بباقي مكونات المعارضة فهي أسوء من علاقته بالتقدم والاشتراكية خاصة حزب العدالة والتنمية الذي ما زال الخلاف الشخصي بين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، يلقي بقيوده على تنسيق متقدم بين حزبي "المصباح" و"الوردة"، كما أن ثاني رجل في الحزب إدريس الأزمي رئيس برلمان العدالة والتنمية سبق ونفى وجود أي تنسيق مع الاتحاد الاشتراكي لتقديم "ملتمس رقابة" شهر أبريل المقبل.
وفيما يخص الشروط الموضوعية غير المتوفرة لطرح ملتمس الرقابة، فإنه بالرجوع لسياق ملتمسات الرقابة سنتي 1964 و1990، نجدها طُرحت في سياق طبعه الاحتقان خلافا لما عليه الأمر في السياق الراهن، ناهيك عن توفر الحكومة على أغلبية مريحة ومتماسكة –على الأقل ظاهريا-، إذ لا وجود لمؤشرات على أن هناك خلافا عميقا بين مكوناتها، قد يجعل بيتها مهددا بالانفجار مما يحتمل معه تصويت بعض أعضائها على هذا الملتمس.
وأمام غياب الشروط الذاتية والموضوعية لتقديم ملتمس الرقابة، يطرح سؤال: ما خلفيات تلويح لشكر بتقديم ملتمس رقابة وهو الذي كان إلى وقت قريب يخطب ود الحكومة من أجل الالتحاق بسفينتها؟ هل هي محاولة فعلا لتعزيز وحدة المعارضة والعمل على الضغط السياسي على الحكومة؟ أم أنها محاولة لتوجيه إشارات معينة خاصة مع تداول اقتراب تعديل حكومي؟
في المحصلة، يجمع مراقبون أن تلويح لشكر بتقديم ملتمس الرقابة رفقة أحزاب المعارضة ليس سوى "رصاصة فارغة" تحدث ضجيجا ولكن لا فعالية ولا أثر لها على أرض الواقع، ولذا يبدو أن المعارضة مطالبة بالتحلي بالجرأة اللازمة لتحريك ملتمس الرقابة، ضد نفسها أولا قبل غيرها.